الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ولا تتمنوا الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج عبد الرزاق ، وسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، والترمذي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم ، والبيهقي في "سننه"، من طريق مجاهد عن أم سلمة، أنها قالت : يا رسول الله، تغزو الرجال ولا نغزو، ولا نقاتل فنستشهد، وإنما لنا نصف الميراث، فأنزل الله : ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض وأنزل فيها : إن المسلمين والمسلمات [الأحزاب : 35] .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال : أتت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا نبي الله، للذكر مثل حظ الأنثيين، وشهادة امرأتين برجل، أفنحن في العمل هكذا؟ إن عملت امرأة حسنة كتبت لها نصف حسنة؟ فأنزل الله هذه الآية : ولا تتمنوا فإنه عدل مني وإن صنعته .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور ، وابن المنذر ، عن عكرمة قال : إن النساء سألن الجهاد، فقلن : وددنا أن الله جعل لنا الغزو فنصيب من الأجر ما يصيب [ ص: 374 ] الرجال، فأنزل الله : ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، من طريق ابن جريج ، عن مجاهد ، وعكرمة في الآية قالا : نزلت في أم سلمة ابنة أبي أمية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن السدي أن الرجال قالوا : نريد أن يكون لنا من الأجر الضعف على أجر النساء، كما لنا في السهام سهمان، فنريد أن يكون لنا في الأجر أجران، وقالت النساء : نريد أن يكون لنا أجر مثل أجر الرجال الشهداء؛ فإنا لا نستطيع أن نقاتل ولو كتب علينا القتال لقاتلنا، فأنزل الله الآية، وقال لهم : سلوا الله من فضله يرزقكم الأعمال، وهو خير لكم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، من طريق علي، عن ابن عباس في قوله : ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض يقول : لا يتمن الرجل فيقول : ليت أن لي مال فلان وأهله . فنهى الله سبحانه عن ذلك، ولكن ليسأل الله من فضله : للرجال نصيب مما اكتسبوا يعني : مما ترك الوالدان والأقربون، للذكر مثل حظ الأنثيين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن الحسن قال : لا تمن مال فلان ولا مال فلان، وما [ ص: 375 ] يدريك لعل هلاكه في ذلك المال .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن قتادة قال : كان أهل الجاهلية لا يورثون المرأة شيئا، ولا الصبي شيئا، وإنما يجعلون الميراث لمن يحترف وينفع ويدفع، فلما لحق للمرأة نصيبها، وللصبي نصيبه، وجعل للذكر مثل حظ الأنثيين قالت النساء : لو كان جعل أنصباؤنا في الميراث كأنصباء الرجال! وقال الرجال : إنا لنرجو أن نفضل على النساء بحسناتنا في الآخرة، كما فضلنا عليهن في الميراث، فأنزل الله : للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن يقول : المرأة تجزى بحسنتها عشر أمثالها كما يجزى الرجل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن أبي حريز قال : لما نزل : للذكر مثل حظ الأنثيين [النساء : 11] . قالت النساء : كذلك عليهم نصيبان من الذنوب، كما لهم نصيبان من الميراث، فأنزل الله : للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن يعني الذنوب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل : للرجال نصيب مما اكتسبوا [ ص: 376 ] قال : من الإثم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن محمد بن سيرين، أنه كان إذا سمع الرجل يتمنى في الدنيا قال : قد نهاكم الله عن هذا، ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض ودلكم على خير منه : واسألوا الله من فضله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد : واسألوا الله من فضله قال : ليس بعرض الدنيا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير : واسألوا الله من فضله قال : العبادة، ليس من أمر الدنيا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الترمذي عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «سلوا الله من فضله؛ فإن الله يحب أن يسأل» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير من طريق حكيم بن جبير عن رجل لم يسمه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «سلوا الله من فضله؛ فإن الله يحب أن يسأل، وإن من أفضل العبادة انتظار الفرج» .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 377 ] وأخرج أحمد عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما سأل رجل مسلم الله الجنة ثلاثا، إلا قالت الجنة : اللهم أدخله، ولا استجار رجل مسلم الله من النار ثلاثا إلا قالت النار : اللهم أجره» .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية