الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( ومن صلى المغرب في الطريق ( عرفات ) لم يجزه عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله ، وعليه إعادتها ما لم يطلع الفجر ) وقال أبو يوسف رحمه الله : يجزيه وقد أساء ، وعلى هذا الخلاف إذا صلى بعرفات [ ص: 480 ] لأبي يوسف أنه أداها في وقتها فلا تجب إعادتها كما بعد طلوع الفجر ، إلا أن التأخير من السنة فيصير مسيئا بتركه . ولهما ما روي { أنه عليه الصلاة والسلام قال لأسامة رضي الله عنه في طريق المزدلفة : الصلاة أمامك } معناه : وقت الصلاة . وهذا إشارة إلى أن التأخير واجب ، وإنما وجب ليمكنه الجمع بين الصلاتين بالمزدلفة فكان عليه [ ص: 481 ] الإعادة ما لم يطلع الفجر ليصير جامعا بينهما ، وإذا طلع الفجر لا يمكنه الجمع فسقطت الإعادة .

التالي السابق


( قوله لم يجزه ) الخارج من الدليل [ ص: 480 ] والتقرير صريحا أن الإعادة واجبة وهو لا يستلزم الحكم بعدم الإجزاء وإلا وجب الإعادة مطلقا بل لم تكن إعادة بل أداء في الوقت وقضاء خارجه . وحاصل الدليل أن الظني أفاد تأخر وقت المغرب في خصوص هذا اليوم ليتوصل إلى الجمع بجمع ، وإعمال مقتضاه واجب ما لم يلزم تقديم على القاطع ، وهو بإيجاب أداء المغرب بعد الكون بمزدلفة ما لم يطلع الفجر ، فإذا طلع الفجر انتفى إمكان تدارك هذا الواجب وتقرر المأثم ، إذ لو وجب بعده كان حقيقة عدم الإجزاء فيما هو موقت قطعا وفيه التقدم الممتنع ، وعن ذلك قلنا إذا بقي في الطريق طويلا حتى علم أنه لا يدرك مزدلفة قبل الفجر جاز له أن يصلي المغرب في الطريق .

وإذ قد عرفت هذا فلولا تعليل ذلك الظني بأن التأخر والتأخير للجمع لوجب أن الإعادة لازمة مطلقا لكن ما وجب لشيء ينتفي وجوبه عند تحقق انتفاء ذلك الشيء . بقي الكلام في إفادة صورة ذلك الظني وهو ما في الصحيحين عن أسامة بن زيد قال " دفع عليه الصلاة والسلام من عرفة حتى إذا كان بالشعب نزل فبال ثم توضأ ولم يسبغ الوضوء . فقلت له الصلاة ، [ ص: 481 ] فقال : الصلاة أمامك ، فركب فلما جاء المزدلفة نزل فتوضأ فأسبغ الوضوء ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب ، ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله ثم أقيمت الصلاة فصلاها ولم يصل بينهما شيئا " ا هـ .

وقوله الصلاة أمامك المراد وقتها ، وقد يقال : مقتضاه وجوب الإعادة مطلقا لأنه أداها قبل وقتها الثابت بالحديث ، فتعليله بأنه للجمع فإذا فات سقطت الإعادة تخصيص للنص بالمعنى المستنبط منه ، ومرجعه إلى تقديم المعنى على النص ، وكلمتهم على أن العبرة في المنصوص عليه لعين النص لا لمعنى النص . لا يقال : لو أجريناه في إطلاقه أدى إلى تقديم الظني على القاطع .

لأنا نقول : ذلك لو قلنا بافتراض ذلك ، لكنا نحكم بالإجزاء ونوجب إعادة ما وقع مجزيا شرعا مطلقا ، ولا بدع في ذلك فهو نظير وجوب إعادة صلاة أديت مع كراهة التحريم حيث يحكم بإجزائها وتجب إعادتها مطلقا ، والله تعالى أعلم




الخدمات العلمية