الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وكل ما حرم في الصلاة حرم فيها ) أي في الخطبة خلاصة وغيرها فيحرم أكل وشرب وكلام ولو تسبيحا أو رد سلام أو أمرا بمعروف بل يجب عليه أن يستمع ويسكت ( بلا فرق بين قريب وبعيد ) في الأصح محيط ولا يرد تحذير من خيف هلاكه لأنه يجب لحق آدمي ، وهو محتاج إليه والإنصات لحق الله - تعالى ، ومبناه على المسامحة وكان أبو يوسف ينظر في كتابه ويصححه والأصح أنه لا بأس بأن يشير برأسه أو يده عند رؤية منكر والصواب أنه يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم عند سماع اسمه في نفسه ، ولا يجب تشميت ولا رد سلام به يفتى وكذا يجب الاستماع لسائر الخطب كخطبة نكاح وخطبة عيد وختم على المعتمد . وقالا : لا بأس بالكلام قبل الخطبة وبعدها [ ص: 160 ] وإذا جلس عند الثاني ، والخلاف في كلام يتعلق بالآخرة أما غيره فيكره إجماعا وعلى هذا فالترقية المتعارفة في زماننا تكره عنده لا عندهما . وأما ما يفعله المؤذنون حال الخطبة من الترضي ونحوه فمكروه اتفاقا وتمامه في البحر والعجب أن المرقى ينهى عن الأمر بالمعروف بمقتضى حديثه ثم يقول : أنصتوا رحمكم الله . قلت : إلا أن يحمل على قولهما فتنبه

التالي السابق


( قوله : ولو تسبيحا ) أي ولو كان الكلام تسبيحا ، وفي ذكره في ضمن التفريع على ما في المتن نظر لأنه لا يحرم في الصلاة تأمل ( قوله : أو أمر بمعروف ) إلا إذا كان من الخطيب كما قدمه الشارح ( قوله بل يجب عليه أن يستمع ) ظاهره أنه يكره الاشتغال بما يفوت السماع ، وإن لم يكن كلاما ، وبه صرح القهستاني حيث قال : إذ الاستماع فرض كما في المحيط أو واجب كما في صلاة المسعودية أو سنة وفيه إشعار بأن النوم عند الخطبة مكروه إلا إذا غلب عليه كما في الزاهدي . ا هـ . ط قال في الحلية : قلت وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال { إذا نعس أحدكم يوم الجمعة فليتحول من مجلسه } أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح ( قوله في الأصح ) وقيل لا بأس بالكلام إذا بعد ح عن القهستاني ( قوله ولا يرد ) أي على قوله ولا كلام ( قوله من خيف هلاكه ) الأولى ضرره قال في البحر أو رأى رجلا عند بئر فخاف وقوعه فيها أو رأى عقربا يدب إلى إنسان فإنه يجوز له أن يحذره وقت الخطبة . ا هـ .

قلت : وهذا حيث تعين الكلام ; إذ لو أمكن بغمز أو لكن لم يجز الكلام تأمل ( قوله وكان أبو يوسف ) هذا مبني على خلاف الأصح المتقدم قال في الفيض ولو كان بعيدا لا يسمع الخطبة ففي حرمة الكلام خلاف وكذا في قراءة القرآن والنظر في الكتب وعن أبي يوسف أنه كان ينظر في كتابه ، ويصححه بالقلم والأحوط السكوت ، وبه يفتى . ا هـ . ( قوله في نفسه ) أي بأن يسمع نفسه أو يصحح الحروف فإنهم فسروه به ، وعن أبي يوسف قلبا ائتمارا لأمري الإنصات والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم كما في الكرماني قهستاني قبيل باب الإمامة واقتصر في الجوهرة على الأخير حيث قال ولم ينطق به لأنها تدرك في غير هذا الحال والسماع يفوت ( قوله ولا رد سلام ) وعن أبي يوسف لا يكره الرد لأنه فرض . قلنا ذاك إذا كان السلام مأذونا فيه شرعا وليس كذلك في حالة الخطبة بل يرتكب بسلامه مأثما لأنه به يشتغل خاطر السامع عن الفرض ولأن رد السلام يمكن تحصيله في كل وقت بخلاف سماع الخطبة فتح ( قوله وختم ) أي ختم القرآن كقولهم الحمد لله رب العالمين حمد الصابرين إلخ وأما إهداء الثواب من القارئ كقوله : اللهم اجعل ثواب ما قرأناه لا يجب على الظاهر لأنه من الدعاء ط ( قوله وقالا إلخ ) حاصله ما في الجوهرة أن عنده خروج الإمام [ ص: 160 ] يقطع الصلاة والكلام . وعندهما خروجه يقطع الصلاة وكلامه يقطع الكلام ( قوله عند الثاني ) راجع إلى قوله وإذا جلس ط ( قوله وعلى هذا ) أي على قوله والخلاف . مطلب في حكم المرقي بين يدي الخطيب

( قوله فالترقية المتعارفة إلخ ) أي من قراءة آية - { إن الله وملائكته } - والحديث المتفق عليه { إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت } .

أقول : وذكر العلامة ابن حجر في التحفة أن ذلك بدعة لأنه حدث بعد الصدر الأول قيل لكنها حسنة لحث الآية على ما يندب لكل أحد من إكثار الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم لا سيما في هذا اليوم وكحث الخبر على تأكد الإنصات المفوت تركه لفضل الجمعة بل والموقع في الإثم عند الأكثرين من العلماء .

وأقول : يستدل لذلك أيضا { بأنه صلى الله عليه وسلم أمر من يستنصت له الناس عند إرادته خطبة منى في حجة الوداع } فقياسه أنه يندب للخطيب أمر غيره بالاستنصات وهذا هو شأن المرقي فلم يدخل ذكره للخبر في حيز البدعة أصلا ا هـ وذكر نحوه الخير الرملي عن الرملي الشافعي وأقره عليه وقال : إنه لا ينبغي القول بحرمة قراءة الحديث على الوجه المتعارف لتوافر الأمة وتظاهرهم عليه ا هـ ونقل ح نحوه عن العلامة الشيخ محمد البرهمتوشي الحنفي .

أقول : كون ذلك متعارفا لا يقتضي جوازه عند الإمام القائل بحرمة الكلام ولو أمرا بمعروف أو رد سلام استدلالا بما مر ، ولا عبرة بالعرف الحادث إذا خالف النص لأن التعارف إنما يصلح دليلا على الحل إذا كان عاما من عهد الصحابة والمجتهدين كما صرحوا به وقياس خطبة الجمعة على خطبة منى قياس مع الفارق فإن الناس في يوم الجمعة قاعدون في المسجد ينتظرون خروج الخطيب متهيئون لسماعه بخلاف خطبة منى فليتأمل والظاهر أن مثل ذلك يقال أيضا في تلقين المرقي الأذان للمؤذن والظاهر أن الكراهة على المؤذن دون المرقي لأن سنة الأذان الذي بين يدي الخطيب تحصل بأذان المرقي فيكون المؤذن مجيبا لأذان المرقي وإجابة الأذان حينئذ مكروهة ; إلا أن يقال : إن أذان الأول إذا لم يكن جهرا يسمعه القوم يكون مخالفا للسنة فيكون المعتبر هو الثاني فتأمل ( قوله من الترضي ) أي عن الصحابة عند ذكر أسمائهم ، وقوله : ونحوه من الدعاء للسلطان عند ذكره كل ذلك بأصوات مرتفعة كما هو معتاد في بعض البلاد كبلاد الروم ومنه ما هو معتاد عندنا أيضا من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند صعود الخطيب مع تمطيط الحروف والتنغم ( قوله : اتفاقا ) هذا أظهر مما في البحر حيث قصر الكراهة على قول الإمام ط ( قوله وتمامه في البحر ) لم يذكر في البحر بعده إلا ما أفاده بقوله والعجب ط ( قوله إلا أن يحمل على قولهما ) لأن يقول ذلك قبل الخطبة وهما يحملان قوله صلى الله عليه وسلم { والإمام يخطب } على الشروع فيها حقيقة ، فحينئذ لا يكون المرقي مخالفا لحديثه بقوله بعده أنصتوا ، أما على قول الإمام من حمل قوله يخطب على الخروج للخطبة بقرينة ما روي { إذا خرج الإمام فلا صلاة ولا كلام } فيكون مخالفا لحديثه الذي يرويه ويكره فافهم




الخدمات العلمية