الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 65 ] والقضاء فعل الواجب بعد وقته ، وإطلاقه على غير الواجب كالتي قبل الظهر مجاز ( الترتيب بين الفروض الخمسة والوتر أداء وقضاء لازم ) يفوت الجواز بفوته ، [ ص: 66 ] للخبر المشهور { من نام عن صلاة } وبه يثبت الفرض العملي ( وقضاء الفرض والواجب والسنة فرض وواجب وسنة ) لف ونشر مرتب ، وجميع أوقات العمر وقت للقضاء إلا الثلاثة المنهية كما مر ( فلم يجز ) تفريع على اللزوم ( فجر من تذكر أنه لم يوتر ) لوجوبه عنده ( إلا ) استثناء من اللزوم فلا يلزم الترتيب ( إذا ضاق الوقت المستحب ) [ ص: 67 ] حقيقة إذ ليس من الحكمة تفويت الوقتية لتدارك الفائتة .

التالي السابق


( قوله والقضاء فعل الواجب إلخ ) وقيل فعل مثله بناء على المرجوح من أنه يجب بسبب جديد لا بما يجب به الأداء وتمامه في البحر وكتب الأصول ( قوله وإطلاقه إلخ ) أي كما في قول المصنف الآتي وقضاء الفرض والواجب والسنة إلخ ; وقول الكنز : وقضى التي قبل الظهر في وقته قبل شفعه ، وكذا إطلاق الفقهاء القضاء على الحج بعد فساده مجاز ، إذ ليس له وقت يصير بخروجه قضاء كما في البحر ، وقدمنا وجه كون النفل لا يسمى قضاء وإن قلنا : إنه مأمور به حقيقة كما هو قول الجمهور وأنه يسمى أداء حقيقة ، كما إذا أتى بالأربع قبل الظهر ; أما إذا أتى بها بعده فهي قضاء ، إذ لا شك أنه ليس وقتها وإن كان وقت الظهر فافهم .

( قوله أداء وقضاء ) الواو بمعنى أو مانعة الخلو ، فيشمل ثلاث صور : ما إذا كان الكل قضاء ، أو البعض قضاء والبعض أداء ، أو الكل أداء كالعشاء مع الوتر ط ودخل فيه الجمعة ، فإن الترتيب بينها وبين سائر الصلوات لازم ، فلو تذكر أنه لم يصل الفجر يصليها ولو كان الإمام يخطب إسماعيل عن شرح الطحاوي .

( قوله يفوت الجواز بفوته ) المراد بالجواز الصحة لا الحل ; وأفاد أن [ ص: 66 ] المراد بلازم الفرض العملي الذي هو أقوى قسمي الواجب وهو مراد من سماه فرضا كصدر الشريعة ، وشرطا كالمحيط ، وواجبا كالمعراج كما أوضحه في البحر .

( قوله للخبر المشهور { من نام عن صلاة } ) تمام الحديث { أو نسيها فلم يذكرها إلا وهو يصلي مع الإمام فليصل التي هو فيها ثم ليقض التي تذكرها ، ثم ليعد التي صلى مع الإمام } ح عن الدرر وذكره في الفتح باختلاف في بعض ألفاظه مع بيان من خرجه ، والاختلاف في توثيق بعض رواته وفي رفعه ووقفه ، وذكر أن دعوى كونه مشهورا مردودة للخلاف في رفعه فضلا عن شهرته ، وأطال في ذلك والذي حط عليه كلامه الميل من حيث الدليل إلى قول الشافعي باستحباب الترتيب ورد عليه في شرح المنية والبرهان بما لخصه نوح أفندي ، فراجعه إن شئت .

( قوله وقضاء الفرض إلخ ) لو قدم ذلك أول الباب أو آخره عن التفريع الآتي لكان أنسب . وأيضا قوله والسنة يوهم العموم كالفرض والواجب وليس كذلك ، فلو قال وما يقضى من السنة لرفع هذا الوهم رملي .

قلت : وأورد عليه الوتر ، فإنه عندهم سنة ، وقضاؤه واجب في ظاهر الرواية ، لكن يجاب بأن كلامه مبني على قول الإمام صاحب المذهب .

( قوله والواجب ) كالمنذورة والمحلوف عليها وقضاء النفل الذي أفسده ط ( قوله وقت للقضاء ) أي لصحته فيها وإن كان القضاء على الفور إلا لعذر ط وسيأتي .

( قوله إلا الثلاثة المنهية ) وهي الطلوع والاستواء والغروب ح وهي محل للنفل الذي شرع به فيها ثم أفسده ط .

( قوله كما مر ) أي في أوقات الصلاة .

( قوله فلم يجز ) أي بل يفسد فسادا موقوفا كما يأتي .

( قوله من تذكر ) أي في الصلاة أو قبلها .

( قوله لوجوبه ) أي الوتر عنده : أي عند الإمام ، بمعنى أنه فرض عملي عنده .

( قوله إذا ضاق الوقت ) أي عند الفوائت والوقتية ، أما الفوائت بعضها مع بعض فليس لها وقت مخصوص حتى يقال يسقط ترتيبها بضيقه ط ولو لم يمكنه أداء الوقتية إلا مع التخفيف في قصر القراءة والأفعال يرتب ويقتصر على ما تجوز به الصلاة بحر عن المجتبى . وفي الفتح : ويعتبر الضيق عند الشروع ، حتى لو شرع في الوقتية مع تذكر الفائتة ، وأطال حتى ضاق لا يجوز إلا أن يقطعها ثم يشرع فيها ، ولو شرع ناسيا والمسألة بحالها فتذكر عند ضيقه جازت . ا هـ .

( قوله المستحب ) أي الذي لا كراهة فيه قهستاني . وقيل أصل الوقت ، ونسبه الطحاوي إلى الشيخين ، والأول إلى محمد . والظاهر أنه احترز عن وقت تغير الشمس في العصر ، إذ يبعد القول بسقوط الترتيب إذا لزم تأخير ظهر الشتاء والمغرب مثلا عن أول وقتها ثم رأيت الزيلعي خص الخلاف بالعصر ، ولذا قال في البحر : وتظهر ثمرته فيما لو تذكر الظهر وعلم أنه لو صلاه يقع قبل التغير ويقع العصر أو بعضه فيه ، فعلى الأول يصلي العصر ثم الظهر بعد الغروب ، وعلى الثاني يصلي الظهر ثم العصر . واختار الثاني قاضي خان في شرح الجامع . وفي المبسوط أن أكثر مشايخنا على أنه قول علمائنا الثلاثة ، وصحح في المحيط الأول ، ورجحه في الظهيرية بما في المنتقى من أنه إذا افتتح العصر في وقتها ثم [ ص: 67 ] احمرت الشمس ثم تذكر الظهر مضى في العصر . قال : فهذا نص على اعتبار الوقت المستحب ا هـ . قال في البحر : فحينئذ انقطع اختلاف المشايخ لأن المسألة حيث لم تذكر في ظاهر الرواية وثبتت في رواية أخرى تعين المصير إليها . ا هـ .

أقول : في هذا الترجيح نظر ، يوضحه ما في شرح الجامع الصغير لقاضي خان ، حيث قال : إنما وضع المسألة في العصر لمعرفة آخر الوقت ، فعندنا آخره في حكم الترتيب غروب الشمس ، وفي حكم جواز تأخير العصر تغير الشمس . وعلى قول الحسن : آخر وقت العصر عند تغير الشمس ; فعنده لو تمكن من أداء الصلاتين قبل التغير لزمه الترتيب وإلا فلا . وعندنا إذا تمكن من أداء الظهر قبل التغير ويقع العصر أو بعضه بعد التغير يلزمه الترتيب ، ولو أمكنه أداء الصلاتين قبل الغروب لكن لا يمكن الفراغ من الظهر قبل التغير لا يلزمه الترتيب لأن ما بعد التغير ليس وقتا لأداء شيء من الصلوات إلا عصر يومه ا هـ ملخصا . وبه علم أن ما في المنتقى لا خلاف فيه لأنه لما تذكر الظهر بعد التغير لا يمكنه صلاته فيه ، فلذا لم تفسد العصر وإن كان افتتحها قبل التغير ناسيا لأن العبرة لوقت التذكر ، ما قدمناه آنفا عن الفتح فيما لو أطال الصلاة ثم تذكر الفائتة عند ضيق الوقت ، وعلم أيضا أن المسألة ليست مبنية على اختلاف المشايخ بل على اختلاف الرواية فاعتبار أصل الوقت هو قول أئمتنا الثلاثة كما مر عن المبسوط ، وأن عليه أكثر المشايخ ، وهو مقتضى إطلاق المتون ، ولذا جزم به فقيه النفس الإمام قاضي خان بلفظ عندنا ، فاقتضى أنه المذهب ، ولذا نسب القول الآخر إلى الحسن ، نعم صرح في شرح المنية والزيلعي بأنه رواية عن محمد ، وعليه يحمل ما مر عن الطحاوي ، وقد مر أنه لو تذكر الفجر عند خطبة الجمعة يصليها مع أن الصلاة حينئذ مكروهة ، بل في التتارخانية أنه يصليها عندهما وإن خاف فوت الجمعة مع الإمام ثم يصلي الظهر . وقال محمد : يصلي الجمعة ثم يقضي الفجر ، فلم يجعلا فوت الجمعة عذرا في ترك الترتيب ومحمد جعله عذرا فكذلك هنا . ا هـ . وقد ذكر في التتارخانية عبارة المحيط وليس فيها التصحيح الذي ذكره في البحر ، فالذي ينبغي اعتماده ما عليه أكثر المشايخ من أن المعتبر أصل الوقت عند علمائنا الثلاثة ، والله أعلم .

( قوله حقيقة ) تمييز لنسبة ضاق : أي ضاق في نفس الأمر لا ظنا ، ويأتي محترزه في قوله ظن من عليه العشاء إلخ ( قوله إذ ليس من الحكمة إلخ ) تعليل لقوله فلا يلزم الترتيب إذا ضاق الوقت ، لكنه إنما يناسب اعتبار أصل الوقت . ويمكن أن يجاب بأن معناه تفويت الوقتية عن وقتها المستحب ح . ولا يخفى أن هذا لا يسمى تفويتا ، بل هو تعليل ذكره المشايخ لما هو المذهب كما قررناه




الخدمات العلمية