الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإن صلى المسافر بالمقيمين ركعتين سلم وأتم المقيمون صلاتهم ) [ ص: 40 ] لأن المقتدي التزم الموافقة في الركعتين فينفرد في الباقي كالمسبوق ، إلا أنه لا يقرأ في الأصح ; لأنه مقتد تحريمة لا فعلا والفرض صار مؤدى فيتركها احتياطا ، بخلاف المسبوق ; لأنه أدرك قراءة نافلة فلم يتأد الفرض فكان الإتيان أولى ، قال : ( ويستحب للإمام إذ سلم أن يقول : أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر ) ; لأنه عليه الصلاة والسلام قاله حين [ ص: 41 ] صلى بأهل مكة وهو مسافر

التالي السابق


( قوله : في الأصح ) احتراز عما قيل يقرءون ; لأنهم منفردون ، ولهذا يجب السجود عليهم إذا سهوا . ( قوله : احتياطا ) فإنه بالنظر إلى الاقتداء : تحريمة حين أدركوا أول صلاة الإمام تكره القراءة تحريما ، وبالنظر إلى عدمه فعلا إذ لم يفتهم مع الإمام ما يقضون وقد أدركوا فرض القراءة تستحب ، وإذا دار الفعل بين وقوعه مستحبا أو محرما لا يجوز فعله ، بخلاف المسبوق فإنه أدرك قراءة نافلة ، ولو فرض أن الإمام لم يكن قرأ في الأوليين فإنها حينئذ تلتحق بهما ويخلو الشفع الثاني كما ذكرنا فلم يدرك قراءة أصلا حكما إذ ذاك فدارت قراءته بين أن تكون مكروهة تحريما أو ركنا تفسد الصلاة بتركه ، فالاحتياط في حقه القراءة ; لأن ارتكاب ترك الفرض أشد من ارتكاب المكروه تحريما . ( قوله : ويستحب له إذا سلم أن يقول : أتموا صلاتكم إلخ ) لاحتمال أن يكون خلفه من لا يعرف ولا يتيسر له الاجتماع بالإمام قبل ذهابه فيحكم حينئذ بفساد صلاة نفسه بناء على [ ص: 41 ] ظن إقامة الإمام ثم إفساده بسلامه على ركعتين ، وهذا محمل ما في الفتاوى إذا اقتدى بإمام لا يدري أمسافر هو أو مقيم لا يصح ; لأن العلم بحال الإمام شرط الأداء بجماعة انتهى لا أنه شرط في الابتداء لما في المبسوط : رجل صلى بالقوم الظهر ركعتين في قرية وهم لا يدرون أمسافر هو أم مقيم فصلاتهم فاسدة سواء كانوا مقيمين أم مسافرين ; لأن الظاهر من حال من في موضع الإقامة أنه مقيم ، والبناء على الظاهر واجب حتى يتبين خلافه ، فإن سألوه فأخبرهم أنه مسافر جازت صلاتهم انتهى . وإنما كان قول الإمام ذلك مستحبا ; لأنه لم يتعين معرفة صحة صلاته لهم فإنه ينبغي أن يتموا ثم يسألوه فتحصل المعرفة . وحديث { أتموا صلاتكم } رواه أبو داود والترمذي عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال { غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدت معه الفتح ، فأقام بمكة ثمان عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين يقول : يا أهل مكة صلوا أربعا فإنا قوم سفر } صححه الترمذي .

هذا ولو قام المقتدي المقيم قبل سلام الإمام فنوى الإمام الإقامة قبل سجوده رفض ذلك وتابع الإمام ، فإن لم يفعل وسجد فسدت صلاته ; لأنه ما لم يسجد لم يستحكم خروجه عن صلاة الإمام قبل الإمام . وقد بقي على الإمام ركعتان بواسطة التغير فوجب عليه الاقتداء فيهما ، فإن انفرد فسدت ، بخلاف ما لو نوى الإمام بعد ما سجد المقتدي فإنه يتم منفردا ، فلو رفض وتابع فسدت لاقتدائه حيث وجب الانفراد ، وقدمنا في باب الحدث في الصلاة مسألة استخلاف الإمام المسافر مقيما فارجع إليها هناك وأتقنها . ( وهذه مسائل للزيادات ) مسافر ومقيم أم أحدهما الآخر ، فلما شرعا شكا في الإمام استقبلا ; لأن الصلاة متى فسدت من وجه وجازت من وجوه حكم بفسادها ، وإمامة المقتدي مفسدة ، واحتمال كون كل منهما مقتديا قائم فتفسد عليهما .

قيل تأويله إذا افترقا عن مكانهما ، أما قبله فيجعل من عن يمين الآخر مقتديا حملا على السنة ، وقيل لا ; لأن قيام المقتدي عن اليمين ليس شرطا ليجعل دليلا ، ولو لم يشكا حتى أحدث أحدهما فخرج ثم أحدث الآخر فخرج ثم شكا فسدت صلاة من خرج أولا لا الثاني ; لأن الأول سواء كان إماما أو مقتديا لما خرج أولا صار مقتديا بالمتأخر ، ثم إذا خرج الثاني خلا موضع المأموم عن الإمام وذلك مفسد ، بخلاف الثاني فإنه خرج وهو إمام فلا تعلق لصلاته بصلاة غيره ليلزم من فساد صلاة الغير فسادها ويصلي أربعا مسافرا كان أو مقيما ، ويقرأ في الركعة الثانية ويجلس على رأس الركعتين ; لأن ذلك فرض على المسافر إن كان إماما ، وعلى المقيم إن اقتدى بالمسافر وتحولت إمامته إليه ، واحتمال الاقتداء ثابت ، وإن لم يعلم الأول خروجا فسدت صلاتهما ; لأن صلاة المتقدم فاسدة واحتمال التقدم ثابت في كل منهما ، وكذا إن خرجا معا لفساد صلاة المقتدي منهما لخلو مكان الإمام واحتمال الاقتداء في كل منهما ثابت .

ولو صليا ركعتين وقعدا ولم يحدثا ثم شكا في الإمام لم تفسد صلاتهما بل يقوم المقيم ويتم أربعا [ ص: 42 ] ويتابعه المسافر ; لأن المقيم إن كان إماما كان له أن يصلي أربعا ، وإن كان مقتديا انتهى اقتداؤه إذا قعد إمامه قدر التشهد ، ويتابعه المسافر في ذلك ; لأنه إن كان إماما تمت صلاته فلا تضره المتابعة في الزيادة ، وإن كان مقتديا انقلب فرضه أربعا ، واحتمال الاقتداء ثابت حتى لو لم يتابعه فسدت لما قلنا ، ولو لم يشكا حتى أحدث أحدهما فخرج ثم الآخر كذلك ثم شكا بعدما رجعا من الوضوء فسدت صلاة من خرج أولا دون الثاني ; لأن الأول لو كان مقيما ، فإن كان مقتديا بالمسافر لا تفسد صلاته ; لأنه خرج بعدما انتهى اقتداؤه .

وإن كان إماما فسدت صلاته ; لأنه لما خرج أولا صار مقتديا بالمسافر ، فإذا خرج المسافر بعده فسدت صلاته ، فإن كان الأول مسافرا إن كان إماما لم تفسد صلاته ; لأنه خرج بعد الفراغ عن الأركان فلم يصر مقتديا بالمقيم لانتهاء الاقتداء ، وإن كان مقتديا تفسد صلاته لخروج الإمام بعده ففسدت صلاة من خرج أولا من وجه وجازت من وجه فيحكم بالفساد والمتأخر لا تفسد صلاته ; لأنه منفرد عند الخروج ، ويصلي ركعتين ليصير أربعا ; لأنه إن كان مقيما لا بد له من ذلك ، وإن كان مسافرا فبالاقتداء يجب ذلك واحتمال الابتداء ثابت ، وإن شكا في الذي خرج أولا فسدت صلاتهما ; لأن صلاة المتقدم فاسدة واحتمال التقدم في حق كل ثابت ، وإن خرجا معا فصلاة المقيم تامة ; لأنه لو كان إماما لم تتحول إمامته إلى المسافر ، وإن كان مقتديا انتهى حكم الاقتداء فصار منفردا ، وصلاة المسافر فاسدة لاحتمال أنه كان مقتديا وقد خلا مكان إمامه ، وإن شكا بعدما صليا ثلاثا أو أربعا ولم يحدثا القياس أنه تعتبر الأحوال وتفسد صلاة المقيم لاحتمال أنه كان مقتديا بالمسافر في الشفع الثاني .

وفي الاستحسان : تجوز صلاتهما ، ويجعل المقيم إماما حملا لأمرهما على الصحة ; لأن الظاهر من المسلم الجري على موجب الشرع كما قلنا فيمن أحرم بنسكين ونسيهما ، القياس أن تلزمه عمرتان وحجتان . وفي الاستحسان تلزمه حجة وعمرة حملا لأمره على المسنون المتعارف وهو القران .

وكذلك مسافر ومقيم أم أحدهما صاحبه في الظهر وتركا القعدة على رأس الركعتين فسلما وسجدا للسهو ثم شكا في الإمام يجعل المقيم إماما ، وكذا لو تركا القراءة في الأوليين أو إحداهما ، فلما سلما وسجدا للسهو شكا يجعل المقيم إماما إذا جعلنا المقيم إماما في مسألتنا ، فإن أحدث المقيم أولا وخرج ثم أحدث المسافر وخرج فسدت صلاة المقيم وجازت صلاة المسافر فإن أحدثا معا أو متعاقبا وخرجا معا فسدت صلاة المسافر بخلو مكان الإمام وجازت صلاة المقيم ; لأنه منفرد ، وإن [ ص: 43 ] خرجا على التعاقب ولا يعلم أولهما خروجا فسدت صلاتهما لما قلنا فيما تقدم .




الخدمات العلمية