الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 153 ] ( وشرط لافتراضها ) تسعة تختص بها ( إقامة بمصر ) وأما المنفصل عنه فإن كان يسمع النداء تجب عليه عند محمد وبه يفتى كذا في الملتقى ، وقدمنا عن الولوالجية تقديره بفرسخ ورجح في البحر اعتبار عوده لبيته بلا كلفة ( وصحة ) وألحق بالمريض الممرض والشيخ الفاني ( وحرية ) والأصح وجوبها على مكاتب ومبعض [ ص: 154 ] وأجير ويسقط من الأجر بحسابه لو بعيدا وإلا لا ; ولو أذن له مولاه وجبت وقيل يخير جوهرة ورجح في البحر التخيير ( وذكورة ) محققة ( وبلوغ وعقل ) ذكره الزيلعي وغيره وليسا خاصين ( ووجود بصر ) فتجب على الأعور ( قدرته على المشي ) جزم في البحر بأن سلامة أحدهما له كاف في الوجوب لكن قال الشمني وغيره : لا تجب على مفلوج الرجل ومقطوعها ( وعدم حبس و ) عدم ( خوف و ) عدم ( مطر شديد ) ووحل وثلج ونحوهما ( وفاقدها ) أي هذه الشروط [ ص: 155 ] أو بعضها ( إن ) اختار العزيمة و ( صلاها وهو مكلف ) بالغ عاقل ( وقعت فرضا ) عن الوقت لئلا يعود على موضوعه بالنقض وفي البحر هي أفضل إلا للمرأة

[ ص: 153 ]

التالي السابق


[ ص: 153 ] مطلب في شروط وجوب الجمعة

( قوله تختص بها ) إنما وصف التسعة بالاختصاص لأن المذكور في المتن أحد عشر لكن العقل والبلوغ منها ليسا خاصين كما نبه عليه الشارح . ا هـ . ح ( قوله : إقامة ) خرج به المسافر ، وقوله : بمصر أخرج الإقامة في غيره إلا ما استثنى بقوله فإن كان يسمع النداء ح ( قوله يسمع النداء ) أي من المنابر بأعلى صوت كما في القهستاني ( قوله وقدمنا إلخ ) فيه أن ما مر عن الولوالجية في حد الفناء الذي تصح إقامة الجمعة فيه والكلام هنا في حد المكان الذي من كان فيه يلزمه الحضور إلى المصر ليصليها فيه نعم في التتارخانية عن الذخيرة أن من بينه وبين المصر فرسخ يلزمه حضور الجمعة ، وهو المختار للفتوى ( قوله ورجح في البحر إلخ ) هو ما استحسنه في البدائع وصحح في مواهب الرحمن قول أبي يوسف بوجوبها على من كان داخل حد الإقامة أي الذي من فارقه يصير مسافرا وإذا وصل إليه يصير مقيما ، وعلله في شرحه المسمى بالبرهان بأن وجوبها مختص بأهل المصر والخارج عن هذا الحد ليس أهله . ا هـ .

قلت : وهو ظاهر المتون . وفي المعراج أنه أصح ما قيل . وفي الخانية المقيم في موضع من أطراف المصر إن كان بينه وبين عمران المصر فرجة من مزارع لا جمعة عليه وإن بلغه النداء وتقدير البعد بغلوة أو ميل ليس بشيء هكذا رواه أبو جعفر عن الإمامين وهو اختيار الحلواني وفي التتارخانية ثم ظاهر رواية أصحابنا لا تجب إلا على من يسكن المصر أو ما يتصل به فلا تجب على أهل السواد ولو قريبا وهذا أصح ما قيل فيه ا هـ وبه جزم في التجنيس . قال في الإمداد : تنبيه قد علمت بنص الحديث والأثر والروايات عن أئمتنا الثلاثة واختيار المحققين من أهل الترجيح أنه لا عبرة ببلوغ النداء ولا بالغلوة والأميال فلا عليك من مخالفة غيره وإن صحح ا هـ .

أقول : وينبغي تقييد ما في الخانية والتتارخانية بما إذا لم يكن في فناء المصر لما مر أنها تصح إقامتها في الفناء ولو منفصلا بمزارع فإذا صحت في الفناء لأنه ملحق بالمصر يجب على من كان فيه أن يصليها لأنه من أهل المصر كما يعلم من تعليل البرهان والله الموفق ( قوله وصحة ) قال في النهر فلا تجب على مريض ساء مزاجه وأمكن في الأغلب علاجه فخرج المقعد والأعمى ولذا عطفهما عليه فلا تكرار في كلامه كما توهمه في البحر ا هـ فلو وجد المريض ما يركبه ففي القنية هو كالأعمى على الخلاف إذا وجد قائدا ، وقيل : لا يجب عليه اتفاقا كالمقعد ، وقيل هو كالقادر على الشيء فتجب في قولهم وتعقبه السروجي بأنه ينبغي تصحيح عدمه لأن في التزامه الركوب والحضور زيادة المرض .

قلت : فينبغي تصحيح عدم الوجوب إن كان الأمر في حقه كذلك حلية ( قوله : وألحق بالمريض الممرض ) أي من يعول المريض وهذا إن بقي المريض ضائعا بخروجه في الأصح حلية وجوهرة ( قوله والأصح إلخ ) ذكره في السراج قال في البحر ولا يخفى ما فيه ا هـ أي لوجود الرق فيهما والمراد بالمبعض من أعتق بعضه وصار يسعى كما في الخانية

[ ص: 154 ] قوله وأجير ) مفاده أنه ليس للمستأجر منعه وهو أحد قولين وظاهر المتون يشهد له كما في البحر ( قوله : بحسابه لو بعيدا ) فإن كان قدر ربع النهار حط عنه ربع الأجرة وليس للأجير أن يطالبه من الربع المحطوط بمقدار اشتغاله بالصلاة تتارخانية ( قوله : ولو أذن له مولاه ) أي بالصلاة وليس المراد المأذون بالتجارة فإنه لا يجب عليه اتفاقا كما يعلم من عبارة البحر ح ( قوله ورجح في البحر التخيير ) أي بأنه جزم به في الظهيرية وبأنه أليق بالقواعد . ا هـ .

قلت : ويؤيده أنه في الجوهرة أعاد المسألة في الباب الآتي وجزم بعدم وجوبها عليه حيث ذكر أن من لا تجب عليه الجمعة لا تجب عليه العيد إلا المملوك فإنها تجب عليه إذا أذن له مولاه لا الجمعة لأن لها بدلا يقوم مقامها في حقه ، وهو الظهر بخلاف العيد ثم قال : وينبغي أن لا تجب عليه كالجمعة لأن منافعه لا تصير مملوكة له بالإذن فحاله بعده كحاله قبله ; ألا ترى أنه لو حج بالإذن لا تسقط عنه حجة الإسلام ا هـ ولا يخفى أنه إذا لم تجب عليه يخير لأنه فرع عدم الوجوب ، وفي البحر أيضا : وهل يحل له الخروج إليها أو إلى العيدين بلا إذن مولاه ؟ ففي التجنيس إن علم رضاه أو رآه فسكت حل وكذا إذا كان يمسك دابة المولى عند الجامع ولا يخل بحقه في الإمساك له ذلك في الأصح ( قوله محققة ) ذكره في النهر بحثا لإخراج الخنثى المشكل ونقله الشيخ إسماعيل عن البرجندي قيل معاملته بالأضر تقتضي وجوبها عليه .

أقول : فيه نظر بل تقتضي عدم خروجه إلى مجامع الرجال ولذا لا تجب على المرأة فافهم ( قوله : وليسا خاصين ) أي بالجمعة بل هما شرطا التكليف بالعبادات كلها كالإسلام على أن الجنون يخرج بقيد الصحة لأنه مرض ، بل قال الشاعر :

وأصعب أمراض النفوس جنونها

( قوله فتجب على الأعور ) وكذا ضعيف البصر فيما يظهر أما الأعمى فلا ، وإن قدر على قائد متبرع أو بأجرة وعندهما إن قدر على ذلك تجب وتوقف في البحر فيما لو أقيمت وهو حاضر في المسجد .

وأجاب بعض العلماء بأنه إن كان متطهرا فالظاهر الوجوب لأن العلة الحرج ، وهو منتف .

وأقول : بل يظهر لي وجوبها على بعض العميان الذي يمشي في الأسواق ويعرف الطرق بلا قائد ، ولا كلفة ويعرف أي مسجد أراده بلا سؤال أحد ; لأنه حينئذ كالمريض القادر على الخروج بنفسه بل ربما تلحقه مشقة أكثر من هذا تأمل ( قوله : وقدرته على المشي ) فلا تجب على المقعد وإن وجد حاملا اتفاقا خانية لأنه غير قادر على السعي أصلا فلا يجري فيه الخلاف في الأعمى كما نبه عليه القهستاني ( قوله أحدهما ) أي أحد الرجلين ح والمناسب إحداهما ( قوله لكن إلخ ) .

أجاب السيد أبو السعود بحمل ما في البحر على العرج الغير المانع من المشي وما هنا على المانع منه ( قوله : وعدم حبس ) ينبغي تقييده بكونه مظلوما كمديون معسر ، فلو موسرا قادرا على الأداء حالا وجبت ( قوله : وعدم خوف ) أي من سلطان أو لص منح .

قال في الإمداد : ويلحق به المفلس إذا خاف الحبس كما جاز له التيمم به ( قوله ووحل وثلج ) أي شديدين ( قوله ونحوهما ) أي كبرد شديد كما قدمناه في باب الإمامة ( قوله أي هذه الشروط ) [ ص: 155 ] أي شروط الافتراض ( قوله : إن اختار العزيمة ) أي صلاة الجمعة ; لأنه رخص له في تركها إلى الظهر فصارت الظهر في حقه رخصة ، والجمعة عزيمة كالفطر للمسافر هو رخصة له والصوم عزيمة في حقه لأنه أشق فافهم ( قوله بالغ عاقل ) تفسير للمكلف ، وخرج به الصبي فإنها تقع منه نفلا والمجنون فإنه لا صلاة له أصلا بحر عن البدائع ( قوله لئلا يعود على موضوعه بالنقض ) يعني لو لم نقل بوقوعها فرضا بل ألزمناه بصلاة الظهر لعاد على موضوعه بالنقض ، وذلك لأن صلاة الظهر في حقه رخصة ، فإذا أتى بالعزيمة وتحمل المشقة صح ، ولو ألزمناه بالظهر بعدها لحملناه مشقة ونقضنا الموضوع في حقه وهو التسهيل . ا هـ . ح .

قلت : فالمراد بالموضوع الأصل الذي بني عليه سقوط الجمعة هنا وهو التسهيل والترخيص الذي استدعاه العذر ومنه النظر للمولى في جانب العبد . قال في البحر لأنا لو لم نجوزها وقد تعطلت منافعه على المولى لوجب عليه الظهر فتتعطل عليه منافعه ثانيا فينقلب النظر ضررا ( قوله : وفي البحر إلخ ) أخذه في البحر من ظاهر قولهم : إن الظهر لهم رخصة فدل على أن الجمعة عزيمة ، وهي أفضل إلا للمرأة لأن صلاتها في بيتها أفضل وأقره في النهر ، ومقتضى التعليل أنه لو كان بيتها لصيق جدار المسجد بلا مانع من صحة الاقتداء تكون أفضل لها أيضا




الخدمات العلمية