الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 106 ] ( بشروط الصلاة ) المتقدمة ( خلا التحريمة ) ونية التعيين ، ويفسدها ما يفسدها : وركنها : السجود أو بدله كركوع مصل وإيماء مريض وراكب ( وهي سجدة بين تكبيرتين ) مسنونتين [ ص: 107 ] جهرا وبين قيامين مستحبين ( بلا رفع يد وتشهد وسلام وفيها تسبيح السجود ) في الأصح ( على من كان ) متعلق بيجب ( أهلا لوجوب الصلاة ) لأنها من أجزائها ( أداء ) كالأصم إذا تلا ( أو قضاء ) كالجنب والسكران والنائم ( فلا تجب على كافر وصبي ومجنون وحائض ونفساء قرءوا أو سمعوا ) لأنهم ليسوا أهلا لها ( وتجب بتلاوتهم ) يعني المذكورين ( خلا المجنون [ ص: 108 ] المطبق ) فلا تجب بتلاوته لعدم أهليته ، ولو قصر جنونه فكان يوما وليلة أو أقل تلزمه تلا أو سمع ، وإن أكثر لا تلزمه بل تلزم من سمعه على ما حرره ملا خسرو ، لكن جزم الشرنبلالي باختلاف الرواية ونقل الوجوب بالسماع من المجنون عن الفتاوى الصغرى والجوهرة قلت : وبه جزم القهستاني ( لا ) تجب ( بسماعه من الصدى والطير ) [ ص: 109 ] ومن كل تال حرفا ولا بالتهجي أشباه ( و ) لا ( من المؤتم لو ) كان السامع ( في صلاته ) أي صلاة المؤتم بخلاف الخارج كما مر

التالي السابق


( قوله بشروط الصلاة ) لأنها جزء من أجزاء الصلاة فكانت معتبرة بسجدات الصلاة ; ولهذا لا يجوز أداؤها بالتيمم إلا أن لا يجد ماء لأن شرط صيرورة التيمم طهارة حال وجود الماء خشية الفوت ولم توجد لأن وجوبها على التراخي ، وكذا يشترط لها الوقت حتى لو تلاها أو سمعها في وقت غير مكروه فأداها في مكروه لا تجزيه لأنها وجبت كاملة إلا إذا تلاها في مكروه وسجدها فيه أو في مكروه آخر جاز لأنه أداها كما وجبت وكذا النية لأنها عبادة فلا تصح بدونها بدائع قال في الحلية إلا إذا كانت في الصلاة وسجدها على الفور كما صرحوا به وكأنه لأنها صارت جزءا من الصلاة فانسحب عليها نيتها .

( قوله خلا التحريمة ) لأنها لتوحيد الأفعال المختلفة ولم توجد بدائع وحلية وبحر أي فإن الصلاة أفعال مختلفة من قيام وقراءة وركوع وسجود وبالتحريمة صارت فعلا واحدا وأما هذه فماهيتها فعل واحد فاستغنت عن التحريمة فافهم .

( قوله ونية التعيين ) أي تعيين أنها سجدة آية كذا نهر عن القنية ، وأما تعيين كونها عن التلاوة فشرط كما تقدم في بحث النية من شروط الصلاة إلا إذا كانت في الصلاة وسجدها فورا كما علمته ( قوله ويفسدها ما يفسدها ) أي ما يفسد الصلاة من الحدث العمد والكلام والقهقهة وعليه إعادتها . وقيل هذا قول محمد لأن العبرة عنده لتمام الركن وهو الرفع ، والعبرة عند أبي يوسف للوضع فينبغي أن لا يفسدها . وفي الخانية أنها تفسد على ظاهر الجواب اتفاقا إلا أنه لا وضوء عليه في القهقهة وكذا محاذاة المرأة لا تفسدها كصلاة الجنازة ، ولو نام فيها لا تنتقض طهارته كالصلبية على الصحيح بحر ( قوله كركوع مصل ) قيد بالمصلي لأنه لو تلاها خارج الصلاة فركع لها لا يجزيه قياسا واستحسانا كما في البدائع وهو المروي في الظاهر كما في البزازية خلافا لما سينقله الشارح عن البزازية فإنه تحريف تبع فيه النهر كما ستعرفه فافهم ( قوله وإيماء مريض ) أي ولو تلاها في الصحة كما في شرح المنية ( قوله وراكب ) أي إذا تلاها أو سمعها راكبا خارج المصر وإن نزل بعدها ثم ركب ، أما لو وجبت على الأرض فإنها لا تجوز على الدابة لأنها وجبت تامة بخلاف العكس كما في البحر .

( قوله بين تكبيرتين مسنونتين ) أي تكبيرة الوضع وتكبيرة الرفع بحر . وهذا ظاهر الرواية وصححه في البدائع ، وعن أبي حنيفة لا يكبر أصلا . وعنه وعن أبي يوسف يكبر للرفع لا للوضع . وعنه بالعكس حلية قال في التتارخانية : وفي الحجة قال بعض المشايخ لو سجد ولم يكبر عن العهدة قال في الحجة وهذا [ ص: 107 ] يعلم ولا يعمل به لما فيه من مخالفة السلف . ا هـ .

( قوله جهرا ) أي يرفع صوته بالتكبير زيلعي ، أي فيسمع نفسه به منفردا ومن خلفه إذا كان معه غيره ط .

( قوله بين قيامين مستحبين ) أي قيام قبل السجود ليكون خرورا وهو السقوط من القيام ، وقيام بعد رفع رأسه وهذا عزاه في البحر إلى المضمرات وقال إن الثاني غريب وذكر الخير الرملي عن خط المصنف أن صاحب المضمرات عزاه إلى الظهيرية وأنه راجع نسخته الظهيرية فلم يجد القيام الثاني فيها . ا هـ .

أقول : قد وجدته في نسختي ونصه : وإذا رفع رأسه من السجود يقوم ثم يقعد . ا هـ . وكذا عزاه إليها في التتارخانية وشرح المنية فالظاهر أن في نسخة المصنف سقطا فتنبه ، ووجه غرابته أنه انفرد بذكره صاحب الظهيرية ولذا عزاه من بعده إليها فقط .

[ تتمة ] : ويندب أن لا يرفع السامع رأسه منها قبل تاليها وليس هو اقتداء حقيقة ، ولذا لا يؤمر التالي بالتقدم . ولا السامعون بالاصطفاف ولا تفسد سجدتهم بفساد سجدته وفي النوادر يتقدم ويصطفون خلفه وتمامه في الإمداد .

( قوله في الأصح ) قال في فتح القدير : ينبغي أن لا يكون ما صحح على عمومه ، فإن كانت السجدة في الصلاة فإن كانت فريضة قال : سبحان ربي الأعلى أو نفلا قال ما شاء مما ورد { كسجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته فتبارك الله أحسن الخالقين } ، وقوله : { اللهم اكتب لي عندك بها أجرا وضع عني بها وزرا واجعلها لي عندك ذخرا وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود } ، وإن كان خارج الصلاة قال كل ما أثر من ذلك ا هـ وأقره في الحلية والبحر والنهر وغيرها .

( قوله لأنها من أجزائها ) أي من جنس أجزاء الصلاة أو المراد في بعض المواضع كما إذا تليت في الصلاة فافهم . قال في البحر وغيره : فيشترط لوجوبها أهلية وجوب الصلاة من الإسلام والعقل والبلوغ والطهارة من الحيض والنفاس . ا هـ . ( قوله كالأصم ) نبه على بعيد الخطور بالبال ليعلم غيره بالأولى ح .

( قوله إذا تلاها ) أما إذا رأى قوما سجدوا فلا تجب عليه إمداد عن التتارخانية .

( قوله كالجنب ) ظاهره أنه ليس أهلا للوجوب أداء وليس كذلك رحمتي نعم السكران والنائم كل منهما ليس أهلا للأداء إذا استوعب الوقت تأمل .

( قوله والسكران ) لأنه اعتبر عقله قائما حكما زجرا له ولهذا تلزمه العبادات كما في المحيط ومفاده أنه لو سكر من مباح كما لو أساغ به لقمة أو أكره عليه لم تجب عليه إذا تلاها أو سمعها إذا كان بحال لا يميز ما يقول وما يسمع حتى إنه لا يتذكره بعد الصحو حلية .

( قوله والنائم ) أي إذا أخبر أنه قرأها في حالة النوم تجب عليه وهو الأصح تتارخانية وفي الدراية لا تلزمه هو الصحيح إمداد ففيه اختلاف التصحيح ، وأما لزومها على السامع منه أو من المغمى عليه فنقل في الشرنبلالية أيضا اختلاف الرواية والتصحيح وكذا من المجنون وسيأتي بيانه قريبا .

( قوله لأنهم ليسوا أهلا لها ) أي للصلاة أي لوجوبها بتقدير مضاف ، وفي بعض النسخ : لهما أي للأداء والقضاء وهذا ظاهر في المجنون المطبق ، أما من لم يزد جنونه على يوم وليلة فمقتضاه الوجوب كما سيأتي .

( قوله وتجب بتلاوتهم ) أي وتجب على من سمعهم بسبب تلاوتهم ح .

( قوله يعني المذكورين ) أي الأصم والنفساء وما بينهما ( قوله خلا المجنون ) هذا ما مشى عليه في البحر عن البدائع . قال في الفتح : لكن ذكر شيخ الإسلام أنه لا يجب بالسماع من مجنون [ ص: 108 ] أو نائم أو طير لأن السبب سماع تلاوة صحيحة وصحتها بالتمييز ، ولم يوجد وهذا التعليل يفيد التفصيل في الصبي ، فليكن هو المعتبر إن كان مميزا وجب بالسماع منه وإلا فلا ا هـ واستحسنه في الحلية .

( قوله المطبق ) بالكسر كما في المغرب وفي القاموس أطبقه غطاه ومنه الجنون المطبق والحمى المطبقة ا هـ والمراد به الملازم الممتد . والذي حرره ابن الهمام في التحرير وفتح القدير وتبعه في البحر إن قدر الامتداد المسقط في الصلوات بصيرورتها ستا عند محمد وفي الصوم باستغراق الشهر ليله ونهاره وفي الزكاة باستغراق الحول ا هـ .

ويظهر منه ومن قول المصنف على من كان أهلا لوجوب الصلاة أن التلاوة كالصلاة في ذلك لكن المراد به هنا بناء على ما ذكره في الدرر وتبعه الشارح ما زاد على يوم وليلة وكان لا يزول فإنه جعل الجنون على ثلاث مراتب قاصرا وهو ما لا يزيد على يوم وليلة وكاملا غير مطبق وهو ما يزيد على ذلك لكنه قد يزول وكاملا مطبقا وهو ما يزيد على ذلك ولا يزول . والحاصل لصاحب الدرر على ذلك التقسيم هو التوفيق بين كلامهم فإنه نقل عن تلخيص الجامع عدم الوجوب بالسماع من المجنون . وعن الخانية الوجوب وعن النوادر أنه إذا قصر فكان يوما وليلة أو أقل يلزمه السجود تلاها أو سمعها أي وإذا وجبت عليه تجب على من سمعها منه بالأولى ثم ذكر في الدرر أن القاصر يجب السجود بتلاوته عليه وعلى من سمع منه وهو ما في النوادر والكامل الغير المطبق لا يجب عليه بتلاوته بل على سامعه وهو ما في الخانية والمطبق لا يجب عليه ولا على سامعه وهو ما في التلخيص وقد جرى الشارح على هذا التقسيم والتوفيق ( قوله فلا تجب بتلاوته ) أي على من سمعه كما لا تجب عليه نفسه .

( قوله لعدم أهليته ) يرد عليه الصبي فإنه يجب على من سمعه مع عدم أهليته ط .

( قوله تلزمه تلا أو سمع ) أي لأنه أهل لوجوب قضاء الصلاة وإذا لزمته لزمت من سمع منه بالأولى كما مر . وفي شرح الشيخ إسماعيل : كل من وجب عليه بالسماع من الغير وجب على الغير بالسماع منه بلا عكس ( قوله وإن أكثر ) أي من يوم وليلة يعني ولم يكن مطبقا بقرينة المقابلة وهذا ثالث الأقسام .

( قوله لكن إلخ ) استدراك على ما حرره خسرو صاحب الدرر وهو ما مر .

وحاصل ما ذكره الشرنبلالي في حاشيته عليه أن ما ذكره من تقسيم الجنون إلى ثلاثة أقسام مخالف لكلام الأصوليين أنه قسمان فقط مطبق وغيره وأن تفسيره المطبق بما لا يزول غير مسلم لأنه ما من ساعة إلا ويرجى زواله وأن في السماع من المجنون روايتين مصححتين حكاهما في الجوهرة ، فالوجه في التوفيق أن يحمل ما في الخانية على رواية وما في التلخيص على أخرى ا هـ .

أقول : والظاهر أن هاتين الروايتين في الجنون المطبق وغيره خلافا لما في حاشية نوح أفندي وشرح الشيخ إسماعيل من تقييده بالمطبق بدليل ما قدمناه عن الفتح وكذا ما في الجوهرة حيث قال : ولو سمعها من نائم أو مغمى عليه أو مجنون ففيه روايتان أصحهما لا يجب ا هـ فإن المجنون غير المطبق ليس أدنى حالا من النائم والمغمى عليه ، فالخلاف الجاري فيهما جار فيه أيضا لكون كل منهم من أهل الوجوب فكان الظاهر الإطلاق بلا تقييد بمطبق أو غيره .

( قوله ونقل الوجوب إلخ ) يغني عنه ما قبله مع أنه يوهم أنه في الجوهرة اقتصر على الوجوب .

( قوله من الصدى ) هو ما يجيبك مثل صوتك في الجبال والصحاري ونحوهما كما في الصحاح .

( قوله والطير ) هو الأصح زيلعي وغيره ، وقيل تجب . وفي الحجة هو الصحيح تتارخانية . [ ص: 109 ] قلت : والأكثر على تصحيح الأول وبه جزم في نور الإيضاح ( قوله ومن كل تال حرفا ) تكرار مع ما يأتي متنا وكأنه ذكره تنبيها على أن الأولى أن يذكر هنا ح .

( قوله ولا بالتهجي ) لأنه لا يقال قرأ القرآن وإنما قرأ الهجاء ولو فعل ذلك في الصلاة لم يقطع لأنها الحروف التي في القرآن ولا تنوب عن القراءة لأنه لم يقرأ القرآن إمداد عن التجنيس والخانية ولا تجب بالكتابة بحر ( قوله ولا من المؤتم إلخ ) أي لا تجب على من سمعها منه سواء كان إمامه أو المقتدين به كما لا تجب عليه نفسه كما مر .

( قوله بخلاف الخارج ) أي عن صلاة المؤتم التالي إماما كان أو مؤتما أو منفردا أو غير مصل أصلا كما قدمناه عند قوله ولو تلا المؤتم ح




الخدمات العلمية