الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ويخطب بعدها خطبتين ) وهما سنة ( فلو خطب قبلها صح وأساء ) لترك السنة ، وما يسن في الجمعة ويكره يسن فيها ويكره ( و ) الخطب ثمان بل عشر ( يبدأ بالتحميد في ) ثلاث ( خطبة ) جمعة ( واستسقاء ونكاح ) وينبغي أن تكون خطبة الكسوف وختم القرآن كذلك ولم أره ( ويبدأ بالتكبير في ) خمس ( خطبة العيدين ) وثلاث خطب الحج إلا أن التي بمكة وعرفة يبدأ فيها بالتكبير ثم بالتلبية ثم بالخطبة كذا في خزانة أبي الليث ( ويستحب أن يستفتح الأولى بتسع تكبيرات تترى ) أي متتابعات ( والثانية بسبع ) هو السنة ( و ) أن ( يكبر قبل نزوله من المنبر أربع عشرة ) وإذا صعد عليه لا يجلس عندنا معراج ( و ) أن ( يعلم الناس فيها أحكام ) صدقة ( الفطر ) ليؤديها من لم يؤدها وينبغي تعليمهم في الجمعة التي قبلها ليخرجوها في محلها ولم أره وهكذا كل حكم احتيج إليه لأن الخطبة شرعت للتعليم ( ولا يصليها وحده إن فاتت مع الإمام ) ولو بالإفساد اتفاقا في الأصح كما في تيمم البحر ، وفيها [ ص: 176 ] يلغز : أي رجل أفسد صلاة واجبة عليه ولا قضاء ؟ ( و ) لو أمكنه الذهاب إلى إمام آخر فعل لأنها ( تؤدى بمصر ) واحد ( بمواضع ) كثيرة ( اتفاقا ) فإن عجز صلى أربعا كالضحى ( وتؤخر بعذر ) كمطر ( إلى الزوال من الغد فقط ) فوقتها من الثاني كالأول وتكون قضاء لا أداء كما سيجيء في الأضحية وحكىالقهستاني قولين ( وأحكامها أحكام الأضحى لكن هنا يجوز تأخيرها إلى آخر ثالث أيام النحر بلا عذر مع الكراهة وبه ) أي بالعذر ( بدونها ) فالعذر هنا لنفي الكراهة وفي الفطر للصحة ( ويكبر جهرا ) اتفاقا ( في الطريق ) قيل ، وفي المصلى وعليه عمل الناس اليوم لا في البيت ( ويندب تأخير أكله عنها ) وإن لم يصح في الأصح ، [ ص: 177 ] ولو أكل لم يكره أي تحريما ( ويعلم الأضحية وتكبير التشريق ) في الخطبة ( ووقوف الناس يوم عرفة في غيرها تشبيها بالواقفين ليس بشيء ) هو نكرة في موضع النفي فتعم أنواع العبادة من فرض وواجب ومستحب فيفيد الإباحة ، وقيل يستحب ذلك كذا في مسكين . وقال الباقاني : لو اجتمعوا لشرف ذلك اليوم ولسماع الوعظ بلا وقوف وكشف رأس جاز بلا كراهة اتفاقا

التالي السابق


( قوله فلو خطب قبلها إلخ ) وكذا لو لم يخطب أصلا كما قدمناه عن البحر ( قوله : يسن فيها ويكره ) أي إلا التكبير وعدم الجلوس قبل الشروع فيها فإنهما سنة هنا لا في خطبة الجمعة ( قوله : بل عشر ) أي بناء على القول بأن للكسوف خطبة عندنا وعلى قولهما بأن للاستسقاء خطبة كما سيأتي ( قوله واستسقاء ) أي بناء على قولهما من أن له خطبة ( قوله إلا أن التيبمكة وعرفة إلخ ) وأما التي بمعنى حادي عشر ذي الحجة فليس تلبية لأن التلبية تنقطع بأول رمي ط ( قوله ويستحب إلخ ) ذكر ذلك في المعراج عن مجمع النوازل وقال في الخانية إنه ليس للتكبير عدد في ظاهر الرواية لكن ينبغي أن لا يكون أكثر الخطبة التكبير ويكبر في الأضحى أكثر من الفطر . ا هـ .

قلت : وإطلاق العدد في ظاهر الرواية لا ينافي تقييده بما ورد في السنة وقال به الشافعي رحمه الله تعالى ( قوله لا يجلس عندنا ) لأن الجلوس لانتظار فراغ المؤذن من الأذان والأذان غير مشروع في العيد فلا حاجة إلى الجلوس معراج ( قوله ولم أره ) البحث لصاحب البحر وقال بعده : والعلم أمانة في عنق العلماء ا هـ ويؤيده ما سيذكره الشارح في أول باب صدقة الفطر عن الشمني { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب قبل الفطر بيومين يأمر بإخراجها } ( قوله وهكذا إلخ ) هو من تتمة كلام البحر حيث قال : ويستفاد من كلامهم أن الخطيب إذا رأى حاجة إلى معرفة بعض الأحكام فإنه يعلمهم إياها في خطبة الجمعة خصوصا وفي زماننا لكثرة الجهل وقلة العلم فينبغي أن يعلمهم فيها أحكام الصلاة كما لا يخفى . ا هـ . ( قوله مع الإمام ) متعلق بمحذوف حال من ضمير فاتت لا ب فاتت لأن المعنى أن الإمام أداها وفاتت المقتدي لأنها لو فاتت الإمام والمقتدي تقضى كما يأتي أفاده في معراج الدراية ( قوله : ولو بالإفساد ) أي بعد أن دخل فيها مع الإمام وفرغ منها الإمام ( قوله : في الأصح ) مقابله ما حكاه في البحر هنا عن أبي يوسف أنه إذا أفسدها بعد الشروع تقضى ، لأن الشروع كالنذر في الإيجاب ( قوله وفيها ) [ ص: 176 ] أي في صورة الإفساد وقوله : واجبة زيادة في الإلغاز لا للاحتراز عن النفل فإنه يجب قضاؤه بالإفساد ط ( قوله : اتفاقا ) والخلاف إنما هو في الجمعة بحر ( قوله صلى أربعا كالضحى ) أي استحبابا كما في القهستاني وليس هذا قضاء لأنه ليس على كيفيتها ط .

قلت : وهي صلاة الضحى كما في الحلية عن الخانية فقوله تبعا للبدائع كالضحى معناه أنه لا يكبر فيها للزوائد مثل العيد تأمل ( قوله بعذر كمطر ) دخل فيه ما إذا لم يخرج الإمام وما إذا غم الهلال فشهدوا به بعد الزوال أو قبله ، بحيث لا يمكن جمع الناس أو صلاها في يوم غيم ، وظهر أنها وقعت بعد الزوال كما في الدرر وشرحه للشيخ إسماعيل وفيه عن الحجة : إمام صلى العيد على غير وضوء ثم علم بذلك قبل أن يتفرق الناس توضأ ويعيدون وإن تفرق الناس لم يعد بهم وجازت صلاتهم صيانة للمسلمين وأعمالهم ( قوله : فقط ) راجع إلى قوله : بعذر فلا تؤخر من غير عذر وإلى قوله إلى الزوال فلا تصح بعده وإلى قوله من الغد فلا تصح فيما بعد غد ، ولو بعذر كما في البحر ط ( قوله وحكى القهستاني قولين ) ثم قال : ولعله مبني على اختلاف الروايتين ويؤيده ما في زكاة النظم أن لصلاته يوما واحدا في الأصول ويومين في مختصر الكرخي . ا هـ . [ تنبيه ]

ذكر في المجتبى عن الطحاوي أن ما ذكره المصنف قول أبي يوسف ، وأن أبا حنيفة قال : إن فاتت في اليوم الأول لم تقض لكن لم يذكر في الكتب المعتبرة اختلاف في هذا كما في البحر ( قوله لكن هنا ) أي في الأضحى ( قوله : يجوز تأخيرها إلخ ) وتكون فيما بعد اليوم الأول قضاء أيضا كما في أضحية البدائع والزيلعي ( قوله : بلا عذر مع الكراهة ) أثبت في المجتبى والجوهرة والبزازية وغيرها الإساءة بالتأخير لغير عذر ، وبه يعلم أنها كراهة تحريم تأمل رملي .

قلت : إطلاق الكراهة تبعا للبحر والدرر يفيد التحريم ، وأما الإساءة فقدمنا في سنن الصلاة الخلاف في أنها دون الكراهة أو أفحش ، ووفقنا بينهما بأنها دون التحريمية وأفحش من التنزيهية ( قوله : اتفاقا ) أما في الفطر فقد علمت ما فيه من الخلاف في أصل التكبير أو في صفته وهي الجهر ( قوله قيل وفي المصلى ) قال في المحيط : وفي رواية لا يقطعه ما لم يفتتح الإمام الصلاة لأنه وقت التكبير فيكبر عقب الصلاة جهرا . ا هـ . وجزم في البدائع بالأولى وعمل الناس في المساجد على الرواية الثانية بحر ( قوله : لا في البيت ) أي لا يسن وإلا فهو ذكر مشروع ( قوله : ويندب تأخير أكله عنهما ) أي يندب الإمساك عما يفطر الصائم من صبحه إلى أن يصلي فإن الأخبار عن الصحابة تواترت في منع الصبيان عن الأكل والأطفال عن الرضاع غداة الأضحى قهستاني عن الزاهدي ط ( قوله وإن لم يضح ) شمل المصري والقروي وقيده في غاية البيان بالمصري وذكر أن القروي يذوق من الصبح لأن الأضاحي تذبح في القرى من الصباح بحر ( قوله في الأصح ) وقيل : لا يستحب التأخير في حق من لم يضح بحر .

[ ص: 177 ] مطلب لا يلزم من ترك المستحب ثبوت الكراهة إذ لا بد لها من دليل خاص

( قوله لم يكره ) قال في البحر : وهو مستحب ولا يلزم من ترك المستحب ثبوت الكراهة ، إذ لا بد لها من دليل خاص . ا هـ . ( قوله أي تحريما ) تبع فيه صاحب النهر وأشار به إلى ثبوت كراهة التنزيه ، وفيه نظر لما علمت من كلام البحر ولقول البدائع إن شاء ذاق وإن شاء لم يذق والأدب أن لا يذوق شيئا إلى وقت الفراغ من الصلاة حتى يكون تناوله من القرابين . ا هـ . ( قوله في الخطبة ) متعلق بيعلم وينبغي تعليم تكبير التشريق في الجمعة التي قبل عيد الأضحى لأن ابتداءه يوم عرفة كما بحثه في البحر ( قوله : يوم عرفة ) الإضافة بيانية لأن عرفة اسم اليوم وعرفات اسم المكان شرنبلالية ( قوله في غيرها ) أي غير عرفة ، وأراد بها المكان تجوزا والمراد كما في شرح المنية اجتماعهم عشية يوم عرفة في الجوامع أو في مكان خارج البلد يتشبهون بأهل عرفة . ا هـ . ( قوله وقيل يستحب ) لعله المراد من قول النهاية . وعن أبي يوسف ومحمد في غير رواية الأصول أنه لا يكره لما روي أن ابن عباس فعل ذلك بالبصرة . ا هـ .

قال في الفتح : وهذا يفيد أن مقابله من رواية الأصول الكراهة ثم قال : وهو الأولى حسما لمفسدة اعتقادية تتوقع من العوام ونفس الوقوف وكشف الرءوس يستلزم التشبه وإن لم يقصد فالحق أنه إن عرض للوقوف في ذلك اليوم سبب يوجبه كالاستسقاء مثلا لا يكره ، أما قصد ذلك اليوم بالخروج فيه فهو معنى التشبه إذا تأملت . وفي جامع التمرتاشي : لو اجتمعوا لشرف ذلك اليوم جاز يحمل عليه بلا وقوف وكشف ا هـ . والحاصل أن الصحيح الكراهة كما في الدرر بل في البحر أن ظاهر ما في غاية البيان أنها تحريمية وفي النهر أن عباراتهم ناطقة بترجيح الكراهة وشذوذ غيره ( قوله وقال الباقاني إلخ ) مأخوذ من آخر عبارة الفتح المتقدمة ، والحاصل أن المكروه هو الخروج مع الوقوف وكشف الرءوس بلا سبب موجب كاستسقاء أما مجرد الاجتماع فيه على طاعة بدون ذلك فلا يكره .




الخدمات العلمية