الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ثم أتى منى ) [ ص: 520 ] فيبيت بها للرمي ( وبعد الزوال ثاني النحر رمى الجمار الثلاث يبدأ ) استنانا ( بما يلي مسجد الخيف ثم بما يليه ) الوسطى ( ثم بالعقبة سبعا سبعا ووقف ) حامدا مهللا مكبرا مصليا قدر قراءة البقرة ( بعد تمام كل رمي بعده رمي فقط ) [ ص: 521 ] فلا يقف بعد الثالثة و ( لا بعد رمي يوم النحر ) لأنه ليس بعده رمي ( ودعا ) لنفسه وغيره رافعا كفيه نحو السماء أو القبلة ( ثم ) رمى ( غدا كذلك ثم بعده كذلك إن مكث وهو أحب وإن قدم الرمي فيه ) أي في اليوم الرابع ( على الزوال جاز ) فإن وقت الرمي فيه من الفجر للغروب ، وأما في الثاني والثالث فمن الزوال لطلوع ذكاء

التالي السابق


( قوله ثم أتى منى ) أي بعد ما صلى ركعتي الطواف وكان ينبغي التصريح به كما فعل صاحب الهداية وابن الكمال شرنبلالية .

. [ تنبيه ]

ذكر في اللباب أنه يصلي الظهر بعدما يرجع إلى منى وهو في صحيح مسلم ، لكن في الكتب الستة { أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بمكة } ومال إليه في الفتح وقال في شرح اللباب إنه أظهر نقلا وعقلا وتمامه فيه ، وأما صلاة الجمعة فقال في اللباب : ويجمع بمنى إذا كان فيه أمير مكة أو الحجاز أو الخليفة ، وأما أمير الموسم فليس له ذلك إلا إذا استعمل على مكة . ا هـ . وأما صلاة العيد ففي شرح مناسك الكنز للمرشدي عن المحيط والذخيرة وغيرهما أنه لا يصليها بها بخلاف الجمعة وفي شرح المنية للحلبي أنه لا يصليها بها اتفاقا للاشتغال فيه بأمور الحج ا هـ أي لأن وقت [ ص: 520 ] العيد وقت معظم أفعال الحج ، بخلاف وقت الجمعة ولأن الجمعة لا تقع في ذلك اليوم إلا نادرا بخلاف العيد قال في شرح اللباب : وأراد بالاتفاق الإجماع إذ لا خلاف في المسألة بين علماء الأمة . ا هـ .

مطلب في حكم صلاة العيد والجمعة في منى

وفي شرح الأشباه للبيري من كتاب الصيد أن منى موضع تجوز فيه صلاة العيد إلا أنها سقطت عن الحاج ، ولم نر في ذلك نقلا مع كثرة المراجعة ولا صلاة العيد بمكة يوم الأضحى لأنا ومن أدركناه من المشايخ لم نصلها بمكة والله تعالى أعلم ما السبب في ذلك . ا هـ .

قلت : أما عدم صلاتها بمنى فقد علمت نقله وأما بمكة فلعل سببه أن من له إقامة العيد يكون بمنى حاجا والله تعالى أعلم ( قوله فيبيت بها للرمي ) أي ليالي أيام الرمي هو السنة فلو بات بغيرها كره ولا يلزمه شيء لباب ( قوله وبعد زوال ثاني النحر ) قال في اللباب : ثم إذا كان اليوم الحادي عشر وهو ثاني أيام النحر خطب الإمام خطبة واحدة بعد الظهر لا يجلس فيها كخطبة اليوم السابع يعلم الناس أحكام الرمي وما بقي من أمور المناسك وهذه الخطبة سنة وتركها غفلة عظيمة . ا هـ .

. مطلب في رمي الجمرات الثلاث

( قوله يبدأ استنانا إلخ ) حاصله أن هذا الترتيب مسنون لا متعين وبه صرح في المجمع وغيره ، واختاره في الفتح . وقال في اللباب : والأكثر على أنه سنة وعزاه شارحه إلى البدائع والكرماني والمحيط والسراجية ، ونقل في البحر كلام المحيط ثم قال : وهو صريح في الخلاف وفي اختيار السنية ا هـ وكذا اختاره أصحاب المتون في مسائل منثورة آخر الحج كما سيأتي ، وما في النهر من أن صريح ما في المحيط اختيار التعيين فيه نظر ، بل جعل التعيين رواية عن محمد فتدبر ، قال في اللباب : فلو بدأ بجمرة العقبة ثم بالوسطى ثم بالأولى ، ثم تذكر ذلك في يومه فإنه يعيد الوسطى والعقبة حتما أو سنة وكذا لو ترك الأولى ورمى الآخرتين فإنه يرمي الأولى ويستقبل الباقي ، ولو رمى كل جمرة بثلاث أتم الأولى بأربع ثم أعاد الوسطى بسبع ثم القصوى بسبع ، وإن رمى كل واحدة بأربع أتم كل واحدة بثلاث ثلاث ولا يعيد ا هـ أي لأن للأكثر حكم الكل فكأنه رمى الثانية والثالثة بعد الأولى ( قوله بما يلي مسجد الخيف ) وحدها من باب مسجد الخيف الكبير إليها بذراع الحديد عدد ( 1254 ) وسدس ذراع ومنها ، إلى الجمرة الوسطى عدد ( 875 ) ، ومن الوسطى إلى جمرة العقبة عدد ( 208 ) كما نقله القسطلاني في شرح البخاري عن القرافي المالكي ونحوه في كتب الشافعية فما في القهستاني سبق قلم فافهم .

( قوله الوسطى ) بدل من ما ح ( قوله ويكبر بكل حصاة ) أي قائلا باسم الله الله أكبر كما مر ( قوله قدر قراءة البقرة ) زاد في اللباب أو ثلاثة أحزاب : أي ثلاثة أرباع من الجزء أو عشرين آية قال شارحه : وهو أقل المواقيت واختاره صاحب الحاوي والمضمرات ( قوله بعد تمام كل رمي ) [ ص: 521 ] لا عند كل حصاة لباب ( قوله فلا يقف بعد الثالثة ) أي جمرة العقبة لأنها ليس بعدها رمي في كل يوم قال في اللباب والوقوف عند الأوليين سنة في الأيام كلها وقوله : ولا بعد رمي يوم النحر أتى فيه بالواو عطفا على ما ذكره في التفريع إشارة إلى ما في عبارة المتن من القصور ( قوله ودعا ) عطف على قوله ووقف حامدا ( قوله نحو السماء أو القبلة ) حكاية لقولين قال في شرح اللباب : يرفع يديه حذو منكبيه ، ويجعل باطن كفيه نحو القبلة في ظاهر الرواية ، وعن أبي يوسف نحو السماء واختاره قاضي خان وغيره والظاهر الأول . ا هـ . ( قوله ثم رمى غدا ) أي في اليوم الثالث من أيام النحر ، وهو الملقب بيوم النفر الأول ، فإنه يجوز له أن ينفر فيه بعد الرمي ، واليوم الرابع آخر أيام التشريق يسمى يوم النفر الثاني فتح ( قوله كذلك ) أي مثل الرمي في اليوم الذي قبله بمراعاة جميع ما ذكر فيه .

( قوله إن مكث ) قيد في قوله ثم بعده كذلك فقط لا في قوله : ثم غدا كذلك أيضا . ا هـ . ح قال في النهر : أي إن مكث إلى طلوع فجر الرابع في الظاهر ، عن الإمام وعنه إلى الغروب من اليوم الثالث ( قوله وهو أحب ) اقتداء به لقوله تعالى - { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه } - الآية فالتخيير بين الفاضل والأفضل كالمسافر في رمضان حيث خير بين الصوم والإفطار والأول أفضل إن لم يضره اتفاقا نهر ( قوله جاز ) أي صح عند الإمام استحسانا مع الكراهة التنزيهية ، وقال لا يصح اعتبارا بسائر الأيام نهر ( قوله فإن وقت الرمي فيه ) أي في اليوم الرابع من الفجر للغروب أي غروب شمسه ، ولا يتبعه ما بعده من الليل ، بخلاف ما قبله من الأيام والمراد وقت جوازه في الجملة ، فإن ما قبل الزوال وقت مكروه ، وما بعده مسنون ; وبغروب الشمس من هذا اليوم يفوت وقت الأداء والقضاء اتفاقا شرح اللباب ( قوله فمن الزوال لطلوع ذكاء ) أي إلى طلوع الشمس من اليوم الرابع ، والمراد أنه وقت الجواز في الجملة قال في اللباب : وقت رمي الجمار الثلاث في اليوم الثاني والثالث من أيام النحر بعد الزوال ، فلا يجوز قبله في المشهور . وقيل يجوز .

والوقت المسنون فيهما يمتد من الزوال إلى غروب الشمس ، ومن الغروب إلى الطلوع وقت مكروه ، وإذا طلع الفجر : أي فجر الرابع فقد فات وقت الأداء وبقي وقت القضاء إلى آخر أيام التشريق ، فلو أخره عن وقته أي المعين له في كل يوم فعليه القضاء والجزاء ، ويفوت وقت القضاء بغروب الشمس في الرابع ا هـ : ثم قال : ولو لم يرم يوم النحر أو الثاني أو الثالث رماه في الليلة المقبلة أي الآتية لكل من الأيام الماضية ، ولا شيء عليه سوى الإساءة ما لم يكن بعذر ، ولو رمى ليلة الحادي عشر أو غيرها من غدها لم يصح لأن الليالي في الحج في حكم الأيام الماضية لا المستقبلة ، ولو لم يرم في الليل رماه في النهار قضاء وعليه الكفارة ، ولو أخر رمي الأيام كلها إلى الرابع مثلا قضاها كلها فيه وعليه الجزاء ، وإن لم يقض حتى غربت الشمس منه فات وقت القضاء ، وليست هذه الليلة تابعة لما قبلها ا هـ .

والحاصل أنه لو أخر الرمي في غير اليوم الرابع يرمي في الليلة التي تلي ذلك اليوم الذي أخر رميه وكان أداء لأنها تابعة له ، وكره لتركه السنة ، وإن أخره إلى اليوم الثاني كان قضاء ولزمه الجزاء ، وكذا لو أخر الكل إلى الرابع ما لم تغرب شمسه ، فلو غربت سقط الرمي ولزمه دم ، وقد ظهر بما قررناه أن ما ذكره الشارح تبعا للبحر [ ص: 522 ] وغيره من أن انتهاءه إلى طلوع الشمس ليس بيانا لوقت الأداء فقط ، بل يشمل وقت القضاء لأن ما بعد فجر الرابع وقت لرمي الرابع أداء ، ولرمي غيره من الأيام الثلاثة قضاء فافهم .




الخدمات العلمية