الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وخطب الإمام ) أولى خطب الحج الثلاث ( سابع ذي الحجة بعد الزوال و ) بعد ( صلاة الظهر ) [ ص: 503 ] وكره قبله ( وعلم فيها المناسك فإذا صلى بمكة الفجر ) يوم التروية ( ثامن الشهر خرج إلى منى ) قرية من الحرم على فرسخ من مكة ( ومكث بها إلى فجر عرفة ثم ) بعد طلوع الشمس ( راح إلى عرفات ) على طريق ضب ( و ) عرفات ( كلها موقف إلا بطن عرنة ) بفتح الراء وضمها واد من الحرم غربي مسجد عرفة ( فبعد الزوال قبل ) صلاة ( الظهر خطب الإمام ) في المسجد [ ص: 504 ] ( خطبتين كالجمعة وعلم فيها المناسك و ) بعد الخطبة ( صلى بهم الظهر والعصر بأذان وإقامتين ) وقراءة سرية ، ولم يصل بينهما شيئا على المذهب ولا بعد أداء العصر في وقت الظهر .

التالي السابق


( قوله أولى خطب الحج الثلاث ) ثانيها بعرفة قبل الجمع بين الصلاتين ثالثها بمنى في اليوم الحادي عشر ، فيفصل بين كل خطبة بيوم وكلها خطبة واحدة بلا جلسة في وسطها [ ص: 503 ] إلا خطبة يوم عرفة وكلها بعدما صلى الظهر إلا بعرفة ، وكلها سنة لباب ولم يذكر المصنف ولا الشارح الخطبة الثالثة في موضعها ( قوله وكره قبله ) أي قبل الزوال سراج .

مطلب في الرواح إلى عرفات

( قوله وعلم فيها المناسك ) أي التي يحتاج إليها يوم عرفة من كيفية الإحرام والخروج إلى منى والمبيت بها والرواح منها إلى عرفة والصلاة بها والوقوف فيها والإفاضة منها وغير ذلك ، أو جميع ما يحتاج إليه الحاج إلى تمام حجه وإن كان بعدها خطب لأن التأكيد خير ( قوله فإذا صلى بمكة الفجر إلخ ) كذا في الهداية وقال الكمال ظاهر هذا الترتيب إعقاب صلاة الفجر بالخروج إلى منى وهو خلاف السنة واستحسن في المحيط كونه بعد الزوال ، وليس بشيء وقال المرغيناني بعد طلوع الشمس وهو الصحيح ( قوله يوم التروية ) سمي به لأنهم كانوا يروون إبلهم فيه استعدادا للوقوف يوم عرفة إذ لم يكن في عرفات ماء جار كزماننا شرح اللباب .

[ فائدة ]

في مناسك النووي يوم التروية : هو الثامن واليوم التاسع عرفة والعاشر النحر ، والحادي عشر القر بفتح القاف وتشديد الراء لأنهم يقرون فيه بمنى ، والثاني عشر يوم النفر الأول ، والثالث عشر النفر الثاني ( قوله ومكث بها إلى فجر عرفة ) أفاد طلب المبيت بها فإنه سنة كما في المحيط ، وفي المبسوط : يستحب أن يصلي الظهر يوم التروية بمنى ويقيم بها إلى صبيحة عرفة ا هـ ويصلي الفجر بها لوقتها المختار ، وهو زمان الإسفار ، وفي الخانية بغلس ، فكأنه قاسه على فجر مزدلفة والأكثر على الأول فهو الأفضل شرح اللباب .

وفي مناسك النووي : وأما ما يفعله الناس في هذه الأزمان من دخولهم أرض عرفات في اليوم الثامن فخطأ مخالف للسنة ، ويفوتهم بسببه سنن كثيرة منها الصلوات بمنى والمبيت بها ، والتوجه منها إلى نمرة والنزول بها والخطبة والصلاة قبل دخول عرفات وغير ذلك ا هـ وقوله : والتوجه منها إلى نمرة والنزول بها فيه عندنا كلام يأتي قريبا ( قوله ثم بعد طلوع الشمس ) لما كانت عبارة المصنف موهمة كعبارة الكنز خلاف المراد قيدها بذلك تبعا للفتح وغيره من شروح الهداية ، قال في غاية البيان صرح به في شرح الطحاوي وشرح الكرخي والإيضاح وغيرها قال في الإيضاح وإذا طلعت الشمس يوم عرفة خرج إلى عرفات لأنه عليه الصلاة والسلام فعل كذلك ثم قال وإن دفع قبله جاز والأول أولى ا هـ ومثله في السراج فافهم ( قوله راح إلى عرفات ) قال في المعراج وينزل بعرفات في أي موضع شاء إلا الطريق وقرب جبل الرحمة أفضل وقال الأئمة الثلاثة في نمرة أفضل لنزوله عليه الصلاة والسلام فيه قلنا نمرة من عرفة ونزوله عليه الصلاة والسلام فيه لم يكن عن قصد ا هـ وهذا مخالف لما في الفتح من أن السنة أن ينزل الإمام بنمرة ولما نقلوه عن الإمام رشيد الدين من أنه ينبغي أن لا يدخل عرفة حتى ينزل بنمرة قريبا من المسجد إلى زوال الشمس ، ووفق في شرح اللباب بأن هذا بالنسبة إلى الإمام لا غيره أو بأن النزول أولا بنمرة ثم بقرب جبل الرحمة تأمل .

( قوله على طريق ضب ) بفتح الضاد المعجمة وتشديد الموحدة ، وهو اسم للجبل الذي يلي مسجد الخيف شرح اللباب ( قوله كلها موقف ) بكسر القاف أي موضع وقوف نهر ( قوله إلا بطن عرنة ) فلا يصح الوقوف بها على المشهور كما سيأتي ( قوله بفتح الراء ) أي مع ضم العين كهمزة قاموس ( قوله فبعد الزوال خطب إلخ ) أي فإذا وصل إلى [ ص: 504 ] عرفة ومكث بها داعيا مصليا ذاكرا ملبيا ، فإذا زالت الشمس اغتسل أو توضأ والغسل أفضل ، ثم سار إلى المسجد أي مسجد نمرة بلا تأخير ، فإذا بلغه صعد الإمام الأعظم أو نائبه المنبر ، ويجلس عليه ويؤذن المؤذن بين يديه ، فإذا فرغ قام الإمام فخطب خطبتين ، فيحمد الله تعالى ، ويثني عليه ، ويلبي ، ويهلل ويكبر ، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويعظ الناس ، ويأمرهم وينهاهم ويعلمهم المناسك كالوقوف بعرفة والمزدلفة والجمع بهما والرمي والذبح والحلق والطواف ، وسائر المناسك التي إلى الخطبة الثالثة ، ثم يدعو الله تعالى ، وينزل لباب ، فإن ترك الخطبة أو خطب قبل الزوال أجزأه وقد أساء جوهرة وقول الزيلعي جاز أي صح مع الكراهة شرنبلالية .

( قوله وبعد الخطبة صلى بهم ) ظاهره عدم تأخير الصلاة ، وهو صريح قول البدائع ، فإذا زالت الشمس صعد الإمام المنبر ، فإذا فرغ من الخطبة أقام المؤذنون ويصلي الإمام إلخ ونحوه في اللباب وفي البحر عن المعراج : أنه يؤخر هذا الجمع آخر وقت الظهر ونحوه في شرح قاضي خان على الجامع الصغير قال في شرح اللباب : وفيه أنه يلزم منه تأخير الوقوف ، وينافي حديث جابر رضي الله تعالى عنه حتى إذا زاغت الشمس ، فإن ظاهره أن الخطبة كانت في أول الزوال فلا تقع الصلاة في آخره ( قوله بأذان ) أي واحد لأنه للإعلام بدخول الوقت ، وهو واحد وقوله : وإقامتين أي يقيم للظهر ثم يصليها ثم يقيم للعصر لأن الإقامة لبيان الشروع في الصلاة ( قوله وقراءة سرية ) لأنهما صلاتا نهار كسائر الأيام سراج ( قوله ولم يصل بينهما شيئا ) أي ولا السنة الراتبة قال في اللباب : وإن أخر الإمام صلاة العصر لا يكره للمأموم التطوع بينهما إلى أن يدخل الإمام في العصر ( قوله على المذهب ) وهو ظاهر الرواية شرنبلالية ، وهو الصحيح فلو فعل كره وأعاد الأذان للعصر لانقطاع فوره فصار كالاشتغال بينهما بفعل آخر بحر : أي كأكل وشرب فإنه يعيد الأذان سراج وما في الذخيرة والمحيط والكافي من استثناء سنة الظهر فخلاف الحديث وإطلاق المشايخ فتح .

[ تنبيه ]

أخذ من العلامة السيد محمد صادق بن أحمد بادشاه أنه يترك تكبير التشريق هنا ، وفي المزدلفة بين المغرب والعشاء لمراعاة الفورية الواردة في الحديث ، كما نقله عنه الكازروني في فتاواه .

قلت : وفيه نظر فإن الوارد في الحديث { أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئا } ففيه التصريح بترك الصلاة بينهما ولا يلزم منه ترك التكبير ولا يقاس على الصلاة لوجوبه دونها ولأن مدته يسيرة حتى لم يعد فاصلا بين الفريضة والراتبة .

والحاصل : أن التكبير بعد ثبوت وجوبه عندنا لا يسقط هنا إلا بدليل وما ذكر لا يصلح للدلالة كما علمته هذا ما ظهر لي والله تعالى أعلم ( قوله ولا بعد أداء العصر في وقت الظهر ) سقطت هذه الجملة من بعض النسخ وعزاها في الشرنبلالية إلى شرح الوهبانية لابن الشحنة .




الخدمات العلمية