[ ص: 170 ] فصل في بيان
nindex.php?page=treesubj&link=1502_1503_1501ما يجب استقباله وأدلة القبلة ، وما يتعلق بها ( وفرض من قرب منها ) أي
الكعبة : وهو من يمكنه المشاهدة أو من يخبره عن يقين إصابة عين
الكعبة ببدنه ، بحيث لا يخرج منه شيء عنها ، فإن كان بالمسجد الحرام ، أو على ظهره ، فظاهر ، وإن كان خارجه فإنه يتمكن من ذلك بنظره أو علمه ، أو خبر عالم به ،
فإن من نشأ
بمكة أو أقام بها كثيرا يمكنه اليقين في ذلك ، ولو مع حائل حادث كالأبنية ( أو ) أي وفرض من قرب ( من
مسجد النبي صلى الله عليه وسلم إصابة العين ببدنه ) لأن قبلته متيقنة الصحة ; لأنه صلى الله عليه وسلم لا يقر على الخطأ . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=111أسامة بن زيد {
nindex.php?page=hadith&LINKID=7554أنه صلى الله عليه وسلم ركع ركعتين قبل القبلة وقال : هذه القبلة } قال في الشرح : وفيه نظر ; لأن صلاة الصف المستطيل في مسجده صلى الله عليه وسلم صحيحة مع خروج بعضهم عن استقبال عين
الكعبة ، لكون الصف أطول منها .
وقولهم : إنه صلى الله عليه وسلم لا يقر على الخطأ : صحيح لكن إنما الواجب عليه استقبال الجهة ، وقد فعله ، وهو الجواب عن الحديث المذكور انتهى . وقد يجاب بأن المراد بقولهم : فرضه : استقبال العين ، أي أنه لا يجوز في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وما قرب منه الانحراف عنه يمنة ولا يسرة ، كمن بالمسجد الحرام ; لأن قبلته بالنص فلا تجوز مخالفته :
قال الناظم : وفي معناه أي مسجده صلى الله عليه وسلم كل موضع ثبت أنه صلى الله عليه وسلم صلى فيه إذا ضبطت جهته ( ولا يضر علو ) عن
الكعبة ، كالمصلي على
جبل أبي قبيس .
( و ) لا يضر ( نزول ) عنها ، كمن في حفرة في الأرض ، فنزل بها عن مسامتتها ، لأن الجدار لا أثر له ، والمقصود البقعة وهواؤها . ولذلك يصلي إليها حيث لا جدار ( إلا إن تعذر ) على من قرب من
الكعبة إصابة عينها ( بحائل أصلي كجبل ) كالمصلي خلف
أبي قبيس ( ف ) إنه ( يجتهد إلى عينها ) لحديث {
nindex.php?page=hadith&LINKID=9510إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } .
والأعمى أو الغريب إذا أراد الصلاة بنحو دار
بمكة : فرضه الخبر عن يقين . وليس له الاجتهاد ، كالحاكم يجد النص ( و ) فرض ( من بعد ) عن
الكعبة ومسجده صلى الله عليه وسلم و ( هو من لم يقدر على المعاينة ) كذلك و ( لا ) يقدر ( على من يخبره ) باليقين ( عن علم إصابة الجهة ) أي جهة
الكعبة ( بالاجتهاد ) لحديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة مرفوعا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=34252ما بين المشرق والمغرب قبلة }
[ ص: 171 ] رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه والترمذي وصححه
ولانعقاد الإجماع على صحة صلاة الاثنين المتباعدين يستقبلان قبلة واحدة وعلى صحة صلاة الصف الطويل على خط مستو لا يقال : مع البعد يتسع المحاذي لأنه إنما يتسع مع التقوس ، لا مع عدمه ( ويعفى عن انحراف يسير ) يمنة ويسرة ، للخبر ، وإصابة العين بالاجتهاد متعذرة . فسقطت وأقيمت الجهة مقامها للضرورة ( فإن أمكنه ذلك ) أي معرفة فرضه ، من عين أو جهة ( بخبر مكلف عدل ظاهرا و باطنا ) حرا كان أو عبدا رجلا أو امرأة ( عن يقين ) ولو أخبره بالمشرق أو المغرب ، أو نجم ، فأخذ القبلة منه لزمه العمل به ولم يجتهد كالحاكم يجد النص . وعلم منه : أنه لا يعمل بخبر صغير ، ولا فاسق ولا عدل أخبر عن اجتهاد ، لكن قال
ابن تميم : يصح التوجه إلى قبلته ; أي الفاسق في بيته .
وفي الرعاية الكبرى : قلت : إن كان هو عملها فهو كإخباره بها وإن شك في حاله قبل في قوله في الأصح . لا إن شك في إسلامه ذكره في المبدع ( أو ) أمكنه ( الاستدلال ) على القبلة ( بمحاريب علم أنها للمسلمين ) عدولا كانوا أو فساقا ( لزمه العمل به ) لأن اتفاقهم عليها مع تكرار الأعصار إجماع عليها . وإن وجد محاريب ولم يعلمها للمسلمين لم يعمل بها ، وإن كان بقرية ولم يجد محاريب يعمل بها لزمه السؤال .
( ومتى اشتبهت ) القبلة ( سفرا ) وحان وقت الصلاة ( اجتهد في طلبها ) وجوبا ( بالدلائل ) جمع دليل بمعنى دال ، لأن ما وجب اتباعه عند وجوده وجب الاستدلال عليه عند خفائه ، كالحاكم في الحادثة ( ويستحب تعلمها ) أي أدلة القبلة ( مع أدلة الوقت ) ولم يجب لندرته ( فإن دخل ) الوقت ( وخفيت عليه ) أدلة القبلة ( لزمه ) تعلمها لأن الواجب لا يتم إلا به مع قصر زمنه ، فإن صلى قبله لم تصح ،
ذكره في
الشارح ( ويقلد لضيقه ) أي الوقت عن تعلم الأدلة . ولا يعيد : لأن الاستقبال يجوز تركه للضرورة كشدة الخوف ، بخلاف الطهارة ، والدليل هنا : أمور ، أصحها النجوم ، قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=16وبالنجم هم يهتدون } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=97جعل لكم النجوم لتهتدوا بها } وقال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر " تعلموا من النجوم ما تعرفون به القبلة والطريق " وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13665الأثرم : قلت
nindex.php?page=showalam&ids=12251لأحمد : ما ترى في تعلم هذه النجوم ، التي يعلم بها
[ ص: 172 ] كم مضى من النهار ، وكم يبقى ؟ فقال : ما أحسن تعلمها ( وأثبتها القطب ) بتثليث القاف ، حكاه
nindex.php?page=showalam&ids=13247ابن سيده لأنه لا يزول عن مكانه
ويمكن كل أحد معرفته ، ويليه الجدي ( وهو ) أي القطب ( نجم ) خفي شمالي يراه حديد البصر إذا لم يقو نور القمر وحوله أنجم دائرة كفراشة الرحا في أحد طرفيها الفرقدان ، وفي الأخرى الجدي ، وحولها بنات نعش مما يلي الفرقدين ، تدور حولها ( يكون ) القطب ( وراء ظهر المصلي
بالشام وما حاذاها )
كالعراق وخراسان وسائر الجزيرة لا تتفاوت في ذلك إلا تفاوتا يسيرا معفوا عنه ،
ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=13028المجد ( و ) يكون القطب من المصلي ( خلف أذنه اليمنى بالمشرق ) ، ويكون القطب من المصلي ( على عاتقه الأيسر
بمصر وما والاها ) من البلاد ( و ) من دليل القبلة ( الشمس والقمر ومنازلهما وما يقترن بها ) أي بمنازل الشمس والقمر ( وما يقاربها ، كلها تطلع من المشرق وتغرب بالمغرب ) والمنازل ثمانية وعشرون أربعة عشر شامية تطلع من وسط المشرق مائلة عنه إلى الشمال أولها السرطان ، وآخرها السماك . وأربعة عشر يمانية ، تطلع من المشرق مائلة إلى اليمين ،
ولكل نجم من الشامية رقيب من اليمانية ، إذا طلع أحدهما غاب رقيبه . فأول اليمانية وآخر الشامية يطلع من وسط المشرق ، ولكل نجم من هذه النجوم نجوم تقاربه وتسير بسيره عن يمينه وشماله ، يكثر عددها ، فحكمها حكمه ، يستدل بها عليه . وعلى ما يدل عليه .
( و ) من دلائل القبلة ( الرياح ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=12916أبو المعالي : الاستدلال بها ضعيف ( وأمهاتها ) أي الرياح ( أربع ) أحدها ( الجنوب ، ومهبها : قبلة أهل
الشام من مطلع سهيل ) وهو نجم كبير مضيء يطلع من مهب الجنوب ثم يسير حتى يصير في قبلة المصلي ، ويتجاوزها حتى يغرب بقرب مهب الدبور ( إلى مطلع الشمس في الشتاء .
و ) مهبها (
بالعراق إلى بطن كتف المصلي اليسرى مارة إلى يمينه ، و ) الثانية من أمهات الرياح ( الشمال : مقابلتها ) أي الجنوب ، تهب إلى مهبه ( ومهبها ) أي الشمال ( من القطب إلى مغرب الشمس في الصيف ، و ) الثالثة من أمهات الرياح ( الصبا ، وتسمى القبول ) لأنها تقابل باب
الكعبة . ومهبها ( من يسرة المصلي
بالشام . لأنه ) أي مهبها ( من مطلع الشمس صيفا إلى مطلع العيوق ) نجم أحمر مضيء في طرف المجرة
[ ص: 173 ] الأيمن ، يتلو الثريا لا يتقدمها ( و ) مهبها (
بالعراق إلى خلف أذن المصلي اليسرى ، مارة إلى يمينه ، و ) الرابعة من أمهات الرياح ( الدبور مقابلتها ) أي الصبا
سميت دبورا ; لأن مهبها من دبر
الكعبة ( لأنها تهب )
بالشام ( بين القبلة والمغرب و ) تهب (
بالعراق مستقبلة شطر وجه المصلي الأيمن ) وبين كل ريحين من الأربع : ريح تسمى النكباء . لتنكبها طريق الرياح المعروفة ، ولكل من هذه الرياح : صفات وخواص تميزها عند ذوي الخبرة بها ، وإنما يستدل بها من عرفها في الصحاري والقفار لا بين البنيان والدور ; لأنها تختبط ، ولا ينتظم دورانها على مهبها الأصلي ( ولا يتبع مجتهد مجتهدا خالفه ) بأن ظهر لكل منها جهة غير التي ظهرت للآخر ; لأن كلا منهما يعتقد خطأ الآخر . فأشبها المجتهدين في الحادثة إذا اختلفا فيها
والمجتهد العالم بأدلة القبلة وإن جهل أحكام الشرع . ( ولا يقتدي ) أي لا يأتم مجتهد ( به ) ، أي بمجتهد خالفه جهة ، كما لو خرج ريح من أحد اثنين ، واعتقد كل منهما أنه من الآخر ( إلا إن اتفقا ) في الجهة . ولو مال أحدهما يمينا والآخر شمالا للعفو عنه ( فإن ) اجتهد ، أو اتفقت جهتهما وائتم أحدهما بالآخر ثم ( بان لأحدهما الخطأ ) في اجتهاده ( انحرف ) إلى الجهة التي تغير اجتهاده إليها إماما كان أو مأموما ; لأنها ترجحت في ظنه ( وأتم ) صلاته ،
ولا يستأنفها ; لأن الاجتهاد الأول لا يبطل الثاني ( ويتبعه من قلده ) فينحرف إلى ما انحرف إليه ; لأن فرضه التقليد لعجزه عن الاجتهاد لنفسه . وإن قلد اثنين لم يرجع برجوع أحدهما ( وينوي المؤتم منهما ) أي من مجتهدين ائتم أحدهما بالآخر ، ثم بان لأحدهما الخطأ ( المفارقة ) لإمامه للعذر ( ويتبع وجوبا جاهل ) بأدلة القبلة عاجز عن تعلمها قبل خروج وقت : الأوثق عنده ، ويتبع وجوبا و ( أعمى ، الأوثق عنده ) ; لأنه أقرب إصابة في نظره ( ولا مشقة ) عليه في متابعته ، بخلاف تقليد العامي الأعلم في الأحكام فإن فيه حرجا وتضييقا .
وما زال عوام كل عصر يقلد أحدهم مجتهدا في مسألة ، وآخر في أخرى . وهلم جرا إلى ما لا يحصى ولم ينقل إنكار ذلك عليهم ; ولأنهم أمروا بتحري الأعلم والأفضل في نظرهم . وإن أمكن أعمى اجتهاد بنهر كبير أو ريح أو جبل . لزمه ولم يقلد ( ويخير ) جاهل وأعمى وجد مجتهدين فأكثر ( مع تساو ) بأن لم يظهر له أفضلية واحد على غيره ، فيتبع أيهما شاء ( ك ) ما يخير ( عامي
[ ص: 174 ] في الفتيا ) لما تقدم .
( وإن صلى بصيرا حضرا فأخطأ ، أو ) صلى ( أعمى بلا دليل ) من استخبار بصير ; أو استدلال بلمس محراب أو نحوه مما يدل على القبلة ( أعادا ) أي البصير والأعمى ولو اجتهد المخطئ ولو لم يخطئ القبلة ; لأن الحضر ليس بمحل الاجتهاد ، لقدرة من فيه على الاستدلال بالمحاريب ونحوها ، ولوجود المخبر عن يقين غالبا . فهو مفرط ، وكذلك الأعمى ; لأن فرضه التقليد أو الاستدلال ، وقد تركه مع القدرة ( فإن لم يظهر لمجتهد جهة ) في السفر ، بأن تعادلت عنده الأمارات ، وكذا لو منعه من الاجتهاد رمد ونحوه ، صلى على حسب حاله .
ولا إعادة ، لحديث
nindex.php?page=showalam&ids=49عامر بن ربيعة قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=29008كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر في ليلة مظلمة ، فلم ندر أين القبلة ، فصلى كل رجل حياله فلما أصبحنا ذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزل : { nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115فأينما تولوا فثم وجه الله } } رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه والترمذي وحسنه ; ولأن خفاء القبلة في الأسفار لوجود نحو غيم يكثر . فيشق إيجاب الإعادة ( أو لم يجد أعمى ) من يقلده ( أو ) لم يجد ( جاهل ) بأدلة القبلة ( من يقلده ، فتحريا ) وصليا .
فلا إعادة ; لأنهما أتيا بما أمرا به على وجهه . فسقطت عنهما الإعادة ، كالعاجز عن الاستقبال ( أو أخطأ مجتهد قلد ) جاهل مجتهدا ( فأخطأ مقلده ) بفتح اللام ( سفرا ) فصلى إلى غير القبلة ( فلا إعادة ) عليه ; لأن حكمه حكم من قلده ، فإن كان ذلك حضرا وجبت الإعادة ; لأنه ليس محلا للاجتهاد ( ويجب ) على عالم بأدلة القبلة ( تحر لكل صلاة ) ; لأنها واقعة متجددة .
فتستدعي طلبا جديدا ، كطلب الماء في التيمم ، وكالحادثة لمفت ومستفت ( فإن تغير ) اجتهاده ( ولو فيها ) أي الصلاة ( عمل ب ) الاجتهاد ( الثاني ) ; لأنه ترجح في ظنه . فيستدير إلى الجهة التي ظهرت له ، ( وبنى ) على ما مضى من الصلاة . نصا وليس من نقض الاجتهاد بالاجتهاد ، بل عمل بكل منهما . كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر في المشركة في المرة الثانية " ذاك على ما قضيناه . وهذا على ما نقضي " ( وإن ظن الخطأ ) بأن ظهر له أنه يصلي إلى غير القبلة ( فقط ) بأن لم تظهر له جهة القبلة ( بطلت ) صلاته ; لأنه لا يمكنه استدامتها إلى غير القبلة ، ولم يظهر له جهة يتوجه إليها .
فتعذر إتمامها ( ومن أخبر ) بالبناء للمفعول ( فيها ) أي الصلاة ( بالخطأ ) للقبلة ، وكان الإخبار ( يقينا ) والمخبر ثقة ( لزمه قبوله ) أي الخبر ، فيعمل به ويترك الاجتهاد كما لو أخبره قبله
[ ص: 170 ] فَصْلٌ فِي بَيَانِ
nindex.php?page=treesubj&link=1502_1503_1501مَا يَجِبُ اسْتِقْبَالُهُ وَأَدِلَّةُ الْقِبْلَةِ ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا ( وَفَرْضُ مَنْ قَرُبَ مِنْهَا ) أَيْ
الْكَعْبَةِ : وَهُوَ مَنْ يُمْكِنُهُ الْمُشَاهَدَةُ أَوْ مَنْ يُخْبِرُهُ عَنْ يَقِينٍ إصَابَةُ عَيْنِ
الْكَعْبَةِ بِبَدَنِهِ ، بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ عَنْهَا ، فَإِنْ كَانَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، أَوْ عَلَى ظَهْرِهِ ، فَظَاهِرٌ ، وَإِنْ كَانَ خَارِجَهُ فَإِنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ بِنَظَرِهِ أَوْ عِلْمِهِ ، أَوْ خَبَرِ عَالِمٍ بِهِ ،
فَإِنَّ مَنْ نَشَأَ
بِمَكَّةَ أَوْ أَقَامَ بِهَا كَثِيرًا يُمْكِنُهُ الْيَقِينُ فِي ذَلِكَ ، وَلَوْ مَعَ حَائِلٍ حَادِثٍ كَالْأَبْنِيَةِ ( أَوْ ) أَيْ وَفَرْضُ مَنْ قَرُبَ ( مِنْ
مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إصَابَةُ الْعَيْنِ بِبَدَنِهِ ) لِأَنَّ قِبْلَتَهُ مُتَيَقَّنَةُ الصِّحَّةِ ; لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُقِرُّ عَلَى الْخَطَأِ . وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=111أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=7554أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ قِبَلَ الْقِبْلَةِ وَقَالَ : هَذِهِ الْقِبْلَةُ } قَالَ فِي الشَّرْحِ : وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ صَلَاةَ الصَّفِّ الْمُسْتَطِيلِ فِي مَسْجِدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَحِيحَةٌ مَعَ خُرُوجِ بَعْضِهِمْ عَنْ اسْتِقْبَالِ عَيْنِ
الْكَعْبَةِ ، لِكَوْنِ الصَّفِّ أَطْوَلَ مِنْهَا .
وَقَوْلُهُمْ : إنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُقِرُّ عَلَى الْخَطَأِ : صَحِيحٌ لَكِنْ إنَّمَا الْوَاجِبُ عَلَيْهِ اسْتِقْبَالُ الْجِهَةِ ، وَقَدْ فَعَلَهُ ، وَهُوَ الْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيث الْمَذْكُورِ انْتَهَى . وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِمْ : فَرْضُهُ : اسْتِقْبَالُ الْعَيْنِ ، أَيْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا قَرُبَ مِنْهُ الِانْحِرَافُ عَنْهُ يَمْنَةً وَلَا يَسْرَةً ، كَمَنْ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ; لِأَنَّ قِبْلَتَهُ بِالنَّصِّ فَلَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ :
قَالَ النَّاظِمُ : وَفِي مَعْنَاهُ أَيْ مَسْجِدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ مَوْضِعٍ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِيهِ إذَا ضُبِطَتْ جِهَتُهُ ( وَلَا يَضُرُّ عُلُوٌّ ) عَنْ
الْكَعْبَةِ ، كَالْمُصَلِّي عَلَى
جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ .
( وَ ) لَا يَضُرُّ ( نُزُولٌ ) عَنْهَا ، كَمَنْ فِي حُفْرَةٍ فِي الْأَرْضِ ، فَنَزَلَ بِهَا عَنْ مُسَامَتَتِهَا ، لِأَنَّ الْجِدَارَ لَا أَثَرَ لَهُ ، وَالْمَقْصُود الْبُقْعَةُ وَهَوَاؤُهَا . وَلِذَلِكَ يُصَلِّي إلَيْهَا حَيْثُ لَا جِدَارَ ( إلَّا إنْ تَعَذَّرَ ) عَلَى مَنْ قَرُبَ مِنْ
الْكَعْبَةِ إصَابَةُ عَيْنِهَا ( بِحَائِلٍ أَصْلِيٍّ كَجَبَلٍ ) كَالْمُصَلِّي خَلْفَ
أَبِي قُبَيْسٍ ( فَ ) إنَّهُ ( يَجْتَهِدُ إلَى عَيْنِهَا ) لِحَدِيثِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=9510إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ } .
وَالْأَعْمَى أَوْ الْغَرِيبُ إذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ بِنَحْوِ دَارٍ
بِمَكَّةَ : فَرْضُهُ الْخَبَرُ عَنْ يَقِينٍ . وَلَيْسَ لَهُ الِاجْتِهَادُ ، كَالْحَاكِمِ يَجِدُ النَّصَّ ( وَ ) فَرْضُ ( مَنْ بَعُدَ ) عَنْ
الْكَعْبَةِ وَمَسْجِدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ و ( هُوَ مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمُعَايَنَةِ ) كَذَلِكَ و ( لَا ) يَقْدِرُ ( عَلَى مَنْ يُخْبِرُهُ ) بِالْيَقِينِ ( عَنْ عِلْمِ إصَابَةِ الْجِهَةِ ) أَيْ جِهَةِ
الْكَعْبَةِ ( بِالِاجْتِهَادِ ) لِحَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=34252مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ }
[ ص: 171 ] رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ
وَلِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى صِحَّةِ صَلَاةِ الِاثْنَيْنِ الْمُتَبَاعِدَيْنِ يَسْتَقْبِلَانِ قِبْلَةً وَاحِدَةً وَعَلَى صِحَّةِ صَلَاةِ الصَّفِّ الطَّوِيلِ عَلَى خَطٍّ مُسْتَوٍ لَا يُقَالُ : مَعَ الْبُعْدِ يَتَّسِعُ الْمُحَاذِي لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَّسِعُ مَعَ التَّقَوُّسِ ، لَا مَعَ عَدَمِهِ ( وَيُعْفَى عَنْ انْحِرَافٍ يَسِيرٍ ) يَمْنَةً وَيَسْرَةً ، لِلْخَبَرِ ، وَإِصَابَةُ الْعَيْنِ بِالِاجْتِهَادِ مُتَعَذِّرَةٌ . فَسَقَطَتْ وَأُقِيمَتْ الْجِهَةُ مَقَامَهَا لِلضَّرُورَةِ ( فَإِنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ ) أَيْ مَعْرِفَةُ فَرْضِهِ ، مِنْ عَيْنٍ أَوْ جِهَةٍ ( بِخَبَرِ مُكَلَّفٍ عَدْلٍ ظَاهِرًا و بَاطِنًا ) حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً ( عَنْ يَقِينٍ ) وَلَوْ أَخْبَرَهُ بِالْمَشْرِقِ أَوْ الْمَغْرِبِ ، أَوْ نَجْمٍ ، فَأَخَذَ الْقِبْلَةَ مِنْهُ لَزِمَهُ الْعَمَلُ بِهِ وَلَمْ يَجْتَهِدْ كَالْحَاكِمِ يَجِدُ النَّصَّ . وَعُلِمَ مِنْهُ : أَنَّهُ لَا يُعْمَلُ بِخَبَرِ صَغِيرٍ ، وَلَا فَاسِقٍ وَلَا عَدْلٍ أَخْبَرَ عَنْ اجْتِهَادٍ ، لَكِنْ قَالَ
ابْنُ تَمِيمٍ : يَصِحُّ التَّوَجُّهُ إلَى قِبْلَتِهِ ; أَيْ الْفَاسِقِ فِي بَيْتِهِ .
وَفِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : قُلْت : إنْ كَانَ هُوَ عَمِلَهَا فَهُوَ كَإِخْبَارِهِ بِهَا وَإِنْ شَكَّ فِي حَالِهِ قُبِلَ فِي قَوْلِهِ فِي الْأَصَحِّ . لَا إنْ شَكَّ فِي إسْلَامِهِ ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ ( أَوْ ) أَمْكَنَهُ ( الِاسْتِدْلَال ) عَلَى الْقِبْلَةِ ( بِمَحَارِيبَ عُلِمَ أَنَّهَا لِلْمُسْلِمِينَ ) عُدُولًا كَانُوا أَوْ فُسَّاقًا ( لَزِمَهُ الْعَمَلُ بِهِ ) لِأَنَّ اتِّفَاقَهُمْ عَلَيْهَا مَعَ تَكْرَارِ الْأَعْصَارِ إجْمَاعٌ عَلَيْهَا . وَإِنْ وَجَدَ مَحَارِيبَ وَلَمْ يَعْلَمْهَا لِلْمُسْلِمِينَ لَمْ يَعْمَلْ بِهَا ، وَإِنْ كَانَ بِقَرْيَةٍ وَلَمْ يَجِدْ مَحَارِيبَ يَعْمَلُ بِهَا لَزِمَهُ السُّؤَالُ .
( وَمَتَى اشْتَبَهَتْ ) الْقِبْلَةُ ( سَفَرًا ) وَحَانَ وَقْتُ الصَّلَاةِ ( اُجْتُهِدَ فِي طَلَبِهَا ) وُجُوبًا ( بِالدَّلَائِلِ ) جَمْعِ دَلِيلٍ بِمَعْنَى دَالٍّ ، لِأَنَّ مَا وَجَبَ اتِّبَاعُهُ عِنْدَ وُجُودِهِ وَجَبَ الِاسْتِدْلَال عَلَيْهِ عِنْدَ خَفَائِهِ ، كَالْحَاكِمِ فِي الْحَادِثَةِ ( وَيُسْتَحَبُّ تَعَلُّمُهَا ) أَيْ أَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ ( مَعَ أَدِلَّةِ الْوَقْتِ ) وَلَمْ يَجِبْ لِنُدْرَتِهِ ( فَإِنْ دَخَلَ ) الْوَقْتُ ( وَخَفِيَتْ عَلَيْهِ ) أَدِلَّةُ الْقِبْلَةِ ( لَزِمَهُ ) تَعَلُّمُهَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ مَعَ قِصَرِ زَمَنِهِ ، فَإِنْ صَلَّى قَبْلَهُ لَمْ تَصِحَّ ،
ذَكَرَهُ فِي
الشَّارِحِ ( وَيُقَلِّدُ لِضَيْقِهِ ) أَيْ الْوَقْتِ عَنْ تَعَلُّمِ الْأَدِلَّةِ . وَلَا يُعِيدُ : لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ يَجُوزُ تَرْكُهُ لِلضَّرُورَةِ كَشِدَّةِ الْخَوْفِ ، بِخِلَافِ الطَّهَارَةِ ، وَالدَّلِيلُ هُنَا : أُمُورٌ ، أَصَحُّهَا النُّجُومُ ، قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=16وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=97جَعَلَ لَكُمْ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا } وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ " تَعَلَّمُوا مِنْ النُّجُومِ مَا تَعْرِفُونَ بِهِ الْقِبْلَةَ وَالطَّرِيقَ " وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13665الْأَثْرَمُ : قُلْت
nindex.php?page=showalam&ids=12251لِأَحْمَدَ : مَا تَرَى فِي تَعَلُّمِ هَذِهِ النُّجُومِ ، الَّتِي يُعْلَمُ بِهَا
[ ص: 172 ] كَمْ مَضَى مِنْ النَّهَارِ ، وَكَمْ يَبْقَى ؟ فَقَالَ : مَا أَحْسَنَ تَعَلُّمَهَا ( وَأَثْبَتُهَا الْقُطْبُ ) بِتَثْلِيثِ الْقَافِ ، حَكَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13247ابْنُ سِيدَهْ لِأَنَّهُ لَا يَزُولُ عَنْ مَكَانِهِ
وَيُمْكِنُ كُلُّ أَحَدٍ مَعْرِفَتُهُ ، وَيَلِيه الْجَدْيُ ( وَهُوَ ) أَيْ الْقُطْبُ ( نَجْمٌ ) خَفِيٌّ شَمَالِيٌّ يَرَاهُ حَدِيدُ الْبَصَرِ إذَا لَمْ يَقْوَ نُورُ الْقَمَرِ وَحَوْلَهُ أَنْجُمٌ دَائِرَةٌ كَفَرَاشَةِ الرَّحَا فِي أَحَدِ طَرَفَيْهَا الْفَرْقَدَانِ ، وَفِي الْأُخْرَى الْجَدْيُ ، وَحَوْلَهَا بَنَاتُ نَعْشٍ مِمَّا يَلِي الْفَرْقَدَيْنِ ، تَدُورُ حَوْلَهَا ( يَكُونُ ) الْقُطْبُ ( وَرَاءَ ظَهْرِ الْمُصَلِّي
بِالشَّامِ وَمَا حَاذَاهَا )
كَالْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ وَسَائِرِ الْجَزِيرَةِ لَا تَتَفَاوَتُ فِي ذَلِكَ إلَّا تَفَاوُتًا يَسِيرًا مَعْفُوًّا عَنْهُ ،
ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13028الْمَجْدُ ( وَ ) يَكُونُ الْقُطْبُ مِنْ الْمُصَلِّي ( خَلْفَ أُذُنِهِ الْيُمْنَى بِالْمَشْرِقِ ) ، وَيَكُونُ الْقُطْبُ مِنْ الْمُصَلِّي ( عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ
بِمِصْرَ وَمَا وَالَاهَا ) مِنْ الْبِلَاد ( وَ ) مِنْ دَلِيلِ الْقِبْلَةِ ( الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَمَنَازِلُهُمَا وَمَا يَقْتَرِنُ بِهَا ) أَيْ بِمَنَازِلِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ ( وَمَا يُقَارِبُهَا ، كُلُّهَا تَطْلُعُ مِنْ الْمَشْرِقِ وَتَغْرُبُ بِالْمَغْرِبِ ) وَالْمَنَازِلُ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ شَامِيَّةً تَطْلُعُ مِنْ وَسَطِ الْمَشْرِقِ مَائِلَةً عَنْهُ إلَى الشِّمَالِ أَوَّلُهَا السَّرَطَانُ ، وَآخِرُهَا السِّمَاكُ . وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ يَمَانِيَّةٌ ، تَطْلُعُ مِنْ الْمَشْرِقِ مَائِلَةً إلَى الْيَمِينِ ،
وَلِكُلِّ نَجْمٍ مِنْ الشَّامِيَّةِ رَقِيبٌ مِنْ الْيَمَانِيَّةِ ، إذَا طَلَعَ أَحَدُهُمَا غَابَ رَقِيبُهُ . فَأَوَّلُ الْيَمَانِيَّةِ وَآخِرُ الشَّامِيَّةِ يَطْلُعُ مِنْ وَسَطِ الْمَشْرِقِ ، وَلِكُلِّ نَجْمٍ مِنْ هَذِهِ النُّجُومِ نُجُومٌ تُقَارِبُهُ وَتَسِيرُ بِسَيْرِهِ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ ، يَكْثُرُ عَدَدُهَا ، فَحُكْمُهَا حُكْمُهُ ، يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَيْهِ . وَعَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ .
( وَ ) مِنْ دَلَائِلِ الْقِبْلَةِ ( الرِّيَاحُ ) قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12916أَبُو الْمَعَالِي : الِاسْتِدْلَال بِهَا ضَعِيفٌ ( وَأُمَّهَاتُهَا ) أَيْ الرِّيَاحِ ( أَرْبَعٌ ) أَحَدهَا ( الْجَنُوبُ ، وَمَهَبُّهَا : قِبْلَةُ أَهْلِ
الشَّامِ مِنْ مَطْلَعِ سُهَيْلٍ ) وَهُوَ نَجْمٌ كَبِيرٌ مُضِيءٌ يَطْلُعُ مِنْ مَهَبِّ الْجَنُوبِ ثُمَّ يَسِيرُ حَتَّى يَصِيرَ فِي قِبْلَةِ الْمُصَلِّي ، وَيَتَجَاوَزَهَا حَتَّى يَغْرُبَ بِقُرْبِ مَهَبِّ الدَّبُورِ ( إلَى مَطْلَعِ الشَّمْسِ فِي الشِّتَاءِ .
و ) مَهَبُّهَا (
بِالْعِرَاقِ إلَى بَطْنِ كَتِفِ الْمُصَلِّي الْيُسْرَى مَارَّةً إلَى يَمِينِهِ ، و ) الثَّانِيَةُ مِنْ أُمَّهَاتِ الرِّيَاحِ ( الشَّمَالُ : مُقَابِلَتُهَا ) أَيْ الْجَنُوبِ ، تَهُبُّ إلَى مَهَبّه ( وَمَهَبُّهَا ) أَيْ الشَّمَالِ ( مِنْ الْقُطْبِ إلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ فِي الصَّيْفِ ، وَ ) الثَّالِثَةُ مِنْ أُمَّهَاتِ الرِّيَاحِ ( الصَّبَا ، وَتُسَمَّى الْقَبُولَ ) لِأَنَّهَا تُقَابِلُ بَابَ
الْكَعْبَةِ . وَمَهَبُّهَا ( مِنْ يَسْرَةِ الْمُصَلِّي
بِالشَّامِ . لِأَنَّهُ ) أَيْ مَهَبُّهَا ( مِنْ مَطْلَعِ الشَّمْسِ صَيْفًا إلَى مَطْلَعِ الْعَيُّوقِ ) نَجْمٌ أَحَمَرُ مُضِيءٌ فِي طَرَفِ الْمَجَرَّةِ
[ ص: 173 ] الْأَيْمَنِ ، يَتْلُو الثُّرَيَّا لَا يَتَقَدَّمُهَا ( وَ ) مَهَبُّهَا (
بِالْعِرَاقِ إلَى خَلْفِ أُذُنِ الْمُصَلِّي الْيُسْرَى ، مَارَّةً إلَى يَمِينِهِ ، وَ ) الرَّابِعَةُ مِنْ أُمَّهَاتِ الرِّيَاحِ ( الدَّبُورُ مُقَابِلَتُهَا ) أَيْ الصَّبَا
سُمِّيَتْ دَبُورًا ; لِأَنَّ مَهَبَّهَا مِنْ دُبُرِ
الْكَعْبَةِ ( لِأَنَّهَا تَهُبُّ )
بِالشَّامِ ( بَيْنَ الْقِبْلَةِ وَالْمَغْرِبِ وَ ) تَهُبُّ (
بِالْعِرَاقِ مُسْتَقْبِلَةً شَطْرَ وَجْهِ الْمُصَلِّي الْأَيْمَنِ ) وَبَيْنَ كُلِّ رِيحَيْنِ مِنْ الْأَرْبَعِ : رِيحٌ تُسَمَّى النَّكْبَاءَ . لِتَنَكُّبِهَا طَرِيقَ الرِّيَاحِ الْمَعْرُوفَةِ ، وَلِكُلٍّ مِنْ هَذِهِ الرِّيَاحِ : صِفَاتٌ وَخَوَّاصٌ تُمَيِّزُهَا عِنْدَ ذَوِي الْخِبْرَةِ بِهَا ، وَإِنَّمَا يَسْتَدِلُّ بِهَا مَنْ عَرَفَهَا فِي الصَّحَارِي وَالْقِفَارِ لَا بَيْنَ الْبُنْيَانِ وَالدُّورِ ; لِأَنَّهَا تَخْتَبِطُ ، وَلَا يَنْتَظِمُ دَوَرَانُهَا عَلَى مَهَبِّهَا الْأَصْلِيِّ ( وَلَا يَتْبَعُ مُجْتَهِدٌ مُجْتَهِدًا خَالَفَهُ ) بِأَنْ ظَهَرَ لِكُلٍّ مِنْهَا جِهَةٌ غَيْرُ الَّتِي ظَهَرَتْ لِلْآخَرِ ; لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَعْتَقِدُ خَطَأَ الْآخَرِ . فَأَشْبَهَا الْمُجْتَهِدَيْنِ فِي الْحَادِثَةِ إذَا اخْتَلَفَا فِيهَا
وَالْمُجْتَهِدَ الْعَالِمَ بِأَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ وَإِنْ جَهِلَ أَحْكَامَ الشَّرْعِ . ( وَلَا يَقْتَدِي ) أَيْ لَا يَأْتَمُّ مُجْتَهِدٌ ( بِهِ ) ، أَيْ بِمُجْتَهِدٍ خَالَفَهُ جِهَةً ، كَمَا لَوْ خَرَجَ رِيحٌ مِنْ أَحَدِ اثْنَيْنِ ، وَاعْتَقَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ مِنْ الْآخَرِ ( إلَّا إنْ اتَّفَقَا ) فِي الْجِهَةِ . وَلَوْ مَالَ أَحَدُهُمَا يَمِينًا وَالْآخَرُ شِمَالًا لِلْعَفْوِ عَنْهُ ( فَإِنْ ) اجْتَهَدَ ، أَوْ اتَّفَقَتْ جِهَتُهُمَا وَائْتَمَّ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ ثُمَّ ( بَانَ لِأَحَدِهِمَا الْخَطَأُ ) فِي اجْتِهَادِهِ ( انْحَرَفَ ) إلَى الْجِهَةِ الَّتِي تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ إلَيْهَا إمَامًا كَانَ أَوْ مَأْمُومًا ; لِأَنَّهَا تَرَجَّحَتْ فِي ظَنِّهِ ( وَأَتَمَّ ) صَلَاتَهُ ،
وَلَا يَسْتَأْنِفُهَا ; لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ الْأَوَّلَ لَا يُبْطِلُ الثَّانِيَ ( وَيَتْبَعُهُ مَنْ قَلَّدَهُ ) فَيَنْحَرِفُ إلَى مَا انْحَرَفَ إلَيْهِ ; لِأَنَّ فَرْضَهُ التَّقْلِيدُ لِعَجْزِهِ عَنْ الِاجْتِهَادِ لِنَفْسِهِ . وَإِنْ قَلَّدَ اثْنَيْنِ لَمْ يَرْجِعْ بِرُجُوعِ أَحَدِهِمَا ( وَيَنْوِي الْمُؤْتَمُّ مِنْهُمَا ) أَيْ مِنْ مُجْتَهِدَيْنِ ائْتَمَّ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ ، ثُمَّ بَانَ لِأَحَدِهِمَا الْخَطَأُ ( الْمُفَارَقَةَ ) لِإِمَامِهِ لِلْعُذْرِ ( وَيَتْبَعُ وُجُوبًا جَاهِلٌ ) بِأَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ عَاجِزٌ عَنْ تَعَلُّمِهَا قَبْلَ خُرُوج وَقْتٍ : الْأَوْثَقَ عِنْدَهُ ، وَيَتْبَعُ وُجُوبًا و ( أَعْمَى ، الْأَوْثَقَ عِنْدَهُ ) ; لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إصَابَةٍ فِي نَظَرِهِ ( وَلَا مَشَقَّةَ ) عَلَيْهِ فِي مُتَابَعَتِهِ ، بِخِلَافِ تَقْلِيدِ الْعَامِّيِّ الْأَعْلَمِ فِي الْأَحْكَامِ فَإِنْ فِيهِ حَرَجًا وَتَضْيِيقًا .
وَمَا زَالَ عَوَامُّ كُلِّ عَصْرٍ يُقَلِّدُ أَحَدُهُمْ مُجْتَهِدًا فِي مَسْأَلَةٍ ، وَآخَرَ فِي أُخْرَى . وَهَلُمَّ جَرًّا إلَى مَا لَا يُحْصَى وَلَمْ يُنْقَلْ إنْكَارُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ; وَلِأَنَّهُمْ أُمِرُوا بِتَحَرِّي الْأَعْلَمِ وَالْأَفْضَلِ فِي نَظَرِهِمْ . وَإِنْ أَمْكَنَ أَعْمَى اجْتِهَادٌ بِنَهْرٍ كَبِيرٍ أَوْ رِيحٍ أَوْ جَبَلٍ . لَزِمَهُ وَلَمْ يُقَلِّدْ ( وَيُخَيَّرُ ) جَاهِلٌ وَأَعْمَى وَجَدَ مُجْتَهِدَيْنِ فَأَكْثَرَ ( مَعَ تَسَاوٍ ) بِأَنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ أَفْضَلِيَّةَ وَاحِدٍ عَلَى غَيْرِهِ ، فَيَتْبَعُ أَيَّهُمَا شَاءَ ( ك ) مَا يُخَيَّرُ ( عَامِّيٌّ
[ ص: 174 ] فِي الْفُتْيَا ) لِمَا تَقَدَّمَ .
( وَإِنْ صَلَّى بَصِيرًا حَضَرًا فَأَخْطَأَ ، أَوْ ) صَلَّى ( أَعْمَى بِلَا دَلِيلٍ ) مِنْ اسْتِخْبَارِ بَصِيرٍ ; أَوْ اسْتِدْلَالٍ بِلَمْسِ مِحْرَابٍ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْقِبْلَةِ ( أَعَادَا ) أَيْ الْبَصِيرُ وَالْأَعْمَى وَلَوْ اجْتَهَدَ الْمُخْطِئُ وَلَوْ لَمْ يُخْطِئْ الْقِبْلَةَ ; لِأَنَّ الْحَضَرَ لَيْسَ بِمَحَلِّ الِاجْتِهَادِ ، لِقُدْرَةِ مَنْ فِيهِ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِالْمَحَارِيبِ وَنَحْوِهَا ، وَلِوُجُودِ الْمُخْبِرِ عَنْ يَقِينٍ غَالِبًا . فَهُوَ مُفَرِّطٌ ، وَكَذَلِكَ الْأَعْمَى ; لِأَنَّ فَرْضَهُ التَّقْلِيدُ أَوْ الِاسْتِدْلَال ، وَقَدْ تَرَكَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ ( فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لِمُجْتَهِدٍ جِهَةٌ ) فِي السَّفَرِ ، بِأَنْ تَعَادَلَتْ عِنْدَهُ الْأَمَارَاتُ ، وَكَذَا لَوْ مَنَعَهُ مِنْ الِاجْتِهَادِ رَمَدٌ وَنَحْوُهُ ، صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ .
وَلَا إعَادَةَ ، لِحَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=49عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=29008كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ ، فَلَمْ نَدْرِ أَيْنَ الْقِبْلَةُ ، فَصَلَّى كُلُّ رَجُلٍ حِيَالَهُ فَلَمَّا أَصْبَحْنَا ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَ : { nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } } رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ; وَلِأَنَّ خَفَاءَ الْقِبْلَةِ فِي الْأَسْفَارِ لِوُجُودِ نَحْوِ غَيْمٍ يَكْثُرُ . فَيَشُقُّ إيجَابُ الْإِعَادَةِ ( أَوْ لَمْ يَجِدْ أَعْمَى ) مَنْ يُقَلِّدُهُ ( أَوْ ) لَمْ يَجِدْ ( جَاهِلٌ ) بِأَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ ( مَنْ يُقَلِّدُهُ ، فَتَحَرَّيَا ) وَصَلَّيَا .
فَلَا إعَادَةَ ; لِأَنَّهُمَا أَتَيَا بِمَا أُمِرَا بِهِ عَلَى وَجْهِهِ . فَسَقَطَتْ عَنْهُمَا الْإِعَادَةُ ، كَالْعَاجِزِ عَنْ الِاسْتِقْبَالِ ( أَوْ أَخْطَأَ مُجْتَهِدٌ قَلَّدَ ) جَاهِلٌ مُجْتَهِدًا ( فَأَخْطَأَ مُقَلَّدَهُ ) بِفَتْحِ اللَّامِ ( سَفَرًا ) فَصَلَّى إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ ( فَلَا إعَادَةَ ) عَلَيْهِ ; لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مَنْ قَلَّدَهُ ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ حَضَرًا وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلِاجْتِهَادِ ( وَيَجِبُ ) عَلَى عَالِمٍ بِأَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ ( تَحَرٍّ لِكُلِّ صَلَاةٍ ) ; لِأَنَّهَا وَاقِعَةٌ مُتَجَدِّدَةٌ .
فَتَسْتَدْعِي طَلَبًا جَدِيدًا ، كَطَلَبِ الْمَاءِ فِي التَّيَمُّمِ ، وَكَالْحَادِثَةِ لِمُفْتٍ وَمُسْتَفْتٍ ( فَإِنْ تَغَيَّرَ ) اجْتِهَادُهُ ( وَلَوْ فِيهَا ) أَيْ الصَّلَاةِ ( عَمِلَ بِ ) الِاجْتِهَادِ ( الثَّانِي ) ; لِأَنَّهُ تَرَجَّحَ فِي ظَنِّهِ . فَيَسْتَدِيرُ إلَى الْجِهَةِ الَّتِي ظَهَرَتْ لَهُ ، ( وَبَنَى ) عَلَى مَا مَضَى مِنْ الصَّلَاةِ . نَصًّا وَلَيْسَ مِنْ نَقْضِ الِاجْتِهَادِ بِالِاجْتِهَادِ ، بَلْ عَمِلَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا . كَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ فِي الْمُشَرَّكَةِ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ " ذَاكَ عَلَى مَا قَضَيْنَاهُ . وَهَذَا عَلَى مَا نَقْضِي " ( وَإِنْ ظَنَّ الْخَطَأَ ) بِأَنْ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ يُصَلِّي إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ ( فَقَطْ ) بِأَنْ لَمْ تَظْهَرْ لَهُ جِهَةُ الْقِبْلَةِ ( بَطَلَتْ ) صَلَاتُهُ ; لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِدَامَتُهَا إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ ، وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ جِهَةٌ يَتَوَجَّهُ إلَيْهَا .
فَتَعَذَّرَ إتْمَامُهَا ( وَمَنْ أُخْبِرَ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ( فِيهَا ) أَيْ الصَّلَاةِ ( بِالْخَطَأِ ) لِلْقِبْلَةِ ، وَكَانَ الْإِخْبَارُ ( يَقِينًا ) وَالْمُخْبِرُ ثِقَةٌ ( لَزِمَهُ قَبُولُهُ ) أَيْ الْخَبَرِ ، فَيَعْمَلُ بِهِ وَيَتْرُكُ الِاجْتِهَادَ كَمَا لَوْ أَخْبَرَهُ قَبْلَهُ