الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( وشرط العاقد ) البائع والمشتري الإبصار كما سيذكروه و ( الرشد ) يعني عدم الحجر عليه ليشمل من بلغ مصلحا لدينه وماله ثم استمر أو فسق بعد بل أو بذر ولم يحجر عليه ومن جهل رشده فإن الأوجه صحة عقده كمن جهل رقه وحريته ؛ لأن الغالب عدم الحجر كالحرية نعم لو ادعى والد بائع بقاء حجره عليه صدق بيمينه كما هو ظاهر خلافا لبعضهم لأصل دوامه حينئذ نعم ينبغي فيمن اشتهر رشده عدم سماع دعواه حينئذ ومن حجر عليه بفلس إذا عقد في الذمة بخلاف صبي ، وإن راهق ، وقصد اختبار رشده واختيار صحة ما اعتيد من عقد المميزين لا يعول عليه ومجنون ، وقن بلا إذن ومحجور عليه بسفه مطلقا أو فلس بالنسبة لبيع عين ماله [ ص: 228 ] وإنما صح بيع العبد من نفسه ؛ لأن مقصوده العتق ويصح بيع السكران المتعدي مع كونه غير مكلف ولوروده على مفهوم قول أصله التكليف كالسفيه على منطوقه أبدله بالرشد ليشمله بالمعنى الذي قررته ولا يرد عليه من زال عقله بما لا يأثم به فإنه ملحق بالمحجور عليه .

                                                                                                                              ( قلت وعدم الإكراه بغير حق ) فلا يصح عقد مكره [ ص: 229 ] في ماله بغير حق لعدم الرضا وليس منه خلافا لمن زعمه قول مجبر لها لا أزوجك إلا إن بعتني مثلا كذا بخلافه بحق كأن أكره قنه عليه أو تعين بيع ماله لوفاء دينه أو شراء مال أسلم إليه فيه فأجبره الحاكم عليه بالضرب وغيره ، وإن صح بيع الحاكم له لتقصيره ومن أكره غيره ولو بباطل على بيع مال نفسه صح منه ؛ لأنه أبلغ في الإذن ويصح بيع المصادر مطلقا إذ لا إكراه ظاهرا .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : يعني عدم الحجر إلخ ) يمكن أن يقال المراد الرشيد [ ص: 228 ] حقيقة أو حكما ( قوله : فلا يصح عقد مكره ) قال في شرح العباب ومحله إن لم يقصد إيقاع البيع والأصح كما بحثه [ ص: 229 ] الزركشي أخذا من قولهم لو أكره على إيقاع الطلاق فقصد إيقاعه صح لقصده . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : وليس منه خلافا لمن زعمه إلخ ) كان وجهه أن لها مندوحة عن البيع له ؛ لأنها إذا طلبت التزويج فامتنع زوجها الحاكم لكن انظره لو جهلت أن لها مندوحة واعتقدت أن لا طريق إلا البيع . انتهى .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              قول المتن ( وشرط العاقد إلخ ) خرج به المتوسط كالدلال فلا يشترط فيه شيء مما ذكر بل الشرط فيه التميز فقط . ا هـ . ع ش ( قوله : البائع ) إلى قول المتن ولا يصح في النهاية إلا قوله استمر إلى بذر ، وقوله نعم لو ادعى إلى ومن حجر ، وقوله ، وقصد إلى ومجنون ، وقوله وليس منه إلى بخلافه ( قوله : البائع والمشتري ) اقتصر عليهما لكون الكلام في البيع فلا ينافي أن عدم الحجر معتبر في سائر العقود ، وعبارة المحلي وشرط العاقد البائع أو غيره . ا هـ . ع ش ( قوله : والرشد ) ، وهو أن يتصف بالبلوغ والصلاح لدينه وماله . ا هـ . مغني .

                                                                                                                              ( قوله : يعني عدم الحجر ) أي أو ما في معناه كمن زال عقله بغير مؤثم فإنه في معنى المحجور عليه كما يأتي وكتب عليه سم على حج يمكن أن يقال المراد الرشد حقيقة أو حكما . ا هـ . أقول ، وهو يرجع في المعنى لما ذكره الشارح بقوله يعني عدم الحجر . ا هـ . ع ش ( قوله : من بلغ مصلحا لدينه ) أي ويتحقق ذلك بمضي زمان يحكم عليه فيه بأنه مصلح عرفا فما اقتضاه كلامه من أن العبرة بوقت البلوغ خاصة حتى لو بلغ قبل الزوال مثلا ولم يتعاط مفسقا في ذلك الوقت ثم تعاطى ما يفسق به بعد صح تصرفه غير مراد . ا هـ . ع ش ( قوله : استمر ) الأولى حذفه ؛ لأن دخوله في المتن لا يحتاج إلى التأويل المذكور ( قوله : أو فسق ) ومعلوم أنه لا يحجر عليه بالفسق . ا هـ . ع ش ( قوله : ومن جهل رشده ) وجه الشمول له أن المراد بالمحجور من علم الحجر عليه ولم يعلم انفكاكه ، وهذا لم يعلم بعد بلوغه حجر عليه ؛ لأنه بالبلوغ ذهب حجر الصبا ولم يعلم حجر يخلفه ومفهومه أنه لو عهد عليه ذلك لا تجوز معاملته إلا إذا علمنا رشده بعد ذلك ، وهو ظاهر . ا هـ . ع ش ( قوله : صدق بيمينه إلخ ) أي الوالد ، وقضية كلام الشارح م ر عدم تصديقه . ا هـ .

                                                                                                                              ع ش ( قوله : ومن حجر عليه بفلس إلخ ) هذا لا يحتاج في شموله إلى التأويل الذي ذكره الشارح فعطفه على ما قبله فيه مساهلة . ا هـ . رشيدي عبارة ع ش قوله : إذا عقد في الذمة هو بهذا القيد لا يحتاج في دخوله إلى التأويل المذكور نعم يحتاج للتأويل لإخراج المفلس إذا تصرف في أعيان ماله . ا هـ . ( قوله : بخلاف صبي ) إلى قوله مع كونه غير مكلف في المغني ( قوله : بخلاف صبي إلخ ) بيان لمحترزات الرشد ( قوله : واختيار إلخ ) مبتدأ وخبره قوله : لا يعول عليه ( قوله : مطلقا ) أي ولو بما في الذمة أو بإذن وليه ( قوله : ومجنون ) عمومه شامل لما لو حصلت له حالة تمييز بحيث يعرف الأوقات والعقود ونحوها إلا أنه تعرض له حالة إذا حصلت ممن لم يسبق له جنون حملت على حدة الخلق ، وهو ظاهر فيما لو أفاق من جنونه ، وهو بتلك الحالة استصحابا لحكم الجنون بخلاف ما لو حصلت له تلك الحالة ابتداء استصحابا لما كان عليه قبل كما صرحوا به في باب الحجر [ ص: 228 ] ا هـ . ع ش ( قوله : وإنما صح بيع العبد إلخ ) أي ولو سفيها كما هو ظاهر إطلاقه لكن كونه عقد عتاقة يقتضي اشتراط الرشد ، وهو ظاهر ونقل بالدرس عن حج في معاملة الرقيق ما يصرح به . ا هـ . ع ش ، وقوله : لكن كونه عقد عتاقة إلخ دعوى الاقتضاء محل تأمل ( قوله : لأن مقصوده العتق ) هذا التعليل لا يتأتى فيما لو وكل شخص العبد في أن يشتري نفسه من سيده لموكله مع أن بعضهم ذكر الصحة فيها ويوجه بأن منع تصرفه إنما هو لحق السيد ، وقد زال بعقده معه فأشبه ما لو باع الراهن العين المرهونة من المرتهن فإنه جائز لعدم تفويت حق المرتهن . ا هـ . ع ش ( قوله : ولوروده ) أي السكران . ا هـ . ع ش ( قوله : كالسفيه إلخ ) أي كورود السفيه على منطوق قول أصله التكليف ( قوله : بالمعنى الذي قررته ) أي في قوله يعني عدم الحجر . ا هـ . ع ش ( قوله : ولا يرد عليه ) أي على منطوق قول المصنف الرشد ( قوله : فإنه ملحق بالمحجور عليه ) .

                                                                                                                              ( فروع ) ولو أتلف الصبي أو تلف عنده ما ابتاعه أو اقترضه من رشيد ، وأقبضه له لم يضمن ظاهرا وكذا باطنا ، وإن نقل عن نص الأم خلافه واعتمده بعض المتأخرين إذ المقبض مضيع لماله أو من صبي مثله ولم يأذن الوليان ضمن كل منهما ما قبض من الآخر فإن كان بإذنهما فالضمان عليهما فقط لوجود التسليط منهما وعلى بائع الصبي رد الثمن لوليه فلو رده للصبي ولو بإذن الولي ، وهو ملك الصبي لم يبرأ منه نعم إن رده بإذنه وله في ذلك مصلحة متعلقة ببدنه كمأكول ومشروب ونحوهما برئ كما قاله الزركشي ولو قال مالك وديعة سلم وديعتي للصبي أو ألقها في البحر ففعل برئ لامتثال أمره بخلاف ما لو كان دينا إذ ما في الذمة لا يتعين إلا بقبض صحيح ولو أعطى صبي دينارا لمن ينقده أو متاعا لمن يقومه ضمن الآخذ إن لم يرده لوليه إن كان ملك الصبي أو لمالكه إن كان لغيره ولو أوصل صبي هدية إلى غيره ، وقال هي من زيد مثلا أو أخبر بالإذن بالدخول عمل بخبره مع ما يفيد العلم أو الظن من قرينة وكالصبي في ذلك الفاسق . ا هـ . نهاية وكذا في المغني إلا أنه جرى على ما اعتمده بعض المتأخرين فقال أما في الباطن فيغرم بعد البلوغ . ا هـ .

                                                                                                                              قال ع ش قوله : م ر أو اقترضه ومثلهما ما يقتضي التمليك من العقود ، وقوله : م ر بعض المتأخرين منهم شيخ الإسلام في باب الحجر ، وقوله : م ر ولم يأذن الوليان ظاهره ، وإن علم الولي بذلك ، وأقره ولو قيل بالضمان في هذه الحالة لم يكن بعيدا ، وقوله : م ر ضمن كل إلخ أي لعدم إذن الولي ، والمراد أنه يثبت البدل في ذمة الصبي ويؤدي الولي من مال الصبي ، وقوله : م ر فالضمان عليهما أي الوليين أو بإذن أحدهما فالضمان عليه فيما أذن فيه لموليه ، وقوله : م ر ، وهو ملك الصبي أي أما إذا كان ملك الولي فإنه يبرأ ؛ لأن الولي هو المضيع لماله ، وقوله : م ر نعم إن رده أي البائع بإذنه أي الولي ، وقوله : م ر وله أي الصبي ، وقوله : برئ أي البائع ، وقوله : م ر سلم وديعتي للصبي أي سواء عينه أو أطلق ، وقوله : م ر ففعله برئ أي ، وإن أثم فلو أنكر صاحب الوديعة الإذن صدق بيمينه ؛ لأن الأصل عدمه ، وقوله : م ر بخلاف ما لو كان دينا أي فلا يبرأ منه وكالدين خبز الوظائف ودراهم الجامكية إذا دفعهما من هما تحت يده للصبي ، وقوله : م ر عمل بخبره أي فإن تبين كذبه وجب عليه رده إن كان باقيا ورد بدله إن كان تالفا ، وقوله : م ر وكالصبي في ذلك أي في إيصال الهدية والإخبار بالدخول ، وقوله : م ر والفاسق ومثله الكافر . ا هـ ع ش قول المتن ( وعدم الإكراه بغير حق ) ولا أثر لقول المكره بغير حق إلا في الصلاة فتبطل به في الأصح ولا لفعله إلا في الرضاع والحدث والتحول عن القبلة وترك القيام في الفريضة مع القدرة وكذا القتل ونحوه في الأصح وكل هذا يأتي في الطلاق إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                              ويرد على الأول ما لو أكرهه على طلاق زوجة نفسه أو بيع ماله أو عتق عبده وما أشبه ذلك فإنه ينفذ . وعلى الثاني ما لو أكرهه على إتلاف مال الغير أو أكله أو تسليم الوديعة فإنه يضمن الجميع ، وما لو أكره مجوسي مسلما على ذبح شاة أو محرم حلالا على ذبح صيد فذبحه عنه يحل وما لو أكره على غسل ميت لم يتوجه عليه غسله فإنه يصح وما لو أكره على وطء زوجته أو أمته فأحبلهما فإنه يصح ويستقر للزوجة به المهر وللأمة أمية الولد وحلت الزوجة للمطلق ثلاثا وما لو حضر المحرم عرفة مكرها فإنه يصح وقوفه ا هـ مغني . ( قوله : فلا يصح ) إلى قول المتن ولا يصح في المغني إلا قوله وليس منه إلى بخلافه ( قوله : فلا يصح عقد مكره ) قال في شرح العباب ومحله [ ص: 229 ] إن لم يقصد إيقاع البيع والأصح كما بحثه الزركشي أخذا من قولهم لو أكره على إيقاع الطلاق فقصد إيقاعه صح لقصده . انتهى ا هـ . سم على حج . ا هـ . ع ش .

                                                                                                                              ( قوله : في ماله إلخ ) وكذا في مال غيره حيث كان المكره له غير مالكه كما يفهم من قوله ومن أكره غيره إلخ ويؤخذ من تشبيهه بالطلاق أن مثل ذلك ما لو أكرهه على بيع أحد هذين فباع واحدا منهما بعينه فإن تعيينه مشعر باختياره كما لو أكرهه على طلاق إحدى زوجتيه فطلق واحدة بعينها ، وأما لو عين له هنا أحدهما ، وأكرهه عليه فلا يصح ثم ( قوله : في ماله ) أشار به إلى أنه كان ينبغي التقييد بهذا القيد في كلام المصنف ؛ لأن عمومه شامل لما لو أكره غيره على بيع مال نفسه فيبطل به البيع وليس مرادا فإن عقده صحيح . ا هـ .ع ش ( قوله : وليس منه ) أي من الإكراه ( خلافا لمن زعمه إلخ ) كان وجهه أن لها مندوحة عن البيع له ؛ لأنها إذا طلبت التزويج فامتنع زوجها الحاكم لكن انظر لو جهلت أن لها مندوحة واعتقدت أن لا طريق إلا البيع هل يصح أو لا سم على حج أقول قد يقال الأقرب عدم الصحة لاضطرارها إليه حينئذ فيكون امتناعه من تزويجها كما لو هددها بإتلاف مالها بل أولى ا هـ ع ش .

                                                                                                                              ومثل الجهل العجز عن رفع الأمر إلى الحاكم أو عدم تزويجه إلا بمال له ، وقع كما هو ظاهر ( قوله : بخلافه بحق إلخ ) ومن الإكراه بحق ما لو أكرهه الحاكم في زمن الغلاء على بيع ما زاد على حاجته الناجزة ومنه أيضا ما لو طالبه المستحق ببيع ماله ووفاء دينه فحلف بالطلاق أنه لا يبيع فأكرهه الحاكم على البيع فباع صح ، ولم يحنث ، وهو مقتضى كلام حج في باب الطلاق لكن مقتضى كلام الشارح م ر ثم الحنث . ا هـ . ع ش ( قوله : كأن أكره قنه عليه ) أي على بيع عين ماله أو الشراء بعين المال ومثل رقيقه من يستحق منفعته كموصى له بها ومؤجر . ا هـ . ع ش ( قوله : فأجبره الحاكم عليه ) أفهم أنه لا يصح لو باعه بإكراه غير الحاكم ولو كان المكره مستحق الدين ، وهو ظاهر ؛ لأنه لا ولاية له نعم إن تعذر الحاكم فيتجه الصحة بإكراه المستحق أو غيره ممن له قدرة أو بتعاطيه البيع بنفسه كمن له شوكة مثل شاد البلد ومن في معناه ؛ لأن المقصود إيصال الحق لمستحقه هذا ولصاحب الحق أن يأخذ ماله ويتصرف فيه بالبيع إن لم يكن من جنس حقه ويحصل حقه به ، وأن يتملكه إن كان من جنس حقه ؛ لأنه ظافر ومنه ما يقع في مصرنا أن بعض الملتزمين بالبلاد يأخذ غلال الفلاحين ونحوها لامتناعهم من أداء المال أو هربهم فيصح بيع الملتزم له ويحل الأخذ منه حيث وجدت شروط الظفر . ا هـ ع ش ( قوله : ولو بباطل ) أي بأن كان غير مالك لمنفعته . ا هـ . ع ش .

                                                                                                                              ( قوله : بيع مال نفسه ) مفهومه أنه لا يصح إكراه الولي في مال موليه ولعله غير مراد ، وأن المراد بماله ما له عليه ولاية فيدخل الولي في مال موليه ، والحاكم في مال الممتنع أخذا من العلة ، ومحله في الولي حيث جاز له التوكيل كأن عجز عن المباشرة . ا هـ . ع ش ( قوله : ويصح بيع المصادر ) بفتح الدال من جهة ظالم بأن باع ماله لدفع الأذى الذي ناله ؛ لأنه لا إكراه فيه إذ مقصود من صادر تحصيل المال من أي وجه كان . ا هـ مغني . ( قوله : مطلقا ) أي ظاهرا وباطنا علم له مال غيره أو لا . ا هـ . ع ش




                                                                                                                              الخدمات العلمية