الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وعامل ) يعم الساعي والعاشر ( فيعطى ) ولو غنيا لا هاشميا لأنه فرغ نفسه لهذا [ ص: 340 ] العمل فيحتاج إلى الكفاية والغنى لا يمنع من تناولها عند الحاجة كابن السبيل بحر عن البدائع : وبهذا التعليل يقوى ما نسب للواقعات من أن طالب العلم يجوز له أخذ الزكاة ولو غنيا إذا فرغ نفسه لإفادة العلم واستفادته لعجزه عن الكسب والحاجة داعية إلى ما لا بد منه كذا ذكره المصنف ( بقدر عمله ) [ ص: 341 ] ما يكفيه وأعوانه بالوسط لكن لا يزاد على نصف ما يقبضه .

التالي السابق


( قوله : يعم الساعي ) هو من يسعى في القبائل لجمع صدقة السوائم والعاشر من نصبه الإمام على الطرق ليأخذ العشر ونحوه من المارة ( قوله : لأنه فرغ نفسه ) أي فهو يستحقه عمالة ، ألا ترى أن [ ص: 340 ] أصحاب الأموال لو حملوا الزكاة إلى الإمام لا يستحق شيئا ولو هلك ما جمعه من الزكاة لم يستحق شيئا كالمضارب إذا هلك مال المضاربة إلا أن فيه شبهة الصدق بدليل سقوط الزكاة عن أرباب الأموال فلا تحل للعامل الهاشمي تنزيها لقرابة النبي صلى الله عليه وسلم عن شبهة الوسخ ، وتحل للغني ; لأنه لا يوازي الهاشمي في استحقاق الكرامة فلا تعتبر الشبهة في حقه زيلعي على أن منع العامل الهاشمي من الأخذ صريح في السنة كما بسطه في الفتح . قال في النهر : وفي النهاية استعمل الهاشمي على الصدقة فأجري له منها رزق لا ينبغي له أخذه ، ولو عمل ورزق من غيرها فلا بأس به قال في البحر : وهذا يفيد صحة توليته وأن أخذه منها مكروه لا حرام ا هـ والمراد كراهة التحريم لقولهم لا يحل لكن ما مر من أن شرائط الساعي أن لا يكون هاشميا يعارضه وهذا الذي ينبغي أن يعول عليه ا هـ ما في النهر .

أقول : الظاهر أن الإشارة في قوله : وهذا إلى ما ذكره هنا من صحة توليته . ووجهه أن ما ذكروه هنا صريح في عدم حل الأخذ مما جمعه من الصدقة لا من غيره فلا دليل حينئذ على صحة توليته عاملا إذا رزق من غيرها وقدمنا أن اشتراط أن لا يكون هاشميا نقله في البحر عن الغاية ، ولم أره لغيره على أنه في الغاية علل ذلك بقوله لما فيه من شبهة الزكاة كما عللوا به هنا ، فعلم أن ذلك شرط لحل الأخذ من الصدقة لا لصحة التولية فلا يعارض ما هنا كما قدمناه هناك ، والله تعالى أعلم ( قوله : فيحتاج إلى الكفاية ) لكن لا يزاد على نصف ما قبضه كما يأتي ، ولا يستحق لو هلك ما جمعه ; لأن ما يستحقه منه أجرة عمالته من وجه كما مر قال في المعراج ; لأن عمالته في معنى الأجرة وأنه يتعلق بالمحل الذي عمل فيه فإذا هلك سقط حقه كالمضارب ا هـ .

قلت : وهذا مفاد التفريغ على قوله ; لأنه فرغ نفسه لهذا العمل فإنه يفيد أن ما يأخذه ليس صدقة من كل وجه بل في مقابلة عمله فلا ينافي ما مر من أن له شبهين فافهم ( قوله : ما نسب للواقعات ) ذكر المصنف أنه رآه بخط ثقة معزيا إليها .

قلت : ورأيته في جامع الفتاوى ونصه وفي المبسوط : لا يجوز دفع الزكاة إلى من يملك نصابا إلا إلى طالب العلم والغازي ومنقطع الحج لقوله عليه الصلاة والسلام { يجوز دفع الزكاة لطالب العلم وإن كان له نفقة أربعين سنة } . ا هـ . ( قوله : من أن طالب العلم ) أي الشرعي ( قوله : إذا فرغ نفسه ) أي عن الاكتساب قال ط : المراد أنه لا تعلق له بغير ذلك فنحو البطالات المعلومة وما يجلب له النشاط من مذهبات الهموم لا ينافي التفرغ بل هو سعي في أسباب التحصيل ( قوله واستفادته ) لعل الواو بمعنى أو المانعة الخلو ط ( قوله : لعجزه ) علة لجواز الأخذ ط ( قوله : والحاجة داعية إلخ ) الواو للحال .

والمعنى أن الإنسان يحتاج إلى أشياء لا غنى عنها فحينئذ إذا لم يجز له قبول للزكاة مع عدم اكتسابه أنفق ما عنده ومكث محتاجا فينقطع عن الإفادة والاستفادة فيضعف الدين لعدم من يتحمله وهذا الفرع مخالف لإطلاقهم الحرمة في الغنى ولم يعتمده أحد ط . قلت : وهو كذلك . والأوجه تقييد بالفقير ، ويكون طلب العلم مرخصا لجواز سؤاله من الزكاة وغيرها وإن كان قادرا على الكسب إذ بدونه لا يحل له السؤال كما سيأتي . ومذهب الشافعية والحنابلة أن القدرة على [ ص: 341 ] الاكتساب تمنع الفقر فلا يحل له الأخذ فضلا عن السؤال إلا إذا اشتغل عنه بالعلم الشرعي ( قوله : ما يكفيه وأعوانه ) بيان لقوله بقدر عمله ، وقدمنا أنه يعطي ما لم يهلك المال وإلا بطلت عمالته ، ولا يعطى من بيت المال شيئا كما في البحر .

وفي البزازية أخذ عمالته قبل الوجوب أو القاضي رزقه قبل المدة جاز ، والأفضل عدم التعجيل لاحتمال أن لا يعيش إلى المدة ا هـ .

قال في النهر : ولم أر ما لو هلك المال في يده وقد تعجل عمالته والظاهر أنه لا يسترد ( قوله : بالوسط ) فيحرم أن يتبع شهوته في المأكل والمشرب ; لأنه إسراف محض ، وعلى الإمام أن يبعث من يرضى بالوسط بحر ( قوله : لكن إلخ ) أي لو استغرقت كفايته الزكاة لا يزاد على النصف ; لأن التنصيف عين الإنصاف بحر .




الخدمات العلمية