الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 447 ] قال ( فإذا دخل مكة ابتدأ بالمسجد الحرام ) لما روي { أن النبي عليه الصلاة والسلام كما دخل مكة دخل المسجد } ولأن المقصود زيارة البيت وهو فيه ، ولا يضره ليلا دخلها أو نهارا لأنه دخول بلدة فلا يختص بأحدهما ( وإذا عاين البيت كبر وهلل ) وكان ابن عمر رضي الله تعالى عنهما يقول : إذا لقي البيت باسم الله الله أكبر . ومحمد رحمه الله لم يعين في الأصل لمشاهد الحج شيئا من الدعوات لأن التوقيت يذهب بالرقة [ ص: 448 ] وإن تبرك بالمنقول منها فحسن .

التالي السابق


( قوله فإذا دخل مكة ابتداء بالمسجد ) يخرج من عموم ما في الصحيحين { كان عليه الصلاة والسلام إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين قبل أن يجلس ثم يجلس للناس } وذكر المصنف فيه نصا خاصا عنه عليه الصلاة والسلام ، ومعناه ما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أول شيء بدأ به حين قدم مكة أنه توضأ ثم طاف بالبيت } وروى أبو الوليد الأزرقي في تاريخ مكة بسنده عن عطاء مرسلا { لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة لم يلو على شيء ولم يعرج ، ولا بلغنا أنه دخل بيتا ، ولا لها بشيء حتى دخل المسجد فبدأ بالبيت فطاف به } ولا يخفى أن تقديم الرجل اليمنى سنة دخول المساجد كلها . ويستحب أن يقول : اللهم اغفر لي ذنوبي ، وافتح لي أبواب رحمتك .

ويستحب أن يغتسل لدخول مكة لحديث ابن عمر رضي الله عنهما { كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى حتى يصبح ويغتسل ثم يدخل مكة نهارا } ويذكر أنه عليه الصلاة والسلام فعله في الصحيحين .

ويستحب للحائض والنفساء كما في غسل الإحرام ، ويدخل مكة من ثنية كداء بفتح الكاف وبعد الألف همزة : وهي الثنية العليا على درب المعلى ، وإنما سن لأنه يكون في دخوله مستقبل باب البيت وهو بالنسبة إلى قاصد البيت كوجه الرجل بالنسبة إلى قاصده ، وكذا تقصد كرام الناس . وإذا خرج فمن السفلى لما سنذكره في موضعه إن شاء الله تعالى ( قوله ولا يضره ليلا دخلها أو نهارا ) لما روى النسائي { أنه عليه الصلاة والسلام دخلها ليلا ونهارا . دخلها في حجه نهارا وليلا في عمرته } وهما سواء في حق الدخول لأداء ما به الإحرام ، ولأنه دخول بلد .

وما روي عن ابن عمر رضي الله عنه " أنه كان ينهى عن الدخول ليلا " فليس تقريرا للسنة بل شفقة على الحاج من السراق . ويقول عند دخوله " اللهم أنت ربي وأنا عبدك ، جئت لأؤدي فرضك ، وأطلب رحمتك ، وألتمس رضاك ، متبعا لأمرك راضيا بقضائك ، أسألك مسألة المضطرين المشفقين من عذابك أن تستقبلني اليوم بعفوك ، وتحفظني برحمتك ، وتتجاوز عني بمغفرتك ، وتعينني على أداء فرائضك .

اللهم افتح لي أبواب رحمتك ، وأدخلني فيها ، وأعذني من الشيطان الرجيم " وكذا يقول عند دخول المسجد وكل مسجد وكل لفظ يقع به التضرع والخشوع .

ويستحب أن يدخل من باب بني شيبة ، منه دخل عليه الصلاة والسلام ( قوله وإذا عاين البيت كبر وهلل ) ثلاثا ويدعو بما بدا له ، وعن عطاء { أنه عليه الصلاة والسلام كان يقول إذا لقي البيت أعوذ برب البيت من الكفر والفقر ، ومن ضيق الصدر ، وعذاب القبر ، ويرفع يديه } ومن أهم الأدعية طلب الجنة بلا حساب ، فإن الدعاء مستجاب عند رؤية البيت ( قوله ولم يعين محمد رحمه الله لمشاهد الحج شيئا من الدعوات لأن توقيتها يذهب بالرقة ) [ ص: 448 ] لأنه يصير كمن يكرر محفوظه بل يدعو بما بدا له ويذكر الله كيف بدا له متضرعا ( وإن تبرك بالمأثور منها فحسن ) أيضا . ولنسق نبذة منها في مواطنها إن شاء الله تعالى .

أسند البيهقي إلى سعيد بن المسيب قال " سمعت من عمر رضي الله عنه كلمة ما بقي أحد من الناس سمعها غيري ، سمعته يقول : إذا رأى البيت : اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام " وأسند الشافعي عن ابن جريج { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذ رأى البيت رفع يديه وقال : اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما وبرا ومهابة ، وزد من شرفه وكرمه ممن حجه أو اعتمره تشريفا وتعظيما وتكريما وبرا } ورواه الواقدي في المغازي موصولا : حدثني ابن أبي سبرة عن موسى بن سعيد عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما " أنه عليه الصلاة والسلام دخل مكة نهارا من كداء فلما رأى البيت قال " الحديث ، ولم يذكر فيه رفع اليدين




الخدمات العلمية