الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال : ( رجل وهب لرجل خمسة دراهم ، وثوبا ، وقبض ذلك الموهوب له ، ثم عوضه الثوب أو الدراهم من جميع الهبة لم يكن ذلك عوضا ; لأنها هبة واحدة ) ، وقد بينا أن عقد الشيء في عقد واحد لا يكون عوضا ومعوضا ، وقد علمنا أن هذا لم يكن مقصود الواهب في الهبة ، قال : ( وإن كانا في عقدين مختلفين في مجلس ، أو مجلسين ، فعوضه أحدهما على الأخرى : فهذا عوض نأخذ فيه بالقياس ) . وروى بشر عن أبي يوسف رحمهما الله : أنه لا يكون عوضا لأنا نعلم أن الواهب لم يقصد هذا ; فقد كان مملوكا له . فالعقد الواحد والعقدان في هذا المعنى سواء . وجه ظاهر الرواية أن اختلاف العقد كاختلاف العين ، ويستقيم جعل أحدهما عوضا عن الآخر شرطا عند اختلاف العقد ، فكذلك مقصودا ، وقد يقصد الواهب هذا بأن يهب شيئا ، ثم يحتاج إليه ، فيندم ، فيستقبح الرجوع فيه ، فيهب منه شيئا آخر - على أن يعوضه الأول - فيحصل منه مقصوده ، ويندفع عنه مذمة الرجوع في الهبة .

أرأيت لو كان الأول منهما صدقة ، والآخر هبة فعوضه الصدقة عن الهبة ، أما كان ذلك عوضا ، ، وذكر في اختلاف زفر ويعقوب - رحمهما الله تعالى - : لو وهب نصف داره من رجل ، وتصدق عليه بنصفها وسلم الكل : لم يجز في قول زفر ; لأن اختلاف السبب كتفرق العقد والتسليم فكأنه وهب النصف وسلم ، ثم النصف . وقال أبو يوسف رحمه الله : التسليم حصل جملة واحدة بعقد هو تبرع كله ; فيجوز كما لو وهب الكل ; وهذا لأن الفرق بين الصدقة والهبة : في مقصود العوض . ففي الصدقة ، المقصود : الثواب - دون العوض - وفي الهبة ، المقصود : العوض . فأما في إخراج العين عن ملكه ، وتمليك القابض بطريق التبرع : لا فرق بينهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية