الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ويحرم على المعتكف الوطء ) [ ص: 399 ] لقوله تعالى { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } ( و ) كذا ( اللمس والقبلة ) لأنه من دواعيه فيحرم عليه إذ هو محظوره كما في الإحرام بخلاف الصوم ، لأن الكف ركنه لا محظوره فلم يتعد إلى دواعيه ( فإن جامع ليلا أو نهارا عامدا أو ناسيا بطل اعتكافه ) لأن الليل محل الاعتكاف بخلاف الصوم [ ص: 400 ] وحالة العاكفين مذكرة فلا يعذر بالنسيان ( ولو جامع فيما دون الفرج فأنزل أو قبل أو لمس فأنزل بطل اعتكافه ) لأنه في معنى الجماع حتى يفسد به الصوم ، ولو لم ينزل لا يفسد وإن كان محرما لأنه ليس في معنى الجماع وهو المفسد ولهذا لا يفسد به الصوم .

التالي السابق


( قوله لأنه ) أي كلا منهما ( من دواعيه ) فمرجع ضمير دواعيه الوطء وضمير محظوره الاعتكاف . وحاصل الوجه الحكم باستلزام حرمة الشيء ابتداء في العبادة حرمة دواعيه وبعدم استلزامها حرمة الدواعي إذا كانت حرمته ثابتة ضمن ثبوت الأمر للتفاوت بين التحريم الضمني لضد مأمور به والقصدي . ولا شك أن ثبوت ما له الدواعي عند ثبوتها مع قيام الحاجز الشرعي عنه ليس قطعيا ولا غالبا غير أنها طريق في الجملة فحرمت للتحريم القصدي لما هي دواعيه لا الضمني ، إذ هو غير مقصود ، بل المقصود ليس إلا تحصيل المأمور به ، فكان ذلك غير ملحوظ في الطلب إلا لغيره فلا تتعدى الحرمة إلى دواعيه ، إذا عرف هذا فحرمة [ ص: 400 ] الوطء في الاعتكاف قصدي إذ هو ثابت بالنهي المفيد للحرمة ابتداء لنفسه وهو قوله تعالى { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } ومثله في الإحرام والاستبراء قال تعالى { فلا رفث } الآية .

وقال عليه الصلاة والسلام { لا تنكح الحبالى حتى يضعن ، ولا الحيالى حتى يستبرأن بحيضة } فتتعدى إلى الدواعي فيها ، وحرمة الوطء في الصوم والحيض ضمني للأمر الطالب للصوم ، وهو قوله تعالى { ثم أتموا الصيام إلى الليل } { واعتزلوا النساء في المحيض } فإن مقتضاه وجوب الكف ، فحرمة الوطء تثبت ضمنا بخلاف الأول ، فإن حرمة الفعل وهو الوطء هي الثابتة أولا بالصيغة . ثم يثبت وجوب الكف عنه ضمنا فلذا يثبت سمعا حل الدواعي في الصوم والحيض على ما مر في بابيهما .

( قوله ولو لم ينزل لا يفسد وإن كان محرما لأنه ليس في معنى الجماع وهو المفسد ) أو رد لم لم يفسد وإن لم ينزل بظاهر قوله تعالى { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون } ؟ أجيب بأن مجازها وهو الجماع مراد فتبطل إرادة الحقيقة لامتناع الجمع . وهو مشكل لانكشاف أن الجماع من ماصدقات المباشرة ، لأنه مباشرة خاصة فيكون بالنسبة إلى القبلة والجماع فيما دون الفرج والمس باليد والجماع متواطئا أو مشككا ، فأيها أريد به كان حقيقة كما هو كل اسم لمعنى كلي ، غير أنه لا يراد به فردان من مفهومه في إطلاق واحد في سياق الإثبات ، وما نحن فيه سياق النهي وهو يفيد العموم .

فيفيد تحريم كل فرد من أفراد المباشرة جماع أو غيره . هذا وإذا فسد الاعتكاف الواجب وجب قضاؤه إلا إذا فسد بالردة خاصة ، فإن كان اعتكاف شهر بعينه يقضي قدر ما فسد ليس غير ، ولا يلزمه الاستقبال كالصوم المنذور به في شهر بعينه إذا أفطر يوما يقضي ذلك اليوم ، ولا يلزمه الاستئناف أصله صوم رمضان وإن كان اعتكاف شهر بغير عينه يلزمه الاستقبال لأنه لزمه متتابعا فيراعى فيه صفة التتابع ، وسواء أفسده بصنعه من غير عذر كالخروج والجماع والأكل إلا الردة ، أو لعذر كما إذا مرض فاحتاج إلى الخروج أو بغير صنعه كالحيض والجنون والإغماء الطويل ، وأما الردة فلقوله تعالى { إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } وقوله عليه الصلاة والسلام { الإسلام يجب ما قبله } كذا في البدائع .




الخدمات العلمية