الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( ومن ارتث غسل ) وهو من صار خلفا في حكم الشهادة لنيل مرافق الحياة لأن بذلك يخف أثر الظلم فلم يكن في معنى شهداء أحد ( والارتثاث : أن يأكل أو يشرب أو ينام أو يداوى أو ينقل من المعركة حيا ) لأنه نال بعض مرافق الحياة . وشهداء أحد ماتوا عطاشى والكأس تدار عليهم فلم يقبلوا خوفا من نقصان الشهادة ، إلا إذا حمل من مصرعه كي لا تطأه الخيول ، لأنه ما نال شيئا من الراحة ، ولو آواه فسطاط أو خيمة كان مرتثا لما بينا ( ولو بقي حيا حتى مضى وقت صلاة وهو يعقل فهو [ ص: 149 ] مرتث ) لأن تلك الصلاة صارت دينا في ذمته وهو من أحكام الأحياء . قال : وهذا مروي عن أبي يوسف ، ولو أوصى بشيء من أمور الآخرة كان ارتثاثا عند أبي يوسف لأنه ارتفاق . وعند محمد لا يكون لأنه من أحكام الأموات

التالي السابق


( قوله : لنيل مرافق الحياة ) تعليل لقوله خلفا في حكم الشهادة ، وحكم الشهادة أن لا يغسل ، وقيد به لأنه لم يصر خلفا في نفس الشهادة بل هو شهيد عند الله تعالى ( قوله وشهداء أحد إلخ ) كون هذا وقع لشهداء أحد الله أعلم به . وروى البيهقي في شعب الإيمان بسنده عن أبي جهم بن حذيفة العدوي قال : انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عمي ومعه شنة ماء فقلت : إن كان به رمق سقيته ومسحت وجهه ، فإذا به ينشد ، فقلت أسقيك ؟ فأشار أن نعم ، فإذا رجل يقول آه ، فأشار ابن عمي أن انطلق به إليه فإذا هو هشام بن العاص أخو عمرو بن العاص ، فأتيته فقلت أسقيك ؟ فسمع آخر يقول آه فأشار هشام أن انطلق إليه فجئته فإذا هو قد مات ، فرجعت إلى هشام فإذا هو قد مات ، فرجعت إلى ابن عمي فإذا هو قد مات .

وأسند هو والطبراني عن حبيب بن أبي ثابت أن الحارث بن هشام وعكرمة بن أبي جهل وعياش بن أبي ربيعة أثبتوا يوم اليرموك ، فدعا الحارث بماء يشربه ، فنظر إليه عكرمة فقال ارفعوه إلى عكرمة ، فرفعوه إليه فنظر إليه عياش فقال عكرمة ارفعوه إلى عياش ، فما وصل إلى عياش ولا إلى أحد منهم حتى ماتوا وما ذاقوا ( قوله أو يمضي عليه وقت صلاة وهو يعقل ) أي ويقدر على أدائها حتى يجب القضاء ، كذا قيده في شرح الكنز ، والله أعلم بصحته . وفيه إفادة أنه إذا لم يقدر على الأداء لا يجب القضاء ، فإن أراد إذا لم [ ص: 149 ] يقدر للضعف مع حضور العقل فكونه يسقط به القضاء قول طائفة ، والمختار وهو ظاهر كلامه في باب صلاة المريض أنه لا يسقط ، وإن أراد لغيبة العقل فالمغمى عليه يقضي ما لم يزد على صلاة يوم وليلة فمتى يسقط القضاء مطلقا لعدم قدرة الأداء من الجريح ( قوله وهذا مروي عن أبي يوسف ) في الكافي أو عاش مكانه يوما وليلة لأنه ليس في معنى شهداء أحد إذ لم يبق أحد منهم حيا يوما كاملا أو ليلة . وعن أبي يوسف وقت صلاة كاملا يغسل لأنه وجب عليه تلك الصلاة وهو من أحكام الأحياء . وعنه إن عاش بعد الجرح أكثر اليوم أو أكثر الليلة يغسل إقامة للأكثر مقام الكل ( قوله وعند محمد ) قيل الاختلاف بينهما فيما إذا أوصى بأمور الدنيا ، أما بأمور الآخرة فلا يكون مرتثا اتفاقا . وقيل الخلاف في الوصية بأمور الآخرة ، وفي أمور الدنيا يكون مرتثا اتفاقا . وقيل لا خلاف بينهما ، فجواب أبي يوسف فيما إذا كانت بأمور الدنيا ومحمد لا يخالفه . وجواب محمد فيما إذا كانت بأمور الآخرة وأبو يوسف لا يخالفه فيها . ومن الارتثاث أن يبيع أو يشتري أو يتكلم بكلام كثير ، بخلاف القليل فإن ممن شهد أحدا من تكلم كسعد بن الربيع ، وهذا كله إذا كان بعد انقضاء الحرب ، وأما قبل انقضائها فلا يكون مرتثا بشيء مما ذكرنا




الخدمات العلمية