الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى : وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته الآية . روي عن ابن عباس وسعيد بن جبير والضحاك ومحمد بن كعب ومحمد بن قيس : أن السبب في نزول هذه الآية أنه لما تلا النبي صلى الله عليه وسلم : أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألقى الشيطان في تلاوته : تلك الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهن لترتجى . [ ص: 84 ] وقد اختلف في معنى ألقى الشيطان ، فقال قائلون : لما تلا النبي صلى الله عليه وسلم هذه السورة وذكر فيها الأصنام علم الكفار أنه يذكرها بالذم والعيب ، فقال قائل منهم حين بلغ النبي صلى الله عليه وسلم إلى قوله تعالى : أفرأيتم اللات والعزى " تلك الغرانيق العلى " وذلك بحضرة الجمع الكثير من قريش في المسجد الحرام ، فقال سائر الكفار الذين كانوا بالبعد منه : إن محمدا قد مدح آلهتنا ، وظنوا أن ذلك كان في تلاوته ، فأبطل الله ذلك من قولهم وبين أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتله وإنما تلاه بعض المشركين ، وسمى الذي ألقى ذلك في حال تلاوة النبي صلى الله عليه وسلم شيطانا ؛ لأنه كان من شياطين الإنس كما قال تعالى : شياطين الإنس والجن والشيطان اسم لكل متمرد عات من الجن والإنس . وقيل : إنه جائز أن يكون شيطانا من شياطين الجن ، وقال ذلك عند تلاوة النبي صلى الله عليه وسلم ومثل ذلك جائز في أزمان الأنبياء عليهم السلام كما حكى الله تعالى عنه بقوله : وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون وإنما قال ذلك إبليس حين تصور في صورة سراقة بن مالك لقريش وهم يريدون الخروج إلى بدر ، وكما تصور في صورة الشيخ النجدي حين تشاورت قريش في دار الندوة في أمر النبي صلى الله عليه وسلم وكان مثل ذلك جائزا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لضرب من التدبير ، فجائز أن يكون الذي قال ذلك شيطانا فظن القوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله .

وقال بعضهم جائز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد تكلم بذلك على سبيل السهو الذي لا يعرى منه بشر فلا يلبث أن ينبهه الله عليه . وأنكر بعض العلماء ذلك ، وذهب إلى أن المعنى أن الشيطان كان يلقي وساوسه في صدر النبي صلى الله عليه وسلم ما يشغله عن بعض ما يقول ، فيقرأ غلطا في القصص المتشابهة نحو قصة موسى عليه السلام وفرعون في مواضع من القرآن مختلفة الألفاظ ، فكان المنافقون والمشركون ربما قالوا قد رجع عن بعض ما قرأ وكان ذلك يكون منه على طريق السهو فنبهه الله تعالى عليه . فأما الغلط في قراءة " تلك الغرانيق " فإنه غير جائز وقوعه من النبي صلى الله عليه وسلم كما لا يجوز وقوع الغلط على بعض القرآن بإنشاد شعر في أضعاف التلاوة على أنه من القرآن . وروي عن الحسن أنه لما تلا ما فيه ذكر الأصنام قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : إنما هي عندكم كالغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى في قولكمعلى جهة النكير عليهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية