الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            فإن قرأها فيهما لسرعة قراءته وبطء قراءة إمامه أو لكون الإمام قرأها فيهما لم يستحب له قراءتها في الأخيرتين ، ولو سقطت قراءتها عنه لكونه مسبوقا أو بطيء الحركة لم يقرأها في الأخيرتين ( ولا سورة للمأموم ) في جهرية ( بل يستمع ) وتكره له قراءتها كما هو ظاهر للنهي الصحيح عن قراءتها خلفه ، والأصل في ذلك قوله تعالى { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا } والاستماع مستحب لا واجب ، والمشهور أن السنة في حقه تأخير قراءة الفاتحة في الأوليين إلى ما بعد فاتحة إمامه ، فإن لم يسمع لبعد أو غيره فقد قال المتولي : يقدر ذلك بالظن ، ولم يذكروا ما يقوله غير السامع في زمن سكوته ، ويشبه أن يقال يطيل دعاء الافتتاح الوارد في الأحاديث أو يأتي بذكر آخر ، أما السكوت المحض فبعيد ، وكذا قراءة غير الفاتحة فيتعين استحباب أحد هذين ( فإن ) لم يستمع قراءته كأن ( بعد ) عن إمامه أو كان أصم أو سمع صوتا لم يفهمه ( أو كانت ) صلاته ( سرية ) وأسر فيها إمامه أو جهرية ولم يجهر فيها كما مر ( قرأ ) المأموم السورة ( في الأصح ) إذ سكوته لا معنى له ، ومقابل الأصح لا يقرأ مطلقا لإطلاق النهي ، ويسن لكل من إمام ومنفرد جهر في صبح وأوليي مغرب وعشاء وإمام في جمعة للاتباع ، والإجماع في الإمام ، وقيس عليه المنفرد ، ويسر كل منهم فيما سوى ذلك ، ثم ما تقرر في المؤداة أما الفائتة فالعبرة فيها بوقت القضاء فيجهر من غروب الشمس إلى طلوعها ويسر فيما سوى ذلك ، وعلم من ذلك أنه لو أدرك ركعة من الصبح قبل طلوع الشمس ثم طلعت أسر في الثانية وإن كانت أداء وهو الأوجه .

                                                                                                                            نعم يستثنى صلاة العيد فيجهر في قضائها كالأداء كما قاله الإسنوي ، هذا كله بالنسبة للذكر ، أما الأنثى والخنثى فيجهران إن لم يسمعهما أجنبي ويكون جهرهما دون جهر الذكر ، فإن كان ثم أجنبي يسمعهما كره بل يسران ، فإن جهرا لم تبطل صلاتهما .

                                                                                                                            ووقع في المجموع والتحقيق أن الخنثى يسر بحضرة الرجال والنساء ، ورده في المهمات لأنه بحضرة النساء إما ذكر أو أنثى ، ويستحب له الجهر في الحالتين ، ويجوز حمل كلامهما على إسراره حال اجتماع الرجال والنساء ، ويجهر في نحو عيد وخسوف قمر واستسقاء [ ص: 494 ] وتراويح ووتر في رمضان وركعتي طواف وقت جهر ، فإن كانت مطلقة وفعلها ليلا سن له توسط بين جهر وإسرار وإن لم يخف رياء أو تشويشا على مصل أو نائم ، وإلا سن له الإسرار كما في المجموع .

                                                                                                                            ويقاس على ما ذكر من يجهر بذكر أو قراءة بحضرة من يشتغل بمطالعة أو تدريس أو تصنيف كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى ، قال : ولا خفاء أن الحكم على كل من الجهر والإسرار بكونه سنة من حيث ذاته ، والمراد بالتوسط أن يزيد على أدنى ما يسمع نفسه من غير أن تبلغ الزيادة إلى سماع من يليه وفيه عسر ، ولعله ملحظ قول بعضهم لا يكاد يتحرر ، وفسره بعضهم بأن يجهر تارة ويسر أخرى كما ورد من فعله صلى الله عليه وسلم ، واستحسنه الزركشي قال : ولا يستقيم تفسيره بغير ذلك بناء على ما ادعاه من عدم تعقل واسطة بينهما وقد علم تعقلها ، ويستحب سكوت الإمام بعد تأمينه في الجهرية قدر ما يقرأ المأموم الفاتحة ، ويشتغل حينئذ بدعاء أو ذكر أو قراءة سرا قاله في المجموع ، والقراءة أولى والسكتات المستحبة في الصلاة أربع على المشهور : سكتة بعد تكبيرة الإحرام يفتتح فيها ، وثانية بين ولا الضالين وآمين ، وثالثة للإمام بين التأمين في الجهرية وقراءة السورة بقدر قراءة المأموم الفاتحة ، ورابعة قبل تكبيرة الركوع .

                                                                                                                            وتسمية كل من الأولى والثالثة سكتة مجاز فإنه لا يسكت حقيقة لما تقرر فيهما قاله في المجموع ، وعدها الزركشي خمسة الثلاثة الأخيرة وسكتة بين تكبيرة الإحرام والافتتاح وسكتة بين الافتتاح والقراءة ، وعليه لا مجاز إلا في سكتة الإمام بعد التأمين ( ويسن ) لمنفرد وإمام محصورين متصفين بما مر رضوا بالتطويل [ ص: 495 ] ( للصبح والظهر طوال المفصل ) بكسر الطاء جمع والمفرد طويل ( وللعصر والعشاء أوساطه وللمغرب قصاره ) ويستحب له أن يقرأ في الظهر بقريب من الطوال كما في الروضة ، وإطلاق المصنف محمول على ذلك ، والحكمة فيما ذكر أن وقت الصبح طويل وصلاته ركعتان فناسب تطويلهما ، ووقت المغرب ضيق فناسب فيه القصار ، وأوقات الظهر والعصر والعشاء طويلة ، ولكن الصلوات طويلة أيضا ، فلما تعارض ذلك رتب عليه التوسط في غير الظهر والعصر والعشاء من الطوال ، ويستثنى كما قاله الشيخ أبو محمد في مختصره والغزالي في عقود المختصر وإحيائه صلاة الصبح للمسافر فإن المستحب أن يقرأ في الأولى منها قل يأيها الكافرون والثانية الإخلاص وأول المفصل الحجرات على الأصح من عشرة أقوال ، وطواله كما قاله ابن الرفعة وغيره كقاف والمرسلات وأوساطه كالجمعة وقصاره كالعصر والإخلاص والمفصل : المبين قال تعالى { كتاب فصلت آياته } أي جعلت تفاصيل في معان مختلفة ،

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله وبطء قراءة إمامه ) قضيته أنه لو تمكن من قراءتها فيهما ولم يفعل قرأها في الأخيرتين ، وفي كلام شيخنا الزيادي ما يخالفه حيث قال : وفي شرح المهذب عن التبصرة متى أمكن المسبوق قراءة السورة في أولتيه لنحو بطء قراءة إمامه قرأها المأموم معه ولا يعيدها في آخرتيه : أي وإن لم يقرأها معه ، ويوجه بأنه لما تمكن فترك عد مقصرا فلم يشرع له تدارك انتهى ( قوله : ولو سقطت قراءتها عنه ) أي المأموم ( قوله : وكذا قراءة غير الفاتحة ) أي بعيد ، وعبارة حج استحباب قراءة غير الفاتحة بعيد والظاهر كراهته ( قوله : أحد هذين ) هما قوله يطيل دعاء الافتتاح ، وقوله أن يأتي بذكر آخر ( قوله : فيجهران إن لم يسمعهما ) [ ص: 494 ] أي في محل الجهر ( قوله : فإن كانت ) أي الصلاة التي يصليها نافلة مطلقة ، وهو محترز قوله والجهر في نحو عيد إلخ ( قوله : سن له توسط ) قضية تخصيص ذلك بالنفل المطلق أن ما طلب فيه الجهر كالعشاء والتراويح لا يتركه لما ذكر ، وهو ظاهر لأنه مطلوب لذاته فلا يترك لهذا العارض ، وخرج بالنفل المطلق رواتب الفرائض فيسر فيها ، ولعل الفرق بينها وبين النفل المطلق أنها لما شرعت محصورة في عدد معين أشبهت الفرائض فلم تغير عما ورد فيها عن الشارع والنوافل المطلقة لا حصر لها فهي من حيث عدم العقاب عليها أشبهت الرواتب ، ومن حيث إن المكلف ينشئها باختياره وأنها لا حصر لها كانت واسطة بين الرواتب والفرائض ولم يرد فيها شيء بخصوصها فطلب فيها التوسط لتكون آخذة طرفا من كل منهما ، وخص التوسط فيها بنفل الليل لأن الليل محل الجهر والتوسط قريب منه .

                                                                                                                            وبقي حكمة الجهر في محل الجهر ما هي ، ولعلها أنه لما كان الليل محل الخلوة ويطيب فيه السمر شرع الجهر فيه إظهارا للذة مناجاة العبد لربه ، وخص بالأوليين لنشاط المصلي فيهما والنهار لما كان محل الشواغل والاختلاط بالناس طلب فيه الإسرار لعدم صلاحيته للتفرغ للمناجاة .

                                                                                                                            وألحق الصبح بالصلاة الليلية لأن وقته ليس محلا للشواغل عادة كيوم الجمعة ( بكونه سنة ) من حيث ذاته وإلا فقد يعرض له ما يقتضي كراهته أو وجوبه كرؤية مشرف على هلاك وأمكن منعه بالجهر ( قوله : وقد علم تعقلها ) أي من قوله : والمراد بالتوسط أن يزيد على أدنى إلخ .

                                                                                                                            أقول : وأولى منه أن يقال : المراد بالتوسط أن يرفع صوته بها رفعا لا يقصد به سماع من عنده وإن سمعه بالفعل ( قوله : والقراءة أولى ) أي فيقرأ مثلا بعض السورة التي يريد قراءتها سرا في زمن قراءة المأمومين ثم يكملها جهرا ، وفي الركعة الثانية يقرأ مما يلي السورة التي قرأها في الأولى سرا قدر زمن قراءة المأمومين ثم يكملها جهرا ، وقوله بقدر [ ص: 495 ] قراءة المأموم الفاتحة : أي باعتبار الوسط المعتدل ( قوله طوال المفصل ) فإن قلت : طلب طوال المفصل في الصبح ينافي ما قيل في حكمة مشروعيتها ركعتين من كونها عقب نوم وفتور ، قلت : كونها عقب نوم وفتور ناسبه التخفيف فيها فجعلت ركعتين ، وجبر ذلك بسن التطويل فيها ، ووكل إلى خيرة المصلي حيث لم يحتم عليه ، فإن حصل له نشاط أتى به وإلا اقتصر على ما يجزي ( قوله : بكسر الطاء ) وكذا بالضم كما في شرح الروض وشرح المنهج لشيخ الإسلام ( قوله : أن يقرأ في الأولى منها ) ظاهره ولو يوم الجمعة ، ويوجه بأنه لاشتغاله بأمر السفر طلب منه التخفيف ، ثم ما ذكره شامل لما لو كان سائرا أو نازلا ليس متهيئا في وقت الصلاة للسير ولا متوقعا له ، ولو قيل إذا كان نازلا كما ذكر لا يطلب منه خصوص هاتين السورتين لاطمئنانه في نفسه لم يبعد .

                                                                                                                            ثم رأيت في حج ما نصه : وأما المسافر فيسن له في صبحه في الجمعة وغيرها الكافرون ثم الإخلاص لحديث فيه وإن كان ضعيفا ، وورد أيضا { أنه صلى الله عليه وسلم صلى في صبح السفر بالمعوذتين } وعليه فيصير المسافر مخيرا بين ما في الحديثين ، لكن قضية كون الحديث الثاني أقوى سندا وإيثارهم التخفيف للمسافر في سائر قراءته أن المعوذتين أولى .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : ولو سقطت قراءتها عنه إلخ ) [ ص: 494 ] انظر هل هذا في الموافق ، أو في المسبوق ، أو فيما هو أعم ( قوله : فإن كانت مطلقة ) أي الصلاة المفهومة من المقام ( قوله : ويقاس على ما ذكر من يجهر إلخ ) أي فيطلب منه الإسرار في الحالات المذكورة ( قوله : إن لم يخف إلخ ) هذا لا يتأتى على ما اختاره فيما يأتي في تفسير الواسطة ( قوله : ولا خفاء أن الحكم على كل من الجهر إلخ ) أي الواقع ذلك في كلامهم : أي فلا ينافي طلب الإسرار فيما ذكر لهذا العارض ( قوله : لمنفرد ، وإمام محصورين إلخ ) هذا بالنظر [ ص: 495 ] للمجموع ، وإلا ، فلا يفترق الحال في القصار بالنسبة للمغرب كما هو ظاهر




                                                                                                                            الخدمات العلمية