الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإن خيرها وهي في صلاة مكتوبة فأتمت صلاتها لم يبطل خيارها ; لأنها ممنوعة عن قطع الصلاة قبل إتمامها فلا تتمكن من الاختيار ما لم تفرغ ودليل الإعراض بترك الاختيار بعد التمكن منه والوتر في هذا كالمكتوبة ; لأنها ممنوعة من قطعها قبل تمام فأما في التطوع إذا كانت في الشفع الأول فأتمت ذلك الشفع لا يبطل خيارها ; لأنها ممنوعة من إبطال العمل والركعة الواحدة لا تكون صلاة معتبرة كما قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه والله ما أجزت ركعة قط وإن تحولت إلى الشفع الثاني بطل خيارها ; لأن كل شفع من التطوع صلاة على حدة فاشتغالها بالشفع الثاني دليل الإعراض بمنزلة ما لو افتتحت الصلاة بعد ما خيرها الزوج وروى ابن سماعة عن محمد رحمهما الله تعالى في الأربع قبل الظهر إذا كانت في الشفع الأول حين خيرها فأتمت أربعا لم يسقط خيارها ; لأن هذه الأربع تؤدى بتسليمة واحدة عادة .

وإن كانت قاعدة فدعت بطعام فطعمت يبطل خيارها ; لأن مجلسها تبدل حين دعت بطعام فقد صار مجلسها مجلس الأكل وهذا دليل الإعراض والتهاون منها بخلاف ما لو أكلت شيئا يسيرا من غير أن تدعو بالطعام فذلك القدر لقلته لا يبدل المجلس فلا يكون ذلك دليل الإعراض بل ذلك منها تفريغ نفسها لما حزبها وكذلك إن شربت ماء ; لأنها إنما شربت لتتمكن من الكلام ففي حالة المشاجرة قد يجف فم المرء فلا يقدر على الكلام ما لم يشرب فلا يكون ذلك دليل الإعراض بل ذلك منها تفريغ نفسها ولو نامت أو امتشطت أو اغتسلت أو اختضبت في ذلك المجلس فهذا كله دليل الإعراض لاشتغالها بعمل آخر لا تحتاج إليه وليس ذلك من عمل الاختيار وكذلك إن جامعها فتمكينها من أدل الدلائل على إعراضها وكذلك إن أقامها من مجلسها إما لأنها طاوعته في القيام أو لأنها تركت الاختيار حتى أقامها فذلك دليل الإعراض منها وكذلك هذا كله في قوله أمرك بيدك وأنت طالق إن شئت لتوقتهما بالمجلس وإن لبست ثيابها من غير أن تقوم لم يبطل خيارها ; لأنها إنما تلبس لتكون مستترة منه إذا اختارت [ ص: 214 ] نفسها فلا يكون دليل الإعراض وكذلك إذا دعت شهودا ; لأنها تقصد بذلك إشهادهم على اختيار أمر نفسها وكذلك إذا قالت ادعوا إلي أبي وأمي ; لأنها تقصد بذلك أن تستشيرهما فلا يكون ذلك دليل الإعراض منها والاستشارة في مثل هذا حسن على ما روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها إني أعرض عليك أمرا فلا تحدثي فيه شيئا حتى تستشيري أبويك ثم تلا عليها آية التخيير وخيرها فقالت أفي هذا أستشير أبوي أنا أختار الله تعالى ورسوله } وكذلك إن سبحت أو قرأت آية أو نحوها من القرآن فلا يكون دليل الإعراض منها وقد يفعل المرء ذلك للاستخارة فلا يبطل به ما صار في يدها من الخيار والأمر والمشيئة .

التالي السابق


الخدمات العلمية