الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ومتى كان العوض ) الثمن أو المثمن ( معينا ) أي [ ص: 263 ] مشاهدا ( كفت معاينته ) ، وإن جهلا قدره ؛ لأن من شأنه أن يحيط التخمين به نعم يكره بيع مجهول نحو الكيل جزافا ؛ لأنه يوقع في الندم لتراكم الصبر بعضها على بعض غالبا لا المذروع ؛ لأنه لا تراكم فيه .

                                                                                                                              ( والأظهر أنه لا يصح ) في غير نحو الفقاع كما مر ( بيع الغائب ) الثمن أو المثمن بأن لم يره أحد العاقدين ، وإن كان حاضرا في مجلس البيع وبالغا في وصفه أو سمعه بطريق التواتر كما يأتي أو رآه ليلا ولو في ضوء إن ستر الضوء لونه كورق أبيض فيما يظهر فإن قلت صرح ابن الصلاح بأن الرؤية العرفية كافية ، وهذا منها وعبارته لو طلب الرد بعيب في عضو ظاهر قال لم أره إلا الآن فله الرد ؛ لأن رؤية المبيع لا يشترط فيها التحقق بل تكفي الرؤية العرفية قلت ليس العرف المطرد ذلك على أن كلامه مقيد بما إذا لم يكن العيب ظاهرا بحيث يراه كل من ينظر إلى المبيع وحينئذ فالمراد بالرؤية العرفية هي ما يظهر للناظر من غير مزيد تأمل ورؤية نحو الورق ليلا في ضوء يستر معرفة بياضه ليست كذلك أو من وراء نحو زجاج وكذا ماء صاف إلا الأرض والسمك [ ص: 264 ] ؛ لأن به صلاحهما وصحت إجارة أرض مستورة بماء ولو كدرا ؛ لأنها أوسع لقبولها التأقيت وورودها على مجرد المنفعة وذلك للنهي عن بيع الغرر ولأن الرؤية تفيد ما لم تفده العبارة كما يأتي .

                                                                                                                              ( والثاني ) وبه قال الأئمة الثلاثة ( يصح ) البيع إن ذكر جنسه ، وإن لم يرياه ( ويثبت الخيار ) للمشتري وكذا البائع على خلاف فيه ( عند الرؤية ) لحديث فيه ضعيف بل قال الدارقطني باطل وكالبيع الصلح والإجارة والرهن والهبة ونحوها بخلاف نحو الوقف .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : نعم يكره بيع مجهول نحو الكيل جزافا ) عبارة الروض وبيع الصبرة والشراء بها جزافا مكروه قال في شرحه وخرج بالصبرة بيع الثوب والأرض مجهولي الذرع فلا يكره كما اقتضاه كلام المتولي ، وقد يفرق بأن الصبرة لا يعرف قدرها تخمينا غالبا لتراكم بعضها على بعض بخلاف الآخرين . انتهى . ( قوله : إلا الأرض والسمك ) قال في الروض بخلاف رؤية السمك والأرض تحت الماء الصافي إذ به صلاحهما قال في شرحه قال في المهمات والتقييد بالصافي يشعر بأن الكدر يمنع الصحة لكن [ ص: 264 ] سيأتي في الإجارة أن شرط صحتها الرؤية ، وأن الماء الكدر لا يمنع الصحة وعلل بأنه من مصالح الأرض فالتسوية بين البابين في الرؤية والتعليل يقتضي التسوية بينهما في الإبطال بالماء الكدر أو في عدمه . انتهى . ويجاب بأن الإجارة أوسع ؛ لأنها تقبل التأقيت ولأن العقد فيها على المنفعة دون العين وجواب الأذرعي بأن الظاهر حمل ما هناك على ما إذا تقدمت الرؤية قبل أن يعلو الماء الأرض مخالف لكلامهم هناك . انتهى . .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : أي [ ص: 263 ] مشاهدا ) عبارة النهاية قال الشارح أي مشاهدا ؛ لأن المعين صادق بما عين بوصفه وبما هو مشاهد أي معاين فالأول من التعيين والثاني من المعاينة أي المشاهدة ، وهو مراد المصنف بقرينة قوله كفت معاينته ، وعلم من الاكتفاء بالمعاينة عدم اشتراط الشم والذوق في المشموم والمذوق . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : قدره ) أي أو جنسه أو صفته ولعل اقتصار الشارح كالمحلي على القدر ؛ لأن الغالب أن من رأى شيئا عرف جنسه وبصفته فلو عاينه وشك أشعير هو أو أرز مثلا فالوجه الصحة كما في سم على المنهج . ا هـ . ع ش ( قوله : لأن من شأنه أن يحيط إلخ ) أي فلو خرج ما ظنه المشتري فضة نحاسا صح البيع ولا خيار له كما لو اشترى زجاجة ظنها جوهرة ، وهذا محله حيث لم يقل اشتريت بهذه الدراهم فإن قال ذلك حملت على الفضة فلو بان فلوسا بطل العقد لخروجه من غير الجنس ، وأما لو بان من الفضة المغشوشة بحيث يقال فيها نحاس صح العقد ويثبت الخيار ؛ لأن الجنس لم ينتف بالكلية أخذا مما ذكره الشهاب الرملي فيما لو باع ثوبا سماه حريرا فبان مشتملا على غزل وحرير والحرير أكثر فإنه يصح لما ذكر . ا هـ . ع ش ، وقوله : حملت على الفضة إلخ محله أخذا مما مر عن قريب لو لم يطرد العرف بإطلاق الدراهم على الفلوس ، وقوله : نحاس الأولى فضة ، وقوله : والحرير أكثر أي أو اطرد العرف بإطلاق الحرير عليه ، وإن قل بل ، وإن لم يكن فيه حرير أصلا أخذا مما مر أيضا ( قوله : نعم يكره إلخ ) عبارة الروض وبيع الصبرة والشراء بها جزافا مكروه قال في شرحه وخرج بالصبرة بيع الثوب والأرض مجهولي الذرع فلا يكره كما اقتضاه كلام المتولي ، وقد يفرق بأن الصبرة لا يعرف قدرها تخمينا غالبا لتراكم بعضها على بعض بخلاف الآخرين انتهت . ا هـ . سم .

                                                                                                                              ( قوله : نحو الكيل ) أي كالوزن والعدد سيد عمر وحلبي ( قوله : لا المذروع ) عطف على نحو الكيل فكان الأولى لا الذرع ( قوله : لأنه لا تراكم فيه ) إذ لا بد فيه من رؤية جميعه لأجل صحة البيع فلا غرر بخلاف الصبرة فإنه يكفي رؤية أعلاها . ا هـ . نهاية ( قوله : في غير نحو الفقاع ) أي كحمام البرجين وماء السقا . ا هـ . ع ش ( قوله : كما مر ) أي في شرح الخامس العلم به قول المتن ( بيع الغائب ) أي والبيع به ، وقول الشارح الثمن أو المثمن حمل منه للبيع على ما يشمل الشراء ( قوله : بأن لم يره ) أي الرؤية المعتبرة شرعا . ا هـ . ع ش ( قوله : أو سمعه ) عطف على قوله بالغا فكان المناسب التثنية ( قوله : كما يأتي ) أي في التنبيه الآتي . ا هـ . سم ( قوله : أو رآه ليلا إلخ ) عبارة النهاية أو رآه في ضوء . ا هـ . قال ع ش قوله : في ضوء أي نور ناشئ من نحو النار أو الشمس بحيث لا يتمكن الرائي معه من معرفة حقيقة ما رآه وعبارة حج أو رآه ليلا إلخ فلعل إسقاط الشارح م ر ليلا إشارة إلى أن المدار على كون الضوء يستر لونه ليلا كان أو نهارا . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : صرح ابن الصلاح بأن الرؤية إلخ ) هل ينافي هذا ما يأتي في شرح قوله والأصح أن وصفه بصفة السلم لا يكفي ( قوله : وهذا ) أي قوله : أو رآه ليلا إلخ ا هـ ع ش ( قوله : منها ) أي الرؤية العرفية ( قوله : قال إلخ ) على حذف العاطف أو حال من فاعل طلب ( قوله : فله الرد ) محله كما يأتي في عيب يمكن عدم الاطلاع عليه مع الرؤية العرفية أما إذا بعد ذلك كأن كان مجدوع الأنف وادعى عدم معرفة ذلك حين رآه لم يقبل منه ذلك . ا هـ ع ش .

                                                                                                                              ( قوله : ليس العرف إلخ ) أي منه ( قوله : ذلك ) أي الرؤية في الضوء . ا هـ . ع ش ( قوله : أن كلامه ) أي ابن الصلاح ( قوله : ظاهرا بحيث يراه إلخ ) أي أما إذا كان كذلك كأن كان مجدوع الأنف وادعى عدم معرفة ذلك حين رآه لم يقبل منه ذلك . ا هـ . ع ش ( قوله : وحينئذ ) أي حين إذ كان كلام ابن الصلاح مقيدا بذلك ( قوله : ما يظهر ) أي انكشاف ومعرفة يحصل ( قوله : ورؤية نحو الورق إلخ ) الأولى التفريع ( قوله : ليست كذلك ) أي رؤية عرفية ( قوله : أو من وراء إلخ ) عطف على قوله ليلا ( قوله : إلا الأرض والسمك ) أي [ ص: 264 ] إلا إذا كان المرئي من وراء الماء الصافي أرضا أو سمكا ( وقوله : لأن به إلخ ) أي فتكفي هذه الرؤية ؛ لأن بالماء صلاح الأرض والسمك وانظر هل استثناء الأرض على إطلاقها ولو لم تصلح للزراعة ( قوله : ولو كدرا ) أي فتكفي الرؤية من ورائه في الإجارة دون البيع . ا هـ . ع ش ( قوله : لأنها أوسع ) أي مع كون الماء من مصالحها كما تقدمت الإشارة إليه . ا هـ . ع ش ( قوله : وذلك ) أي عدم صحة بيع الغائب . ا هـ . ع ش .

                                                                                                                              ( قوله : كما يأتي ) أي في شرح والأصح أن وصفه إلخ قول المتن ( والثاني إلخ ) لعل وجه حكاية الثاني من المصنف قوة الخلاف ومن ثم قال به الأئمة الثلاثة . ا هـ . ع ش ( قوله : إن ذكر جنسه ) قال في الكنز أو نوعه وعليه فالواو في كلام المحلي أي والمغني بمعنى أو . ا هـ . ع ش وفيه وقفة ( قوله : وبه قال الأئمة الثلاثة ) أي وجمهور العلماء من الصحابة والتابعين وغيرهم ونقله الماوردي عن جمهور أصحابنا قال ونص عليه الشافعي في ستة مواضع وعلى البطلان في ستة أيضا لكن نصوص البطلان متأخرة ا هـ عميرة قول المتن ( ويثبت الخيار ) وينفذ قبل الرؤية الفسخ دون الإجازة ويمتد الخيار امتداد مجلس الرؤية نهاية ومغني ( قوله : لحديث فيه إلخ ) ، وهو { من اشترى ما لم يره فهو بالخيار إذا رآه } محلى ومغني ( قوله : ونحوها ) ولعل من النحو عوض الخلع والصداق ( وقوله : بخلاف نحو الوقف ) فإنه يصح ومن نحو الوقف العتق كما جزم به سم على حج . ا هـ . ع ش عبارة المغني ويجري القولان في رهن الغائب ، وهبته وعلى صحتهما لا خيار عند الرؤية إذ لا حاجة إليه قال في المجموع ويجري القولان في الوقف أيضا ولكن الأصح في زوائد الروضة تبعا لابن الصلاح في كتاب الوقف صحته ، وأنه لا خيار عند الرؤية . ا هـ .




                                                                                                                              الخدمات العلمية