الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 362 - 363 ] ( وإذا بلغ الصبي أو أسلم الكافر في رمضان أمسكا بقية يومهما ) قضاء لحق الوقت بالتشبه [ ص: 364 ] ( ولو أفطرا فيه لا قضاء عليهما ) لأن الصوم غير واجب فيه ( وصاما بعده ) لتحقق السبب والأهلية ( ولم يقضيا يومهما ولا ما مضى ) لعدم الخطاب ، وهذا بخلاف الصلاة لأن السبب فيها الجزء المتصل بالأداء فوجدت الأهلية عنده ، وفي الصوم الجزء الأول والأهلية منعدمة عنده . وعن أبي يوسف رحمه الله أنه إذا زال الكفر أو الصبا قبل الزوال فعليه القضاء ، لأنه أدرك وقت النية . وجه الظاهر أن الصوم لا يتجزأ وجوبا وأهلية الوجوب منعدمة في أوله إلا أن للصبي أن ينوي التطوع في هذه الصورة دون الكافر على ما قالوا ، لأن الكافر ليس من [ ص: 365 ] أهل التطوع أيضا ، والصبي أهل له .

التالي السابق


( قوله وإذا بلغ الصبي إلخ ) كل من تحقق بصفة أثناء النهار أو قارن ابتداء وجودها طلوع الفجر وتلك الصفة بحيث لو كانت قبله واستمرت معه وجب عليه الصوم فإنه يجب عليه الإمساك تشبها كالحائض والنفساء يطهران بعد الفجر أو معه ، والمجنون يفيق ، والمريض يبرأ ، والمسافر يقدم بعد الزوال أو قبله بعد الأكل ، أما إذا قدم قبل الزوال والأكل فيجب عليه الصوم لما في الكتاب ، وكذا لو كان نوى الفطر ولم يفطر حتى قدم في وقت النية وجب عليه نية الصوم ، والذي أفطر عمدا أو خطأ أو مكرها أو أكل يوم الشك ثم استبان أنه من رمضان أو أفطر على ظن غروب الشمس ، أو تسحر قبل الفجر . وقيل الإمساك مستحب لا واجب ، لقول أبي حنيفة رحمه الله في الحائض تطهر نهارا : لا يحسن أن تأكل وتشرب والناس صيام . والصحيح الوجوب لأن محمدا قال فليصم ، وقال في الحائض فلتدع . وقول الإمام لا يحسن تعليل للوجوب : أي لا يحسن بل يقبح ، وقد صرح به في بعضها فقال في المسافر : إذا أقام بعد الزوال إني أستقبح أن يأكل ويشرب والناس صيام وهو مقيم ، فبين مراده بعدم الاستحسان ، ولأنه الموافق للدليل ، وهو ما ثبت من أمره عليه الصلاة والسلام بالإمساك لمن أكل في يوم عاشوراء حين كان واجبا ، ولا يخفى على متأمل فوائد [ ص: 364 ] قيود الضابط ، وقلنا : كل من تحقق أو قارن ولم نقل من صار بصفة إلخ ليشمل من أكل عمدا في نهار رمضان لأن الصيرورة للتحول ، ولو لامتناع ما يليه ولا يتحقق المفاد بهما فيه .

( قوله لأن الصوم غير واجب فيه عليهما ) وقال زفر في الكافر إذا أسلم : يجب عليه قضاء ذلك اليوم لأن إدراك جزء من الوقت بعد الأهلية موجب كما في الصلاة ، وينبغي أن يكون جوابه في الصبي إذا بلغ كذلك . ونحن نفرق بأن السبب في الصلاة الجزء القائم عند الأهلية أي جزء كان ، فتحقق الموجب في حقهما ، وفي الصوم الجزء الأول ولم يصادفه أهلا . وعلى هذا فقولهم في الأصول الواجب المؤقت قد يكون الوقت فيه سببا للمؤدي وظرفا له كوقت الصلاة أو سببا ومعيارا وهو ما يقع فيه مقدرا به كوقت الصوم تساهل إذ يقتضي أن السبب تمام الوقت فيهما وقد بان خلافه ، ثم على ما بان من تحقيق المراد قد يقال : يلزم أن لا يجب الإمساك في نفس الجزء الأول من اليوم لأنه هو السبب للوجوب ، وإلا لزم سبق الوجوب على السبب للزوم تقدم السبب ، فالإيجاب فيه يستدعي سببا سابقا ، والفرض خلافه ، ولو لم يستلزم ذلك لزم كون ما ذكروه في وقت الصلاة من أن السببية تضاف إلى الجزء الأول ، فإن لم يؤد عقيبه انتقلت إلى ما يلي ابتداء الشروع ، فإن لم يشرع إلى الجزء الأخير تقررت السببية فيه ، واعتبر حال المكلف عنده تكلفا مستغنى عنه إذ لا داعي لجعله ما يليه دون ما وقع فيه .

( قوله على ما قالوا ) إشارة إلى الخلاف ، وأكثر [ ص: 365 ] المشايخ على هذا الفرق ، وهو أن الصبي كان أهلا فتتوقف إمساكاته في حق الصوم في أول النهار على وجود النية في وقتها ، والكافر ليس أهلا أصلا فلا تتوقف فيقع فطرا فلا يعود صوما ، ومنهم من تمسك في التسوية بينهما بما في الجامع الصغير في الصبي يبلغ والكافر يسلم ، قال : هما سواء ، فإنه يدل على صحة نية كل منهما للتطوع




الخدمات العلمية