الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 402 ] ( ومن أوجب على نفسه اعتكاف يومين يلزمه بليلتيهما ) . وقال أبو يوسف رحمه الله : لا تدخل الليلة الأولى لأن المثنى غير الجمع ، وفي المتوسطة ضرورة الاتصال . وجه الظاهر أن في المثنى معنى الجمع فيلحق به احتياطا لأمر العبادة ، والله أعلم .

التالي السابق


( قوله وقال أبو يوسف ) في النهاية : كان من حقه أن يقول : وعن أبي يوسف لا تدخل الليلة الأولى ، كما هو المذكور في نسخ شروح المبسوط والجامع الكبير لما أن هذه الرواية غير ظاهرة عنه ، والدليل على هذا ما ذكره في الكتاب في حجتهما بقوله : وجه الظاهر ( قوله لأن المثنى غير الجمع ) فكان لفظه ولفظ المفرد سواء ، ثم في لفظ المفرد بأن قال يوما لا تدخل الليلة الأولى بالاتفاق فكذا التثنية ، إلا أن المتوسطة تدخل لضرورة الاتصال ، وهذه الضرورة منتفية في الليلة الأولى .

( قوله أن في المثنى معنى الجمع ) ولذا قال عليه الصلاة والسلام { الاثنان فما فوقهما جماعة } ولو قال : ليلتين صح نذره إذا لم ينو الليلتين خاصة ، بل نوى اليومين معهما ، ثم خص المصنف الرواية عن أبي يوسف في المثنى ، وعنه في الجمع مثل المثنى ، والوجه الذي ذكره لا ينتهض على رواية عدم إدخال الليلة الأولى في الجمع أيضا .

[ فرع ]

لو ارتد عقيب نذر الاعتكاف ثم أسلم لم يلزمه موجب النذر ، لأن نفس النذر بالقربة قربة فيبطل بالردة كسائر القرب . ونذر اعتكاف رمضان لازم ، فإن أطلقه فعليه في أي رمضان شاء ، وإن عينه لزمه فيه بعينه فلو صامه ولم يعتكف لزمه قضاؤه متتابعا بصوم مقصود للنذر عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله ، وهو إحدى الروايتين عن أبي يوسف .

وعن أبي يوسف أنه تعذر قضاؤه فلا يقضى وهو قول زفر ولا يجوز أن يعتكف عنه في رمضان آخر باتفاق الثلاثة ، ولو لم يصم ولم يعتكف جاز أن يقضي الاعتكاف في صوم القضاء والمسألة معروفة في الأصول ، وكل معين نذر اعتكافه كرجب ويوم الاثنين مثلا فمضى ولم يعتكف فيه لزمه [ ص: 403 ] قضاؤه ، فلو أخر يوما حتى مرض وجب الإيصاء بإطعام مسكين عن كل يوم للصوم لا للبث نصف صاع من بر أو صاع من غيره ، ولو كان مريضا وقت الإيجاب ولم يبرأ حتى مات فلا شيء عليه ، ولو صح يوما ينبغي أن يجري فيه الخلاف السابق في الصوم ، والنذر باعتكاف أيام العيدين والتشريق ينعقد ، ويجب في بدلها لأن شرطه الصوم وهو فيها ممتنع ، فلو اعتكفها صائما أثم ولا يلزمه شيء آخر .

ومن نذر اعتكاف شهر بعينه كرجب تعجل اعتكاف شهر قبله عنه يجوز من غير ذكر خلاف في غير موضع .

وفي فتاوى قاضي خان قال : يجوز عند أبي يوسف خلافا لمحمد رحمه الله . وعلى هذا الخلاف إذا نذر أن يحج سنة كذا فحج سنة قبلها ، وكذا النذر بالصلاة في يوم الجمعة إذا صلاها قبلها . وفي الخلاصة قال : لله علي أن أصوم غدا أو أصلي غدا فصام اليوم أو صلى جاز عندهما خلافا لمحمد رحمه الله ، فجعل أبا حنيفة مع أبي يوسف . وأجمعوا أنه إذا نذر أن يتصدق بدرهم يوم الجمعة فتصدق يوم الخميس عنه أجزأه ، وكذا لو قال : لله علي أن أصلي ركعتين في مسجد المدينة المنورة فصلاهما في مسجد آخر جاز بلا فرق بين المضاف إلى الزمان والمضاف إلى المكان .

وقال زفر : إن كان هذا المكان دون ذلك المكان لم يجز ا هـ .

وعن أبي يوسف في غير رواية الأصول مثل ما عن زفر ، والخلاف في التعجيل مشكل ، ولعل ترك الخلاف أنسب للاتفاق على جواز التعجيل بعد السبب ، وكل منذور فإنما سبب وجوبه النذر ، ولا تعتكف المرأة والعبد إلا بإذن السيد والزوج ، فإن منعهما بعد الإذن صح منعه في حق العبد ، ويكون مسيئا في فتاوى قاضي خان .

وفي الخلاصة : يكون آثما ، ولا يصح في حق الزوجة فلا يحل له وطؤها ، ولو نذر المملوك اعتكافا لزمه وللمولى منعه منه فإذا عتق يقضيه ، وكذا إذا نذرت الزوجة صح ، وللزوج منعها ، فإن بانت قضت وليس للمولى منع المكاتب ، ويصح الاعتكاف من الصبي العاقل كغيره من العبادات ، ولا يبطل الاعتكاف سباب ولا جدال ولا سكر في الليل ، ويفسد الاعتكاف الردة والإغماء إذا دام أياما ، وكذا الجنون كما تقدم ذكره قريبا ، فإن تطاول الجنون سنين ثم أفاق هل يجب عليه أن يقضي ؟ في القياس لا كما في صوم رمضان ، وفي الاستحسان يقضي لأن سقوط القضاء في صوم رمضان إنما كان لدفع الحرج ، لأن الجنون إذا طال قلما يزول فيتكرر عليه صوم رمضان فيحرج في قضائه ، وهذا المعنى لا يتحقق في الاعتكاف ، والله سبحانه وتعالى أعلم ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحابه وسلم .




الخدمات العلمية