الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولا قضاء لو ) نوى أربعا و ( قعد قدر التشهد ثم نقض ) لأنه لم يشرع في الثاني ( أو شرع ) في فرض ( ظانا أنه عليه ) فذكر أداءه انقلب نفلا [ ص: 36 ] غير مضمون لأنه شرع مسقطا لا ملتزما ( أو ) صلى أربعا فأكثر و ( لم يقعد بينهما ) استحسانا لأنه بقيامه جعلها صلاة واحدة فتبقى واجبة والخاتمة هي الفريضة . وفي التشريح : صلى ألف ركعة ولم يقعد إلا في آخرها صح خلافا لمحمد ، ويسجد للسهو ولا يثني ولا يتعوذ فليحفظ ( ويتنفل مع قدرته على القيام قاعدا ) لا مضطجعا إلا بعذر ( ابتداء و ) كذا ( بناء ) بعد الشروع بلا كراهة [ ص: 37 ] في الأصح كعكسه بحر . وفيه أجر غير النبي صلى الله عليه وسلم على النصف إلا بعذر ( ولا يصلي بعد صلاة ) مفروضة ( مثلها ) في القراءة أو في الجماعة أو لا تعاد عند توهم الفساد للنهي . وما نقل أن الإمام قضى صلاة عمره ، فإن صح نقول كان يصلي المغرب والوتر أربعا بثلاث قعدات [ ص: 38 ] ( ويقعد ) في كل نفله ( كما في التشهد على المختار و ) .

التالي السابق


( قوله وقعد قدر التشهد ) أي وقرأ في الركعتين ( قوله أو شرع ظانا إلخ ) تصريح بمفهوم قوله سابقا شرع فيه قصدا كما أفاده

[ ص: 36 ] المصنف ط ( قوله غير مضمون ) أي لا يلزمه قضاؤه لو أفسده في الحال ، أما لو اختار المضي عليه ثم أفسده لزمه قضاؤه كما قدمه الشارح وقدمنا الكلام عليه ، وكذا لا يجب القضاء على من اقتدى به فيه متطوعا كما في التتارخانية وقدمنا الكلام فيه أيضا .

( قوله لأنه شرع مسقطا إلخ ) أي لأن من ظن أن عليه فرضا يشرع فيه لإسقاط ما في ذمته لا لإلزام نفسه بصلاة أخرى ، فإذا انقلبت صلاته نفلا بتذكر الأداء كانت صلاة لم يلتزمها فلا يلزمه قضاؤها لو أفسدها .

( قوله أو صلى أربعا ) أي وقرأ في الكل ح .

( قوله فأكثر ) هذا خلاف الأصح كما قدمناه عن البدائع والخلاصة . وفي التتارخانية : لو صلى التطوع ثلاثا ولم يقعد على الركعتين فالأصح أنه يفسد ; ولو ستا أو ثمانيا بقعدة واحدة اختلفوا فيه . والأصح أنه يفسد استحسانا وقياسا ا هـ لكن صححوا في التراويح أنه لو صلاها كلها بقعدة واحدة وتسليمة أنها تجزئ عن ركعتين ، فقد اختلف التصحيح ( قوله استحسانا ) والقياس فساد الشفع الأول كما هو قول محمد بناء على أن كل شفع صلاة فتكون القعدة فيه فرضا .

( قوله فتبقى واجبة إلخ ) أي كما في نظيره من الفرض الرباعي ، فإن القعدة الأولى فيه واجبة لا يبطل بتركها والفريضة التي يبطل بتركها إنما هي الأخيرة .

( قوله وفي التشريح ) في بعض النسخ الترشيح بتقديم الراء على الشين ، وفي بعضها التوشيح بالواو بدل الراء وهو المشهور : اسم كتاب شرح الهداية للسراج الهندي .

( قوله صح خلافا لمحمد ) لأنه يقول بفساد الشفع بترك قعدته كما هو القياس وقد مر ، لكن قوله صح مبني على أن ما زاد على الأربع كالأربع في جريان الاستحسان فيه وهو قول لبعض المشايخ ، وقد علمت اختلاف التصحيح فيه ( قوله ويسجد للسهو ) سواء ترك القعدة عمدا أو سهوا ، نعم في العمد يسمى سجود عذر ح عن النهر وسيأتي أن المعتمد عدم السجود في العمد ط .

( قوله ولا يسمي ولا يتعوذ ) لأنهما لا يكونان إلا في ابتداء صلاة ، والشفع لا يكون صلاة على حدة إلا إذا قعد للأول ، فلما لم يقعد جعل الكل صلاة واحدة ح .

( قوله ويتنفل إلخ ) أي في غير سنة الفجر في الأصح كما قدمه المصنف ، بخلاف سنة التراويح لأنها دونها في التأكد ، فتصح قاعدا وإن خالف المتوارث وعمل السلف كما في البحر ، ودخل فيه النفل المنذور فإنه إذا لم ينص على القيام لا يلزمه القيام في الصحيح ، كما في المحيط . وقال فخر الإسلام : إنه الصحيح من الجواب ، وقيل يلزمه واختاره في الفتح نهر ( قوله قاعدا ) أي على أي حالة كانت ، وإنما الاختلاف في الأفضل كما يأتي .

( قوله لا مضطجعا ) وكذا لو شرع منحنيا قريبا من الركوع لا يصح بحر ، وما ذكره من عدم صحة التنفل مضطجعا عندنا بدون عذر ، نقله في البحر عن الأكمل في شرحه على المشارق ، وصرح به في النتف . وقال الكمال في الفتح : لا أعلم الجواز في مذهبنا ، وإنما يسوغ في الفرض حالة العجز عن القعود ، لكن ذكر في الإمداد أن في المعراج إشارة إلى أن في الجواز خلافا عندنا كما عند الشافعية .

( قوله ابتداء وبناء ) منصوبان على الظرفية الزمانية لنيابتهما عن الوقت : أي وقت ابتداء ووقت بناء ط .

( قوله وكذا بناء إلخ ) فصله بكذا لما فيه من خلاف الصاحبين .

قال في الخزائن : ومعنى البناء أن يشرع قائما ثم يقعد في الأولى أو الثانية بلا عذر استحسانا خلافا لهما . وهل يكره عنده ؟ الأصح لا . وأما القعود في الشفع الثاني فينبغي جوازه اتفاقا كما لو شرع قاعدا ثم قام ، كذا قاله [ ص: 37 ] الحلبي وغيره ا هـ وكتب عند قوله الأصح لا في هامشه : فيه رد على الدرر والوقاية والنقاية وغيرها ، حيث جزموا بالكراهة .

( قوله في الأصح ) راجع إلى قوله بلا كراهة كما علمته فافهم .

( قوله كعكسه ) وهو ما لو شرع قاعدا ثم قام فإنه يجوز اتفاقا وهو فعله صلى الله عليه وسلم كما روت عائشة أنه { كان يفتتح التطوع قاعدا فيقرأ ورده حتى إذا بقي عشر آيات ونحوها قام } إلخ ، وهكذا كان يفعل في الركعة الثانية .

وفي التجنيس : الأفضل أن يقوم فيقرأ شيئا ثم يركع ليكون موافقا للسنة ; ولو لم يقرأ ولكنه استوى قائما ثم ركع جاز ، وإن لم يستو قائما وركع لا يجزيه لأنه لا يكون ركوعا قائما ولا ركوعا قاعدا . ا هـ . بحر .

( قوله وفيه ) أي في البحر .

( قوله أجر غير النبي صلى الله عليه وسلم ) أما النبي صلى الله عليه وسلم فمن خصائصه أن نافلته قاعدا مع القدرة على القيام كنافلته قائما ; ففي صحيح مسلم { عن عبد الله بن عمرو قلت : حدثت يا رسول الله أنك قلت : صلاة الرجل قاعدا على نصف الصلاة وأنت تصلي قاعدا ، قال : أجل ، ولكني لست كأحد منكم } " بحر ملخصا : أي لأنه تشريع لبيان الجواز ; وهو واجب عليه .

( قوله على النصف إلا بعذر ) أما مع العذر فلا ينقص ثوابه عن ثوابه قائما لحديث البخاري في الجهاد { إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا } " فتح . وحكى في النهاية الإجماع عليه . وتعقبه في البحر بحكاية النووي عن بعضهم أنه على النصف مع العذر أيضا ثم نقل عن المجتبى أن إيماء العاجز أفضل من ، صلاة القائم لأنه جهد المقل . قال : ولا يخفى ما فيه ، بل الظاهر المساواة كما في النهاية . ا هـ .

لكن ذكر القهستاني ما في المجتبى ، ثم قال : لكن في الكشف أنه قال الشيخ أبو معين النسفي : جميع عبادات أصحاب الأعذار كالمومي وغيره تقوم مقام العبادات الكاملة في حق إزالة المأثم لا في حق إحراز الفضيلة . ا هـ .

أقول : وهو موافق لقول البعض المار ، ويؤيده حديث البخاري { من صلى قائما فهو أفضل ، ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم ، ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد } " فإن العموم " من " يدخل فيه العاجز ، ولأن الصلاة نائما لا تصح عندنا بلا عذر وقد جعل له نصف أجر القاعد ، وفي هذا المقام زيادة كلام يطلب مما علقناه على البحر ( قوله ولا يصلي إلخ ) هذا اللفظ رواه ابن أبي شيبة عن عمر . وظاهر كلام محمد أنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ومحمد أعلم بذلك منا فتح .

( قوله في القراءة إلخ ) لما كان ظاهر الحديث غير مراد إجماعا لأن الظهر والعصر يصليان بعد سنتهما وجب حمله على أخص الخصوص ; ففي الجامع الصغير : أراد لا يصلي بعد الظهر نافلة ركعتين منها بقراءة وركعتين بغير قراءة لتكون مثل الفرض . وقال فخر الإسلام : لو حمل على تكرار الجماعة في مسجد له أهل أو على قضاء الصلاة عند توهم الفساد لكان صحيحا نهر ، وما ذكره عن فخر الإسلام نقله في البحر أيضا عن شرح الجامع الصغير لقاضي خان .

ثم قال في البحر : فالحاصل أن تكرار الصلاة إن كان مع الجماعة في المسجد على هيئته الأولى فمكروه ، وإلا فإن كان في وقت يكره التنفل فيه بعد الفرض فمكروه كما بعد الصبح والعصر ; وإلا فإن كان لخلل في المؤدى فإن كان ذلك الخلل محققا إما بترك واجب أو بارتكاب مكروه فغير مكروه بل واجب ، كما صرح به في الذخيرة وقال إنه لا يتناوله النهي ، وإن كان ذلك الخلل غير محقق بل نشأ من وسوسة فهو مكروه . ا هـ . ( قوله للنهي ) علة لقوله ولا يصلي إلخ ، والنهي هو لفظ الحديث المذكور .

( قوله وما نقل إلخ ) جواب عن سؤال وارد على الوجه [ ص: 38 ] الثالث ، فإن هذا المنقول ينافي حمل النهي عليه ، إذ يبعد أن يكون ما صلاه الإمام أولا مشتملا على خلل محقق من مكروه أو ترك واجب ، بل الظاهر أنه أعاد ما صلاه لمجرد الاحتياط وتوهم الفساد ، فينافي حمل النهي في مذهبه على الوجه الثالث .

والجواب أولا أنه لم يصح نقل ذلك عن الإمام ، وثانيا أنه لو صح نقول إنه كان يصلي المغرب والوتر أربع ركعات بثلاث قعدات كما نقله في البحر عن مآل الفتاوى : أي ويكون حينئذ إعادة الصلاة لمجرد توهم الفساد غير مكروه ، ويكون النهي محمولا على غير هذا الوجه ، لكن لما كانت الصلاة على هذا محتملة لوقوعها نفلا والتنفل بالثلاث مكروه نقول إنه كان يضم إلى المغرب والوتر ركعة ، فعلى احتمال صحة ما كان صلاه أولا تقع هذه الصلاة نفلا ، وزيادة القعدة على رأس الثالثة لا تبطلها ، وعلى احتمال فساده تقع هذه فرضا مقتضيا وزيادة ركعة عليها لا تبطلها ، وقد تقرر أن ما دار بين وقوعه بدعة وواجبا لا يترك ، بخلاف ما دار بين وقوعه سنة وواجبا لكن لا يخفى عليك أن الجواب عن الإيراد هو الأول ; وأما الثاني فهو مقرر له ، لكنه لا يجدي لعدم ثبوت صحة النقل ، فالوجه حينئذ كراهة القضاء لتوهم الفساد كما قاله فخر الإسلام وقاضي خان ، فكان ينبغي للشارح الاقتصار على الأول ، لكن رأيت في فصل قضاء الفوائت من التتارخانية أن الصحيح جواز هذا القضاء إلا بعد صلاة الفجر والعصر ، وقد فعله كثير من السلف لشبهة الفساد ا هـ وعلى هذا لا يصح حمل الحديث على الوجه الثالث .

( قوله ويقعد في كل نفله إلخ ) أي لا في حالة التشهد فقط ، وهذه المسألة من تتمة السابقة ، فكان ينبغي ذكرها قبل قوله ولا يصلي إلخ .

( قوله كما في التشهد ) أي تشهد جميع الصلوات ، وأشار به إلى أنه لا خلاف في حالة التشهد كما في البحر .

( قوله على المختار ) وهو قول زفر ورواية عن الإمام . قال أبو الليث : وعليه الفتوى . وروي عن الإمام تخييره بين القعود والتربع والاحتباء ، وتمامه في البحر . وأفاد في النهر أن الخلاف في تعيين الأفضل وأنه لا شك في حصول الجواز على أي وجه كان .

[ تنبيه ] قيل ظاهر القول المختار أنه في حال القراءة يضع يديه على فخذيه كما في حال التشهد ، لكن تقدم في كلام الشارح في فصل إذا أراد الشروع عند قوله ووضع يمينه على يساره إلخ عن مجمع الأنهر أن المراد من القيام ما هو الأعم لأن القاعد يفعل كذلك : أي يضع يمينه على يساره تحت سرته . وفي حاشية المدني : ويؤيده قول ملا علي القارئ عند قول النقاية في كل قيام أي حقيقي أو حكمي كما إذا صلى قاعدا .




الخدمات العلمية