الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
. ( قال ) ولو أن رجلا مات عن امرأته فجاءت بولد لأقل من سنتين فإن كانت أقرت بانقضاء عدتها بمضي أربعة أشهر وعشرا ثم جاءت بولد بعد ذلك لستة أشهر فصاعدا لم يثبت نسبه من الزوج لأنه من علوق حادث بعد إقرارها بانقضاء العدة .

وحمل كلامهما على الصحة واجب ما أمكن وإن كانت ادعت حبلا وولدت لأقل من سنتين يثبت النسب من الزوج لأن إسناد العلوق إلى حالة حياته ممكن ، وفيه حمل أمرها على الصلاح والصحة ولو لم تدع حبلا ولم تقر بانقضاء العدة حتى جاءت بالولد لأقل من سنتين عندنا يثبت النسب منه وعلى قول زفر إذا جاءت به لتمام عشرة أشهر وعشرة أيام من حين مات الزوج لم يثبت النسب منه لأنه لما لم يكن الحبل ظاهرا فقد حكمنا بانقضاء عدتها بمضي أربعة أشهر وعشرا بالنص وذلك أقوى من إقرارها بانقضاء العدة ولو أقرت بذلك ثم جاءت بولد لمدة حبل تام لم يثبت النسب منه فكذلك هنا ولكنا نقول انقضاء عدتها بمضي أربعة أشهر وعشرا معلق بشرط ، وهو أن تكون حاملا فإن آية الحبل قاضية على آية التربص على ما بينا [ ص: 48 ] وهذا الشرط لا يتوقف عليه إلا من جهتها فما لم تقر بانقضاء العدة لا يحكم بانقضائها وإنما جاءت بالولد لمدة يتوهم أن يكون العلوق قبل موت الزوج فيثبت نسبه منه كما لو ادعت حبلا ثم إنما يثبت النسب منه إذا كانت ولادتها معاينة أو أقر بها الورثة .

فأما إذا جحدوا ذلك لم يثبت النسب منه إلا بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ، وفي قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يثبت النسب بشهادة امرأة واحدة وهي القابلة وحجتهما في ذلك أن الولادة مما لا يطلع عليها الرجل وشهادة المرأة الواحدة فيما لا يطلع عليه الرجال حجة تامة فكانت شهادة القابلة فيه حجة تامة ألا ترى أنه لو كان هناك حبل ظاهر أو فراش قائم أو إقرار من الزوج بالحبل تثبت الولادة بشهادة امرأة واحدة فكذلك هنا وهذا لأن النسب والميراث لا يثبت بهذه الشهادة وإنما تثبت ولادتها هذا الولد ثم ثبوت النسب والميراث باعتبار أن العلوق به كان في حال قيام النكاح ولأبي حنيفة رحمه الله تعالى طريقان . ( أحدهما ) ما أشار إليه في الكتاب فقال من قبل أنه يرث ومعنى هذا الكلام أن ثبوت الميراث معلق بالنسب والموت والحكم المعلق بعلة ذات وصفين يحال به على آخر الوصفين وجودا .

ولهذا لو رجع شهود النسب وقد شهدوا به بعد الموت ضمنوا الميراث وآخر الوصفين هنا النسب فكانت هذه الشهادة قائمة على تمام علة الإرث والميراث لا يثبت بشهادة امرأة واحدة ولأنها أجنبية للحال لأنا نتيقن بانقضاء عدتها ونسب ولد الأجنبية لا يثبت من الأجنبي بشهادة امرأة واحدة كما لو لم يكن النكاح بينهما ظاهرا بخلاف ما إذا كان الفراش قائما فإن ثبوت النسب هناك باعتبار الفراش وإنما تظهر الولادة بالشهادة وكذلك إن أقر الزوج بالحبل فثبوت النسب هناك بإقراره وكذلك إن كان هناك حبل ظاهر فثبوت النسب بظهور الحبل في حال قيام الفراش وإنما تظهر الولادة بالشهادة فقط ولذلك إذا أقر الزوج بالحبل فثبوت النسب هناك بإقراره وهنا لا سبب للنسب سوى الشهادة ولا يثبت النسب بشهادة امرأة واحدة توضيحه أن شهادة المرأة الواحدة حجة ضعيفة لأن شهادة المرأة الواحدة ليست بشهادة أصلا ولهذا لو شهد رجلان وامرأة واحدة بالمال ثم رجعوا لم تضمن المرأة شيئا وإنما جعلت حجة في الولادة للضرورة فكانت ضعيفة في نفسها والضعيف ما لم يتأيد بمؤيد لا يجوز فصل الحكم به كشهادة النساء في المال والمؤيد الفراش أو الحبل الظاهر أو إقرار الزوج بالحبل فإن تأيدت [ ص: 49 ] شهادتها ببعض هذه الأسباب وجب الحكم بها وإلا فلا .

التالي السابق


الخدمات العلمية