( كِتَابُ النِّكَاحِ ) ( قَالَ ) : الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ
أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى إمْلَاءً - اعْلَمْ بِأَنَّ النِّكَاحَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الْوَطْءِ ، تَقُولُ الْعَرَبُ : تَنَاكَحَتْ الْعُرَى أَيْ تَنَاتَجَتْ وَيَقُولُ : أَنْكَحْنَا الْعُرَى فَسَنَرَى لِأَمْرٍ يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ وَيَنْظُرُونَ مَاذَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ ، وَحَقِيقَةُ الْمَعْنَى فِيهِ هُوَ الضَّمُّ وَمِنْهُ يُقَالُ : أَنْكَحَ الظِّئْرَ وَلَدُهَا أَيْ أَلْزَمَهُ ، وَيُقَالُ انْكِحْ الصَّبْرَ أَيْ الْزَمْهُ ، وَقَالَ الْقَائِلُ
: إنَّ الْقُبُورَ تَنْكِحُ الْأَيَامَى وَالنِّسْوَةَ الْأَرَامِلَ الْيَتَامَى
أَيْ تَضُمُّهُنَّ إلَى نَفْسِهَا وَاحِدُ الْوَاطِئِينَ يَنْضَمُّ إلَى صَاحِبِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَسُمِّيَ فِعْلُهُمَا نِكَاحًا قَالَ الْقَائِلُ
كَبِكْرٍ تُحِبُّ لَذِيذَ النِّكَاحِ
أَيْ الْجِمَاعِ ، وَقَالَ الْقَائِلُ
التَّارِكِينَ عَلَى طُهْرٍ نِسَاءَهُمْ وَالنَّاكِحِينَ بِشَطَّيْ دِجْلَةَ الْبَقَرَا
أَيْ الْوَاطِئِينَ ، ثُمَّ يُسْتَعَارُ لِلْعَقْدِ مَجَازًا إمَّا لِأَنَّهُ سَبَبٌ شَرْعِيٌّ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى الْوَطْءِ ، أَوْ لِأَنَّ فِي الْعَقْدِ مَعْنَى الضَّمِّ ، فَإِنَّ أَحَدَهُمَا يَنْضَمُّ بِهِ إلَى الْآخَرِ وَيَكُونَانِ كَشَخْصٍ وَاحِدٍ فِي الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ الْمَعِيشَةِ . وَزَعَمَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=10787_10788_10789اسْمَ النِّكَاحِ فِي الشَّرِيعَةِ يَتَنَاوَلُ الْعَقْدَ فَقَطْ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=6حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ } يَعْنِي الِاحْتِلَامَ فَإِنَّ الْمُحْتَلِمَ يَرَى فِي مَنَامِهِ صُورَةَ الْوَطْءِ ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=3الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً } وَالْمُرَادُ الْوَطْءُ ، وَفِي الْمَوْضِعِ الَّذِي حُمِلَ عَلَى الْعَقْدِ فَذَلِكَ لِدَلِيلٍ اقْتَرَنَ بِهِ مِنْ ذِكْرِ الْعَقْدِ أَوْ خِطَابِ الْأَوْلِيَاءِ فِي قَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=32وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ } أَوْ اشْتِرَاطِ إذْنِ الْأَهْلِ فِي قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ } ، ثُمَّ يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْعَقْدِ أَنْوَاعٌ مِنْ الْمَصَالِحِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ مِنْ ذَلِكَ حِفْظُ النِّسَاءِ وَالْقِيَامُ عَلَيْهِنَّ وَالْإِنْفَاقُ ، وَمِنْ ذَلِكَ صِيَانَةُ النَّفْسِ عَنْ الزِّنَا ، وَمِنْ ذَلِكَ تَكْثِيرُ عِبَادِ اللَّهِ تَعَالَى وَأُمَّةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَحْقِيقُ مُبَاهَاةِ الرَّسُولِ
[ ص: 193 ] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمْ كَمَا قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=80147تَنَاكَحُوا تَنَاسَلُوا تَكْثُرُوا فَإِنِّي مُبَاهٍ بِكُمْ الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } وَسَبَبُهُ تَعَلُّقُ الْبَقَاءِ الْمَقْدُورِ بِهِ إلَى وَقْتِهِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَكَمَ بِبَقَاءِ الْعَالَمِ إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ وَبِالتَّنَاسُلِ يَكُونُ هَذَا الْبَقَاءُ .
وَهَذَا التَّنَاسُلُ عَادَةً لَا يَكُونُ إلَّا بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا إلَّا بِالْوَطْءِ فَجَعَلَ الشَّرْعُ طَرِيقَ ذَلِكَ الْوَطْءِ النِّكَاحَ ; لِأَنَّ فِي التَّغَالُبِ فَسَادًا ، وَفِي الْإِقْدَامِ بِغَيْرِ مِلْكٍ اشْتِبَاهَ الْأَنْسَابِ ، وَهُوَ سَبَبٌ لِضَيَاعِ النَّسْلِ لِمَا بِالْإِنَاثِ مِنْ بَنِي
آدَمَ مِنْ الْعَجْزِ عَنْ التَّكَسُّبِ وَالْإِنْفَاقِ عَلَى الْأَوْلَادِ فَتَعَيَّنَ الْمِلْكُ طَرِيقًا لَهُ حَتَّى يُعْرَفَ مَنْ يَكُونُ مِنْهُ الْوَلَدُ فَيُوجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتَهُ لِئَلَّا يَضِيعَ ، وَهَذَا الْمِلْكُ عَلَى مَا عَلَيْهِ أَصْلُ حَالِ الْآدَمِيِّ مِنْ الْحُرِّيَّةِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِطَرِيقِ النِّكَاحِ ، فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِنَا : إنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ الْبَقَاءُ الْمَقْدُورُ بِهِ إلَى وَقْتِهِ . ثُمَّ هَذَا الْعَقْدُ مَسْنُونٌ مُسْتَحَبٌّ فِي قَوْلِ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَ
أَصْحَابِ الظَّوَاهِرِ وَاجِبٌ لِظَاهِرِ الْأَمْرِ بِهِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلِمَا رُوِيَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=80148أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ nindex.php?page=showalam&ids=14794لِعَكَّافِ بْنِ خَالِدٍ أَلَكَ امْرَأَةٌ ، فَقَالَ : لَا ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجْ فَإِنَّكَ مِنْ إخْوَانِ الشَّيَاطِينِ } ، وَفِي رِوَايَةٍ {
إنْ كُنْتَ مِنْ رُهْبَانِ النَّصَارَى فَالْحَقْ بِهِمْ وَإِنْ كُنْت مِنَّا فَتَزَوَّجْ فَإِنَّ الْمُهَاجِرَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ مَاتَ وَلَهُ زَوْجَةٌ أَوْ زَوْجَتَانِ أَوْ ثَلَاثُ زَوْجَاتٍ } ، وَلِأَنَّ التَّحَرُّزَ مِنْ الزِّنَا فَرْضٌ ، وَلَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِالنِّكَاحِ ، وَمَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْفَرْضِ إلَّا بِهِ يَكُونُ فَرْضًا .
وَحُجَّتُنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ أَرْكَانَ الدِّينِ مِنْ الْفَرَائِضِ وَبَيَّنَ الْوَاجِبَاتِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ مِنْ جُمْلَتِهَا النِّكَاحَ ، وَقَدْ كَانَ فِي الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ ، وَالصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَتَحُوا الْبِلَادَ وَنَقَلُوا مَا جُلَّ وَدُقَّ مِنْ الْفَرَائِضِ ، وَلَمْ يَذْكُرُوا مِنْ جُمْلَتِهَا النِّكَاحَ وَكَمَا يُتَوَصَّلُ بِالنِّكَاحِ إلَى التَّحَرُّزِ عَنْ الزِّنَا يُتَوَصَّلُ بِالصَّوْمِ إلَيْهِ ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=80150يَا مَعْشَرَ الشُّبَّانِ عَلَيْكُمْ بِالنِّكَاحِ فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ } وَتَأْوِيلُ مَا رُوِيَ فِي حَقِّ مَنْ تَتُوقُ نَفْسُهُ إلَى النِّسَاءِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَصْبِرُ عَنْهُنَّ وَبِهِ نَقُولُ إذَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَا يَسَعُهُ تَرْكُ النِّكَاحِ ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَالنِّكَاحُ سُنَّةٌ لَهُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
ثَلَاثٌ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ النِّكَاحُ وَالتَّعَطُّرُ وَحُسْنُ الْخُلُقِ } وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=80152، النِّكَاحُ سُنَّتِي فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي أَيْ لَيْسَ عَلَى طَرِيقَتِي } .
وَلِهَذَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - : النِّكَاحُ أَفْضَلُ مِنْ التَّخَلِّي لِعِبَادَةِ اللَّهِ فِي النَّوَافِلِ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
nindex.php?page=treesubj&link=26821_10798_10790التَّخَلِّي لِعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَفْضَلُ إلَّا أَنْ تَتُوقَ نَفْسُهُ إلَى النِّسَاءِ ، وَلَا يَجِدُ الصَّبْرَ عَلَى التَّخَلِّي لِعِبَادَةِ اللَّهِ وَاسْتَدَلَّ
[ ص: 194 ] بِقَوْلِهِ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=39وَسَيِّدًا وَحَصُورًا } فَقَدْ مَدَحَ
يَحْيَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ كَانَ حَصُورًا وَالْحَصُورُ هُوَ الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاءَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِتْيَانِ فَدَلَّ أَنَّ ذَلِكَ أَفْضَلُ ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ مِنْ جِنْسِ الْمُعَامَلَاتِ حَتَّى يَصِحَّ مِنْ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ ، وَالْمَقْصُودُ بِهِ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ ، وَذَلِكَ مِمَّا يَمِيلُ إلَيْهِ الطَّبْعُ فَيَكُونُ بِمُبَاشَرَتِهِ عَامِلًا لِنَفْسِهِ ، وَفِي الِاشْتِغَالِ بِالْعِبَادَةِ هُوَ عَامِلٌ لِلَّهِ تَعَالَى بِمُخَالَفَةِ هَوَى النَّفْسِ ، وَفِيهِ اشْتِغَالٌ بِمَا خَلَقَهُ اللَّه تَعَالَى لِأَجْلِهِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلَّا لِيَعْبُدُونِ } فَكَانَ هَذَا أَفْضَلَ إلَّا أَنْ تَكُونَ نَفْسُهُ تَوَّاقَةً إلَى النِّسَاءِ فَحِينَئِذٍ فِي النِّكَاحِ مَعْنَى تَحْصِينِ الدِّينِ وَالنَّفْسِ عَنْ الزِّنَا كَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَيُّمَا شَابٍّ تَزَوَّجَ فَقَدْ حَصَّنَ ثُلُثَيْ دِينِهِ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ فِي الثُّلُثِ الْبَاقِي فَلِهَذَا كَانَ النِّكَاحُ أَفْضَلَ فِي حَقِّهِ .
وَحُجَّتُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
مَنْ كَانَ عَلَى دِينِي وَدِينِ دَاوُد وَسُلَيْمَانَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ فَلْيَتَزَوَّجْ } ، وَقَدْ اشْتَغَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّزْوِيجِ حَتَّى انْتَهَى الْعَدَدُ الْمَشْرُوعُ الْمُبَاحُ لَهُ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ ; لِأَنَّ نَفْسَهُ كَانَ تَوَّاقَةً إلَى النِّسَاءِ فَإِنَّ هَذَا الْمَعْنَى يَرْتَفِعُ بِالْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ ، وَلَمَّا لَمْ يَكْتَفِ بِالْوَاحِدَةِ دَلَّ أَنَّ النِّكَاحَ أَفْضَلُ وَالِاسْتِدْلَالُ بِحَالِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِحَالِ
يَحْيَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَ أَنَّهُ كَانَ فِي شَرِيعَتِهِمْ الْعُزْلَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْعِشْرَةِ ، وَفِي شَرِيعَتِنَا الْعِشْرَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْعُزْلَةِ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30763لَا رَهْبَانِيَّةَ فِي الْإِسْلَامِ } ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ النِّكَاحَ مُشْتَمِلٌ عَلَى مَصَالِحَ جَمَّةٍ فَالِاشْتِغَالُ بِهِ أَوْلَى مِنْ الِاشْتِغَالِ بِنَفْلِ الْعِبَادَةِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ . وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ بِهَذَا الْعَقْدِ قَضَاءَ الشَّهْوَةِ ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ أَسْبَابِ الْمَصْلَحَةِ ، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَّقَ بِهِ قَضَاءَ الشَّهْوَةِ أَيْضًا لِيُرَغِّب فِيهِ الْمُطِيعَ وَالْعَاصِيَ الْمُطِيعَ لِلْمَعَانِي الدِّينِيَّةِ وَالْعَاصِيَ لِقَضَاءِ الشَّهْوَةِ بِمَنْزِلَةِ الْإِمَارَةِ ، فَفِيهَا قَضَاءُ شَهْوَةِ الْجَاهِ ، وَالنُّفُوسُ تَرْغَبُ فِيهِ لِهَذَا الْمَعْنَى أَكْثَرَ مِنْ الرَّغْبَةِ فِي النِّكَاحِ حَتَّى تُطْلَبَ بِبَذْلِ النُّفُوسِ وَجَرِّ الْعَسَاكِرِ لَكِنْ لَيْسَ الْمَقْصُودُ بِهَا قَضَاءَ شَهْوَةِ الْجَاهِ بَلْ الْمَقْصُودُ قَضَاءُ إظْهَارِ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ ، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَرَنَ بِهِ مَعْنَى شَهْوَةِ الْجَاهِ لِيُرَغِّبَ فِيهِ الْمُطِيعَ وَالْعَاصِيَ فَيَكُونَ الْكُلُّ تَحْتَ طَاعَتِهِ وَالِانْقِيَادِ لِأَمْرِهِ مَعَ أَنَّ مَنْفَعَةَ الْعِبَادَةِ عَلَى الْعَابِدِ مَقْصُورَةٌ ، وَمَنْفَعَةُ النِّكَاحِ لَا تَقْتَصِرُ عَلَى النَّاكِحِ بَلْ تَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ وَمَا يَكُونُ أَكْثَرَ نَفْعًا فَهُوَ أَفْضَلُ