الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( فيبتدئ بجمرة العقبة [ ص: 485 ] فيرميها من بطن الوادي بسبع حصيات مثل حصى الخذف ) لأن { النبي صلى الله عليه وسلم لما أتى منى لم يعرج على شيء حتى رمى جمرة العقبة } ، وقال صلى الله عليه وسلم { عليكم بحصى الخذف لا يؤذي بعضكم بعضا } ولو رمي بأكبر منه جاز لحصول الرمي ، غير أنه لا يرمي بالكبار من الأحجار كي لا يتأذى به غيره ( ولو رماها من فوق العقبة أجزأه ) لأن ما حولها موضع النسك ، والأفضل أن يكون من بطن الوادي لما روينا

التالي السابق


( قوله فيرميها من بطن الوادي إلخ ) في حديث جابر الطويل { فدفع قبل أن تطلع الشمس حتى أتى بطن محسر فحرك قليلا ، ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة } وفي سنن أبي داود عن سليمان بن عمرو بن الأحوص عن أمه قالت { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة من بطن الوادي وهو راكب يكبر مع كل حصاة ورجل من خلفه يستره ، فسألت عن الرجل فقالوا : الفضل بن عباس ، وازدحم الناس فقال عليه الصلاة والسلام : يا أيها الناس لا يقتل بعضكم بعضا ، وإذا رميتم الجمرة فارموا بمثل حصى الخذف } وعن جابر قال { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة بمثل حصى الخذف } رواه مسلم .

وفي الصحيح عن ابن مسعود { أنه رمى جمرة العقبة من بطن الوادي بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ، فقيل له : إن ناسا يرمونها من فوقها ، فقال عبد الله : هذا والذي لا إله غيره مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة } وفي البخاري عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم { أنه كان إذا رمى الجمرة الأولى رماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ثم ينحدر أمامها فيستقبل القبلة رافعا يديه يدعو ، وكان يطيل الوقوف ويأتي الجمرة الثانية فيرميها بسبع حصيات يكبر كلما رمى بحصاة ، ثم ينحدر ذات اليسار مما يلي الوادي فيقف مستقبل البيت رافعا يديه يدعو ، ثم يأتي الجمرة التي عند العقبة فيرميها بسبع حصيات يكبر كلما رماها بحصاة ثم ينصرف ولا يقف عندها } .

( قوله إلا أنه لا يرمي بالكبار من الأحجار ) أطلق في منع الكبار بعدما أطلق في تجويز الكبار بقوله ولو رمى بأكبر منها جاز ، فعلم إرادة تقييد كل منهما ، فالمراد بالأول الأكبر منها قليلا ، والمراد بالثاني الأكبر منها كثيرا كالصخرة العظيمة ونحوها وما يقرب منها ، ويجب كون المنع على وجه الكراهة وذلك لأن مقتضى ظاهر الدليل منع الأكبر من حصى الخذف مطلقا وهو ما رويناه آنفا ، فلما أجازوا الأكبر قليلا ، ولو كان مثل حصاة الخذف علم أن الأمر بحصى الخذف محمول على الندب نظرا إلى تعليله بتوهم الأذى ، ويلزمه الإجزاء برمي الصخرات فيكون المنع منها منع كراهة لتوقع الأذى بها ( قوله ولو رماها من فوق العقبة أجزأه ) إلا أنه خلاف السنة ففعله عليه الصلاة والسلام من أسفلها سنة لا لأنه المتعين .

ولذا ثبت رمي خلق كثير في زمن الصحابة من أعلاها كما ذكرناه آنفا من حديث ابن مسعود رضي الله عنه ولم يأمروهم بالإعادة ولا أعلنوا بالنداء بذلك في الناس . وكان وجه اختياره عليه الصلاة والسلام لذلك هو وجه اختياره حصى الخذف فإنه يتوقع الأذى إذا رموا من أعلاها لمن أسفلها فإنه لا يخلو من مرور الناس فيصيبهم ، بخلاف الرمي من [ ص: 486 ] أسفل مع المارين من فوقها إن كان




الخدمات العلمية