الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج سعيد بن منصور ، وابن سعد , والبزار , وابن جرير , ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم , والحكيم الترمذي في " نوادر الأصول " ، والطبراني , والبيهقي , في " شعب الإيمان " , عن ابن مسعود قال : لما نزلت : من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له . قال أبو الدحداح الأنصاري : يا رسول الله , وإن الله ليريد منا القرض . قال : " نعم يا أبا الدحداح " . قال : أرني يدك يا رسول الله . فناوله يده . قال : فإني قد أقرضت ربي حائطي . وحائط له فيه ستمائة نخلة , وأم الدحداح فيه وعيالها , فجاء أبو الدحداح فناداها : يا أم الدحداح . قالت : لبيك . قال : اخرجي فقد أقرضته ربي عز وجل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير , عن زيد بن أسلم قال : لما نزلت : من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا الآية . جاء ابن الدحداحة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، [ ص: 123 ] فقال يا نبي الله , ألا أرى ربنا يستقرضنا مما أعطانا لأنفسنا، وإن لي أرضين ؛ إحداهما بالعالية، والأخرى بالسافلة , وإني قد جعلت خيرهما صدقة . وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " كم من عذق مذلل لابن الدحداحة في الجنة " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني في " الأوسط " عن زيد بن أسلم ، عن أبيه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، مثله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه , من طريق زيد بن أسلم , عن عطاء بن يسار , وعن الأعرج , عن أبي هريرة قال : لما نزلت : من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا . قال أبو الدحداح : يا رسول الله ، لي حائطان ؛ أحدهما بالسافلة , والآخر بالعالية , وقد أقرضت ربي أحدهما . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " قد قبله منك " . فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم اليتامى الذين في حجره ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " رب عذق لأبي الدحداح مدلى في الجنة " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن سعد عن يحيى بن أبي كثير قال : لما نزلت هذه الآية : من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أهل الإسلام , أقرضوا الله من أموالكم يضاعفه لكم أضعافا كثيرة " . فقال له ابن الدحداحة : [ ص: 124 ] يا رسول الله , لي مالان ؛ مال بالعالية , ومال في بني ظفر , فابعث خارصك فليقبض خيرهما . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفروة بن عمرو : " انطلق فانظر خيرهما فدعه , واقبض الآخر " . فانطلق فأخبره , فقال : ما كنت لأقرض ربي شر ما أملك , ولكن أقرض ربي خير ما أملك , إني لا أخاف فقر الدنيا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا رب عذق مذلل لابن الدحداحة في الجنة " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن سعد عن الشعبي قال : استقرض رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل تمرا فلم يقرضه , وقال : لو كان هذا نبيا لم يستقرض . فأرسل الله إلى أبي الدحداح فاستقرضه , فقال : والله لأنت أحق بي وبمالي وولدي من نفسي , وإنما هو مالك , فخذ منه ما شئت , واترك لنا ما شئت . فلما توفي ابن الدحداح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رب عذق مذلل لابن الدحداح في الجنة " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن إسحاق ، وابن المنذر , عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية : من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا الآية . في ثابت بن الدحداحة حين تصدق بماله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم , عن عمر بن الخطاب في قوله : من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا . قال : النفقة في سبيل الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير , عن قتادة قال : ذكر لنا أن رجلا على [ ص: 125 ] عهد النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع هذه الآية قال : أنا أقرض الله . فعمد إلى خير ماله فتصدق به .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله : فيضاعفه له أضعافا كثيرة . قال : هذا التضعيف لا يعلم أحد ما هو .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم , عن أبي عثمان النهدي قال : بلغني عن أبي هريرة حديث أنه قال : إن الله ليكتب لعبده المؤمن بالحسنة الواحدة ألف ألف حسنة . فحججت ذلك العام , ولم أكن أريد أن أحج إلا لألقاه في هذا الحديث , فلقيت أبا هريرة , فقلت له , فقال : ليس هذا قلت , ولم يحفظ الذي حدثك , إنما قلت : إن الله ليعطي العبد المؤمن بالحسنة الواحدة ألفي ألف حسنة . ثم قال أبو هريرة : أوليس تجدون هذا في كتاب الله : من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة . فالكثيرة عند الله أكثر من ألف ألف وألفي ألف , والذي نفسي بيده لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله يضاعف الحسنة ألفي ألف حسنة " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن حبان في " صحيحه " وابن [ ص: 126 ] مردويه , والبيهقي , في " شعب الإيمان " عن ابن عمر قال : لما نزلت : مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل إلى آخرها . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رب زد أمتي " . فنزلت : من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة . قال : " رب زد أمتي " . فنزلت : إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر عن سفيان قال : لما نزلت : من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها . قال : " رب زد أمتي " . فنزلت : من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا الآية . قال : " رب زد أمتي " . فنزلت : مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة الآية . قال : " رب زد أمتي " . فنزلت : إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب فانتهى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في قوله : قرضا حسنا قال : النفقة على الأهل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة , ، وابن أبي حاتم , من طريق سفيان , عن أبي حيان , عن أبيه , عن شيخ لهم ، أنه كان إذا سمع السائل يقول : من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا . قال : سبحان الله , والحمد لله , ولا إله إلا الله , والله أكبر , هذا القرض الحسن . [ ص: 127 ] وأخرج ابن أبي حاتم عن كعب ، أن رجلا قال له : سمعت رجلا يقول : من قرأ : قل هو الله أحد . مرة واحدة , بنى الله له عشرة آلاف ألف غرفة من در وياقوت في الجنة . أفأصدق بذلك؟ قال : نعم , أوعجبت من ذلك؟ وعشرين ألف ألف , وثلاثين ألف ألف , وما لا يحصى . ثم قرأ : فيضاعفه له أضعافا كثيرة . فالكثير من الله ما لا يحصى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ في " العظمة " , والبيهقي في " شعب الإيمان " , عن أبي هريرة , عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن ملكا بباب من أبواب السماء يقول : من يقرض الله اليوم يجز غدا . وملك بباب آخر ينادي : اللهم أعط منفقا خلفا , وأعط ممسكا تلفا . وملك بباب آخر ينادي : يا أيها الناس هلموا إلى ربكم , ما قل وكفى خير مما كثر وألهى . وملك بباب آخر ينادي : يا بني آدم , لدوا للموت وابنوا للخراب " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي , في " شعب الإيمان " عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم , يروي ذلك عن ربه عز وجل أنه يقول : " يا ابن آدم , أودع من كنزك عندي , ولا حرق ولا غرق ولا سرق , أوفيكه أحوج ما تكون إليه " .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية