الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال ) وليس في الحملان والفصلان والعجاجيل زكاة في قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى - وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى يجب فيها واحدة منها وهو قول الشافعي رحمه الله ، وقال زفر رحمه الله تعالى : يجب فيها ما يجب في المسان وهو قول مالك رحمه الله تعالى وذكر الطحاوي في اختلاف العلماء عن أبي يوسف رحمه الله تعالى قال : دخلت على أبي حنيفة رحمه الله تعالى فقلت ما تقول فيمن ملك أربعين حملا ، فقال : فيها شاة مسنة فقلت ربما تأتي قيمة الشاة على أكثرها أو [ ص: 158 ] على جميعها فتأمل ساعة ، ثم قال لا ولكن تؤخذ واحدة منها ، فقلت : أو يؤخذ الحمل في الزكاة ؟ فتأمل ساعة ، ثم قال : إذا لا يجب فيها شيء فأخذ بقوله الأول زفر رحمه الله تعالى وبقوله الثاني أبو يوسف وبقوله الثالث محمد رحمه الله تعالى وعد هذا من مناقبه حيث تكلم في مسألة في مجلس بثلاثة أقوال فلم يضع شيء منها . فأما زفر رحمه الله تعالى فاستدل بقوله صلى الله عليه وسلم { في خمس من الإبل السائمة شاة } ، وهذا اسم جنس يتناول الصغار والكبار كاسم الآدمي ، ولأن بالإجماع لو كانت واحدة منها بنت مخاض تجب شاة فيها ولا تجب الشاة في تلك الواحدة بل في الكل ، فإذا جاز إيجاب أربعة أخماس شاة باعتبار أربعة من الفصلان جاز إيجاب الشاة باعتبار خمس من الفصلان ، وهذا لأن زيادة السن عفو لأرباب الأموال لا يزداد بها الواجب ، فكذلك نقصان السن عفو في حق الفقراء لا ينتقص به الواجب

( وحجتنا ) قوله صلى الله عليه وسلم { إياكم وكرائم أموال الناس ، وقال : لا تأخذوا من حزرات أموال الناس شيئا } وإيجاب المسنة في الصغار يؤدي إلى هذا ، ثم ربما تكون قيمة المسنة آتية على أكثر النصاب والواجب قليل من الكثير فأخذ المسنة من الصغار فيه إجحاف بأرباب الأموال بخلاف ما إذا كانت الواحدة مسنة ، فإنه هو الأصل والصغار تبع له وقد ثبت الحكم في المحل تبعا ، وإن كان لا يجوز إثباته مقصودا كالشرب والطريق في البيع وأبو يوسف رحمه الله تعالى استدل بحديث أبي بكر رضي الله عنه قال : لو منعوني عناقا مما كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه فدل أن للعناق مدخلا في الزكاة ولا يكون ذلك إلا من الصغار ، ثم اعتبر نقصان العين بنقصان الوصف ، فإن كل واحد منهما ينقص المالية ولا يعدمها ، ونقصان الوصف لا يسقط الزكاة أصلا حتى إن في العجاف والمهازيل تجب الزكاة من جنسها ، فكذلك نقصان السن ولنا حديث سويد بن غفلة قال { إيانا مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبعته فسمعته يقول في عهدي أن لا آخذ من راضع اللبن شيئا ، وقال عمر رضي الله عنه للساعي : عد عليهم السخلة ، ولو جاء بها الراعي يحملها على كتفه ولا تأخذها منهم فقد نهي عن أخذ الصغار } عند الاختلاط . والمعنى فيه أن هذا حق الله تعالى بأسنان معلومة فلا مدخل للصغار فيها مقصودا كالهدايا والضحايا ، وهذا ; لأن الأسنان التي اعتبرها صاحب الشرع لا تؤخذ في [ ص: 159 ] الصغار وبه فارق العجاف ، فإن تلك الأسنان تؤخذ فيها مع العجف وصاحب الشرع اعتبر السن في المأخوذ وحديث أبي بكر رضي الله عنه محمول على أنه قال ذلك على سبيل المبالغة والتمسك ، ألا ترى أنه قال في بعض الروايات : والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه ، وهذا لا يدل على أن للعقال مدخلا في الزكاة ، ثم اختلفت الروايات عن أبي يوسف في الفصلان فروى محمد عن أبي يوسف - رحمهما الله تعالى - أنه لا يجب فيها الزكاة حتى تبلغ عددا لو كانت كبارا تجب فيها الواحدة ، وذلك بأن تبلغ خمسا وعشرين ، ثم ليس في الزيادة شيء حتى تبلغ ستا وسبعين فحينئذ يجب ثنتان منها إلى مائة وخمس وأربعين فحينئذ يجب ثلاث منها قال محمد رحمه الله : وهذا غير صحيح ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوجب في خمس وعشرين واحدة من مال اعتبر قبله أربعة نصب وأوجب في ست وسبعين ثنتين في موضع اعتبر ثلاثة نصب بينها وبين خمس وعشرين ففي المال الذي لا يمكن اعتبار هذه النصب لو أوجبنا كان بالرأي لا بالنص .

وجه قول أبي يوسف رحمه الله تعالى أن تعيين الواجب بالنص كان باعتبار العدد والسن وقد تعذر اعتبار أحدهما وهو السن في الفصلان فبقي الآخر وهو العدد معتبرا وروى الحسن بن أبي مالك عن أبي يوسف - رحمهما الله تعالى - قال يجب في خمس فصلان الأقل من واحد منها ومن شاة وفي العشر الأقل من واحد منها ومن شاتين وفي الخمسة عشر الأقل من واحد منها ومن ثلاث شياه ، وفي العشرين الأقل من واحد منها ومن أربع شياه ، وفي خمس وعشرين واحدة ووجهه أن في الكبار الواجب في الخمس شاة للتيسير حتى لو أدى واحدة منها جاز ، وكذلك ما بعدها إلى خمس وعشرين ، فكذلك في الصغار يؤخذ على ذلك القياس وروى ابن سماعة عن أبي يوسف في الخمس خمس فصيل ، وفي العشر خمسا فصيل وهكذا إلى خمس وعشرين فكأنه اعتبر البعض بالجملة في هذه الرواية وكثير من أصحابنا - رحمهم الله تعالى - خرجوا قول أبي يوسف رحمه الله تعالى في هذه المسألة على قياس ما ذكر محمد رحمه الله تعالى في الزيادات في زكاة المهازيل فقالوا : إذا ملك خمسا من الفصلان نظر إلى قيمة بنت مخاض والشاة ، فإن كان قيمة بنت المخاض خمسين وقيمة الشاة عشرة فنقول : لو كانت الواحدة بنت المخاض لكان يجب فيها شاة تساوي عشرة ، وذلك بمعنى خمس قيمة بنت المخاض ، ثم ينظر إلى قيمة أفضلهن ، فإن كانت عشرين يجب فيها شاة تساوي أربعة دراهم ليكون بمعنى خمس [ ص: 160 ] أفضلهن فهذا هو الإيجاب في الصغار على قياس الإيجاب في الكبار

التالي السابق


الخدمات العلمية