الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وجاز دفع القيمة [ ص: 286 ] في زكاة وعشر وخراج وفطرة ونذر وكفارة غير الإعتاق ) وتعتبر القيمة يوم الوجوب ، وقالا يوم الأداء . وفي السوائم يوم الأداء إجماعا ، وهو الأصح ، ويقوم في البلد الذي المال فيه ولو في مفازة ففي أقرب الأمصار إليه فتح . ( والمصدق ) لا ( يأخذ ) إلا ( الوسط ) وهو أعلى الأدنى [ ص: 287 ] وأدنى الأعلى ولو كله جيدا فجيد ( وإن لم يجد ) المصدق وكذا إن وجد فالقيد اتفاقي ( ما وجب من ) ذات ( سن دفع ) المالك ( الأدنى مع الفضل ) جبرا على الساعي لأنه دفع بالقيمة ( أو ) دفع ( الأعلى ورد الفضل ) بلا جبر [ ص: 288 ] لأنه شراء فيشترط فيه الرضا هو الصحيح سراج ( أو ) دفع ( القيمة ) ولو دفع ثلاث شياه سمان عن أربع وسط جاز ( والمستفاد ) ولو بهبة أو إرث ( وسط الحول يضم إلى نصاب من جنسه ) فيزكيه بحول الأصل ، ولو أدى زكاة نقده ثم اشترى به سائمة لا تضم ، ولو له نصابان مما لم يضم أحدهما كثمن سائمة مزكاة وألف درهم وورث ألفا ضمت إلى أقربهما حولا وربح كل يضم إلى أصله .

التالي السابق


( قوله : وجاز دفع القيمة ) أي ولو مع وجود المنصوص عليه معراج ، فلو أدى ثلاث شياه سمان عن أربع وسط أو بعض بنت لبون عن بنت مخاض جاز وتمامه في الفتح . ثم إن هذا مقيد بغير المثلي ، فلا تعتبر القيمة في نصاب كيلي أو وزني ، فإذا أدى أربعة مكاييل أو دراهم جيدة عن خمسة رديئة أو زيوف لا يجوز عند علمائنا الثلاثة إلا عن أربعة ، وعليه كيل أو درهم آخر خلافا لزفر ، وهذا إذا أدى من جنسه ، وإلا فالمعتبر هو القيمة اتفاقا لتقوم الجودة في المال الربوي عند المقابلة بخلاف جنسه .

ثم إن المعتبر عند محمد الأنفع للفقير من القدر والقيمة . وعندهما القدر ، فإذا أدى خمسة أقفزة رديئة عن خمسة جيدة لم يجز عنده حتى يؤدي تمام قيمة الواجب وجاز عندهما ، وهذا إذا كان المال جيدا وأدى من جنسه رديئا ، [ ص: 286 ] أما إذا أدى من خلاف جنسه فالقيمة معتبرة اتفاقا . وإذا أدى خمسة جيدة عن خمسة رديئة جاز اتفاقا على اختلاف التخريج ، وتمامه في شرح درر البحار وشرح المجمع ( قوله في زكاة إلخ ) قيد بالمذكورات ; لأنه لا يجوز دفع القيمة في الضحايا والهدايا والعتق ; لأن معنى القربة إراقة الدم وفي العتق نفي الرق وذلك لا يتقوم بحر عن غاية البيان ، ثم قال : ولا يخفى أنه مقيد ببقاء أيام النحر ، أما بعدها فيجوز دفع القيمة كما عرف في الأضحية . ا هـ . ( قوله : وخراج ) ذكره في الشرنبلالية بحثا ، لكن نقله الشيخ إسماعيل عن الخلاصة ( قوله ونذر ) كأن نذر أن يتصدق بهذا الدينار فتصدق بقدره دراهم أو بهذا الخبز فتصدق بقيمته جاز عندنا ، كذا في فتح القدير . وفيه لو نذر أن يهدي شاتين أو يعتق عبدين وسطين فأهدى شاة أو أعتق عبدا يساوي كل منهما وسطين لا يجوز ; لأن القربة في الإراقة والتحرير وقد التزم إراقتين وتحريرين فلا يخرج عن العهدة بواحد ، بخلاف النذر بالتصدق بشاتين وسطين فتصدق بشاة بقدرهما جاز ; لأن المقصود إغناء الفقير وبه تحصل القربة وهو يحصل بالقيمة ; ولو نذر أن يتصدق بقفيز دقل فتصدق بنصفه جيدا يساوي تمامه لا يجزيه ; لأن الجودة لا قيمة لها هنا للربوية وللمقابلة بالجنس ، بخلاف جنس آخر لو تصدق بنصف قفيز منه يساويه جاز . ا هـ . ( قوله : وكفارة ) بالتنوين وغير الإعتاق نعته ، ولم يذكر هذا الاستثناء في الهداية والكنز والتبيين والكافي وذكره في غاية البيان كما قدمناه معللا بأن معنى القربة فيه إتلاف الملك ونفي الرق وذلك لا يتقوم شرنبلالية .

قلت : وينبغي استثناء الكسوة لما في البحر عن الفتح ، بخلاف ما لو كان كسوة بأن أدى ثوبا يعدل ثوبين لم يجز إلا عن ثوب واحد ; لأن المنصوص عليه في الكفارة مطلق الثوب لا بقيد الوسط فكان الأعلى وغيره داخلا تحت النص . ا هـ . ( قوله وهو الأصح ) أي كون المعتبر في السوائم يوم الأداء إجماعا هو الأصح فإنه ذكر في البدائع أنه قيل إن المعتبر عنده فيها يوم الوجوب ، وقيل يوم الأداء . ا هـ .

وفي المحيط : يعتبر يوم الأداء بالإجماع وهو الأصح ا هـ فهو تصحيح للقول الثاني الموافق لقولهما ، وعليه فاعتبار يوم الأداء يكون متفقا عليه عنده وعندها ( قوله : ويقوم في البلد الذي المال فيه ) فلو بعث عبدا للتجارة في بلد آخر يقوم في البلد الذي فيه العبد بحر ( قوله : ففي أقرب الأمصار إليه ) أي إلى المفازة ، وذكر الضمير باعتبار الموضع .

وعبارة الفتح إلى ذلك الموضع . قال في البحر في الباب الآتي : وهذا أولى مما في التبيين من أنه إذا كان في المفازة يقوم في المصر الذي يصير إليه ( قوله : والمصدق ) بتخفيف الصاد وكسر الدال المشددة : هو الساعي آخذ الصدقة ، وأما المالك فالمشهور فيه تشديدهما وكسر الدال ، وقيل بتخفيف الصاد شرنبلالية عن العناية ( قوله : لا يأخذ إلا الوسط ) أي من السن الذي وجب ، فلو وجب بنت لبون لا يأخذ خيار بنت لبون ولا رديئها بل يأخذ الوسط لقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن { إياك وكرائم أموالهم } رواه الجماعة ولأن في أخذ الوسط نظرا للفقراء ولرب المال ملا علي القاري .

وفي الخانية : ولا تؤخذ الربى والأكيلة والماخض وفحل الغنم ; لأنها من الكرائم ا هـ .

والربى : بضم الراء المشددة وتشديد الباء مقصورة ، وهي التي تربي ولدها مغرب . وفي البدائع قال محمد : الربى هي التي تربي ولدها .

والأكيلة : التي تسمن للأكل . والماخض : هي التي في بطنها ولد ، ومن الناس من طعن [ ص: 287 ] فيه وزعم أن الربى هي المرباة والأكيلة المأكولة وطعنه مردود عليه ، وكان عليه تقليد محمد إذ هو إمام في اللغة أيضا واجب التقليد فيها كأبي عبيد والأصمعي والخليل والكسائي والفراء وغيرهم ، وقد قلده أبو عبيد مع جلالة قدره واحتج بقوله وكذا أبو العباس مطلب محمد إمام في اللغة واجب التقليد فيها من أقران سيبويه وكان ثعلب يقول : محمد عندنا من أقران سيبويه فكان قوله حجة في اللغة ا هـ وتمامه فيها ( قوله : ولو كله جيدا فجيد ) في الظهيرية : له نخيل تمر برني ودقل .

قال الإمام : يؤخذ من كل نخلة حصتها من التمر . وقال محمد : يؤخذ من الوسط إذا كانت أصنافا ثلاثة : جيد ووسط ورديء ا هـ وهذا يقتضي أن أخذ الوسط إنما هو فيما إذا اشتمل المال على جيد ووسط ورديء أو على صنفين منها ، أما لو كان المال كله كأربعين شاة أكولة تجب شاة من الكرائم لا شاة وسط عند الإمام خلافا لمحمد كما لا يخفى بحر .

وفي النهر عن المعراج : وإن لم يكن فيها وسط يعتبر أفضلها ليكون الواجب بقدره ( قوله كذا نقله الشافعية ) وعللوه بأن الحامل حيوانان كما في شرح ابن حجر ( قوله : فليراجع ) لا يقال : تقدم أنه لا تؤخذ الماخض ; لأن المراد هنا ما إذا كان النصاب كله كذلك ، ولا يقال صرحوا بأنه لا زكاة في العوامل والحوامل ; لأن المراد بها المعدة للحمل على ظهرها والمراد هنا ما في بطنها ولد ، لكن إذا كان النصاب كله كذلك فما المانع من أخذها وإن كانت حيوانين ، كما لو كانت كلها أكولة فإنها تؤخذ مع كونها من الكرائم المنهي عن أخذها .

وقول البحر المار آنفا تجب شاة من الكرائم يشمل الحامل فتأمل ( قوله : فالقيد اتفاقي ) كذا في البحر ودرر البحار وغيرهما ، لكن ظاهر ما في البحر عن المعراج أنه اتفاقي بالنسبة إلى أداء القيمة فإنه قال : وأداء القيمة مع وجود المنصوص عليه جائز عندنا ا هـ فتأمل ( قوله من ذات سن ) أشار بتقدير المضاف تبعا للنهر إلى أن المراد بالسن معناها الحقيقي واحدة الأسنان ، لكن قال في المغرب : السن هي المعروفة ، ثم سمي بها صاحبها كالناب للمسنة من النوق ، ثم استعيرت لغيره كابن المخاض وابن اللبون . ا هـ .

زاد في الدرر وذلك إنما يكون في الدواب دون الإنسان ; لأنها تعرف بالسن ا هـ أي سميت بذلك ; لأن عمرها يعرف بالسن بخلاف الآدمي ، ومقتضاه أنه مجاز في اللغة من إطلاق اسم البعض على الكل كالرقبة على المملوك فلا حاجة إلى تقدير مضاف إلا أن يريد الإشارة إلى تجويز كونه من مجاز الحذف تأمل ( قوله : الأدنى ) أي وصفا أو سنا وكذا قوله أو الأعلى ( قوله مع الفضل ) أي ما يزيد من قيمة الواجب على المدفوع ( قوله : لأنه دفع بالقيمة ) أي لا يبيع حتى ينافي الجبر ( قوله : ورد الفضل ) أي استرده ولم يقدروه عندنا بشيء ; لأنه يختلف بحسب الأوقات غلاء ورخصا .

وقدره الشافعي بشاتين أو عشرين درهما كما بسطه في العناية وغيرها إسماعيل ( قوله : بلا جبر ) كذا في الهداية ، وبه جزم الكمال والزيلعي . وفي النهر عن الصيرفي أنه الصحيح ، وقيل الخيار للساعي ذكره محمد في الأصل ، [ ص: 288 ] وجرى عليه القدوري ، واختاره الإسبيجابي ، وقيل للمالك في الصورتين ، وهو ظاهر المتن كالكنز والدرر والملتقى ، وصححه في الاختيار ، وذكر في النهاية والمعراج أنه الصواب ، ومشى عليه في البحر ، وعزاه إلى المبسوط وانتصر في النهر للأول فلذا جزم به الشارح ( قوله : جاز ) أي بخلاف المثلي كما قدمناه موضحا ( قوله : والمستفاد ) السين والتاء زائدتان : أي المال المفاد ط ( قوله : ولو بهبة أو إرث ) أدخل فيه المفاد بشراء أو ميراث أو وصية وما كان حاصلا من الأصل كالأولاد والربح كما في النهر ( قوله إلى نصاب ) قيد به ; لأنه لو كان النصاب ناقصا وكمل بالمستفاد فإن الحول ينعقد عليه عند الكمال ، بخلاف ما لو هلك بعض النصاب في أثناء الحول فاستفاد ما يكمله فإنه يضم عندنا ، وأشار إلى أنه لا بد من بقاء الأصل ; حتى لو ضاع استأنف للمستفاد حولا منذ ملكه ، فإن وجد منه شيئا قبل الحول ولو بيوم ضمه وزكى الكل ، وكذا لو وهب له ألف فاستفاد مثلها في الحول ثم رجع الواهب بقضاء استأنف حولا للفائدة ، وشمل كلامه ما لو كان النصاب دينا ، فاستفاد مائة فإنها تضم إجماعا غير أنه لو تم حول الدين ; فعند الإمام لا يلزمه الأداء من المستفاد ما لم يقبض أربعين درهما ، فلو مات المديون مفلسا سقط عنه زكاة المستفاد وعندهما يجب . ا هـ .

من البحر والنهر ( قوله : من جنسه ) سيأتي ; أن أحد النقدين يضم إلى الآخر وأن عروض التجارة تضم إلى النقدين للجنسية باعتبار قيمتها ، واحترز عن المستفاد من خلاف جنسه كالإبل مع الشياه فلا تضم بحر ( قوله ولو أدى إلخ ) هذا بمنزلة الاستثناء مما في المتن كأنه قال يضم المستفاد إلى جنسه ما لم يمنع منه مانع وهو الثني المنفي بقوله عليه الصلاة والسلام { لا ثني في الصدقة } ( قوله : لا تضم ) أي إلى سائمة عنده من جنس السائمة التي اشتراها بذلك النقد المزكى : أي لا يزكيها عند تمام حول السائمة الأصلية عند الإمام للمانع المذكور وعندهما يضم ، وكذا الخلاف لو باع السائمة المزكاة بنقد بخلاف ما لو أدى عشر طعام أو أرض أو صدقة فطر عبد ثم باع حيث تضم أثمانها إجماعا .

والفرق للإمام أن ثمن السائمة بدل مال الزكاة وللبدل حكم المبدل منه ، فلو ضم لأدى إلى الثني ، وكذا جعل السائمة علوفة بعدما زكاها ثم باعها ، أو جعل عبد التجارة المؤدى زكاته للخدمة ثم باعه ضم لخروجه عن مال الزكاة فصار كمال آخر ، وتمامه في البحر ( قوله : كثمن سائمة مزكاة ) أي وكالفرع المذكور قبله ، ففيه لو ورث سائمة من جنس السائمتين تضم إلى أقربهما أيضا ( قوله ضمت ) أي الألف الموروثة إلى أقربهما : أي أقرب الألفين الأولين حولا .

قال في البحر : لأنهما استويا في علة الضم وترجح أحدهما باعتبار القرب ; لأنه أنفع للفقراء ( قوله : وربح كل إلخ ) قال في البحر ولو كان المستفاد ربحا أو ولدا ضمه إلى أصله وإن كان أبعد حولا ; لأنه ترجح باعتبار التفرع والتولد ; لأنه تبع وحكم التبع لا يقطع عن الأصل .




الخدمات العلمية