الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال ) وليس في أقل من عشرين مثقالا من الذهب زكاة لحديث عمرو بن حزم قال : فيه { ، وفي الذهب ما لم تبلغ قيمته مائتي درهم فلا صدقة فيه } والدينار كان مقوما بعشرة دراهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذلك تنصيص على أنه لا شيء في الذهب حتى يبلغ عشرين مثقالا ففيه نصف مثقال ثم ليس في الزيادة شيء حتى تبلغ أربعة دنانير ففي قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى فيها قيراطان ، وهكذا في كل أربعة مثاقيل . وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - فيما زاد بحساب ذلك هذا والدراهم سواء كما بينا وكذلك زكاة مال التجارة تجب بالقيمة والكلام فيه في فصول ( أحدها ) أن الزكاة تجب في عروض التجارة إذا حال الحول عندنا . وقال مالك رحمه الله تعالى : إذا باعها زكى لحول واحد وإن مضى عليها في ملكه أحوال ، وقال نفاة القياس : لا شيء فيها ، والدليل على وجوب الزكاة فيها حديث سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم { كان يأمرنا بإخراج الزكاة من الرقيق ، وفي كل مال يتبعه } وفي حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ، وفي البر صدقة إذا كان للتجارة } .

وفي حديث عمر رضي الله عنه أنه قال لحماس ما مالك يا حماس ؟ فقال : ضأن وأدم ، قال : قومها وأد الزكاة من قيمتها والدليل على اعتبار الحول قوله صلى الله عليه وسلم { لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول } ثم معنى النماء مطلوب في أموال التجارة في قيمتها كما أنه مطلوب في السوائم من عينها وكما يتجدد وجوب الزكاة في السوائم باعتبار كل حول يتجدد النماء بمضيه فكذلك في مال التجارة ويعتبر أن [ ص: 191 ] تكون قيمتها نصابا في أول الحول وآخره كما في السوائم عندنا وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى : المعتبر كمال النصاب آخر الحول فقط ، وقد بينا هذا قال في الكتاب ويقومها يوم حال الحول عليها إن شاء بالدراهم وإن شاء بالدنانير وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى في الأمالي أنه يقومها بأنفع النقدين للفقراء وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه يقومها بما اشتراها إن كان اشتراها بأحد النقدين فيقومها به وإن كان اشتراها بغير نقود قومها بالنقد الغالب في البلد وعن محمد رحمه الله تعالى أنه يقومها بالنقد الغالب على كل حال . وجه قول محمد رحمه الله تعالى أن التقويم في حق الله تعالى معتبر بالتقويم في حق العباد ومتى وقعت الحاجة إلى تقويم المغصوب والمستهلك يقوم بالنقد الغالب في البلد فهذا مثله وأبو يوسف يقول البدل معتبر بأصله فإن كان اشترى بأحد النقدين فتقويمه بما هو أصله أولى . وجه قول أبي حنيفة أن المال كان في يد المالك وهو المنتفع به في زمان طويل فلا بد من اعتبار منفعة الفقراء عند التقويم لأداء الزكاة فيقومها بأنفع النقدين . ألا ترى أنه لو كان بتقويمه بأحد النقدين يتم النصاب وبالآخر لا يتم فإنه يقوم بما يتم به النصاب لمنفعة الفقراء فهذا مثله . وجه رواية الكتاب أن وجوب الزكاة في عروض التجارة باعتبار ماليتها دون أعيانها ، والتقويم لمعرفة مقدار المالية والنقدان في ذلك على السواء فكان الخيار إلى صاحب المال يقومها بأيهما شاء . ألا ترى أن في السوائم عند الكثرة - وهو ما إذا بلغت الإبل مائتين - الخيار إلى صاحب المال إن شاء أدى أربع حقاق وإن شاء أدى خمس بنات لبون فهذا مثله ثم وجوب الزكاة عندنا في عين مال التجارة باعتبار قيمتها ، وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى الوجوب في قيمتها ; لأن النصاب معتبر بالقيمة فعرفنا أن الواجب فيها .

( ولنا ) أن الواجب في ملكه ، وملكه العين فكان الواجب باعتبار صفة المالية

التالي السابق


الخدمات العلمية