الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( أو أفاض من عرفة ) ولو بند بعيره ( قبل الإمام ) والغروب ، ويسقط الدم بالعود ولو بعده في الأصح غاية ( أو ترك أقل سبع الفرض ) يعني ولم يطف غيره ، حتى لو طاف للصدر انتقل إلى الفرض ما يكمله ، ثم إن بقي أقل الصدر فصدقة وإلا فدم [ ص: 553 ] ( وبترك أكثره بقي محرما ) أبدا في حق النساء ( حتى يطوف ) فكلما جامع لزمه دم إذا تعدد المجلس إلا أن يقصد الرفض فتح

التالي السابق


( قوله أو أفاض من عرفة إلخ ) بأن جاوز حدودها قبل الغروب وإلا فلا شيء عليه كما في اللباب ( قوله ولو بند بعيره ) الند بفتح النون وتشديد الدال المهملة : الهروب ح .

قال في اللباب : ولو ند به بعيره فأخرجه من عرفة قبل الغروب لزمه دم ، وكذا لو ند بعيره فتبعه لأخذه ا هـ . قال شارحه القاري : وفيه أن ترك الواجب لعذر مسقط للدم . ا هـ . وأجيب بأنه يمكنه التدارك بالعود ، وهو مسقط للدم .

قلت : الأحسن الجواب بما قدمناه أول الباب من أن المراد بالعذر المسقط للدم ما لا يكون من قبل العباد وسيأتي توضيحه في الإحصار ( قوله والغروب ) قصد بهذا العطف بيان أن مرادهم بالإمام الغروب لما بينهما من الملابسة ، فإن الإمام لما كان الواجب عليه النفر بعد الغروب كان النفر معه نفرا بعد الغروب ، وإلا فلو غربت فنفروا ولم ينفر الإمام لا شيء عليهم ، ولو نفر الإمام قبل الغروب فتابعوه كان عليه وعليهم الدم ، وذلك لأن الوقوف في جزء من الليل واجب فبتركه يلزم الدم كما في البحر ح ( قوله ولو بعده في الأصح ) إذا عاد بعده فظاهر الرواية عدم السقوط . وصحح القدوري رواية ابن شجاع عن الإمام أنه يسقط . وأفاد أنه لو عاد قبل الغروب يسقط الدم على الأصح بالأولى كما في البحر فافهم . وفي شرح النقاية للقاري أن الجمهور على أن ظاهر الرواية هو الأصح ، ولو عاد قبل الغروب فالأظهر عدم السقوط لأن استدامة الوقوف إلى الغروب واجب فيفوت بفوت البعض . ا هـ .

قلت : وذكر ابن الكمال في شرحه على الهداية ما حاصله أن الشراح هنا أخطئوا في نقل الرواية ، لما في البدائع أنه لو عاد قبل الغروب وقبل نفر الإمام سقط عندنا خلافا لزفر ، وإن عاد قبل الغروب بعدما خرج الإمام من عرفة روى ابن شجاع عن الإمام أنه يسقط واعتمده القدوري . وذكر في الأصل عدمه ، ولو عاد بعد الغروب لا يسقط بلا خلاف لتقرر الواجب فلا يحتمل السقوط بالعود . ا هـ . ( قوله سبع الفرض ) بفتح السين ، والفرض بمعنى المفروض صفة لمحذوف : أي الطواف الفرض ، أو على تقدير مضاف : أي طواف الفرض ، لقول الوقاية أو أخر طواف الفرض أو ترك أقله ، وعلى كل فإضافة سبع على معنى اللام ، ولا يصح جعلها بيانية على معنى سبع هي الفرض لأن الفرض في أشواط الطواف أكثر السبع لا كلها وإن قال المحقق ابن الهمام إن الذي يدين الله تعالى به أن لا يجزئ أقل من السبع ولا يجبر بعضه بشيء فإنه من أبحاثه المخالفة لأهل المذهب قاطبة كما في البحر . وقد قال تلميذه العلامة قاسم إن أبحاثه المخالفة للمذهب لا تعتبر فافهم ( قوله حتى لو طاف للصدر ) أي مثلا لأن أي طواف حصل بعد الوقوف كان للفرض كما قدمناه شرنبلالية ، وأفاد ذلك بقوله يعني ولم يطف غيره .

( قوله ثم إن بقي أقل الصدر ) أي إن بقي عليه أقل أشواط الصدر وهو قدر ما انتقل منه إلى الركن ، بأن ترك من الفرض ثلاثة [ ص: 553 ] أشواط وطاف للصدر سبعة فإنه ينتقل منها ثلاثة لطواف الفرض وتبقى هذه الثلاثة عليه من طواف الصدر فيلزمه لها صدقة ، أما لو كان طاف للصدر ستة وانتقل منها ثلاثة يبقى عليه أكثر الصدر وهو أربعة فيلزمه لها دم ، ثم هذا إن لم يكن أخر طواف الصدر إلى آخر أيام التشريق وإلا لزمه مع الصدقة أو الدم صدقة أخرى لتأخير أقل الفرض عند الإمام لكل شوط نصف صاع من بر ، خلافا لهما كما في البحر . ومثله في التتارخانية والقهستاني واللباب ، لكن في الشرنبلالية عن الفتح وإن كان ترك أقله : أي أقل طواف الفرض لزمه للتأخير دم وصدقة للمتروك من الصدر ا هـ فأوجب دما لتأخير الأقل كما ترى فتأمل ( قوله بقي محرما ) فإن رجع إلى أهله فعليه حتما أن يعود بذلك الإحرام ، ولا يجزئ عنه البدل لباب .

( قوله في حق النساء ) لأنه بالحلق حل له ما سواهن حتى يطوف ( قوله لزمه دم ) أي شاة أو بدنة على ما سيأتي ( قوله إلا أن يقصد الرفض ) أي فلا يلزمه بالثاني شيء وإن تعدد المجلس مع أن نية الرفض باطلة لأنه لا يخرج عنه إلا بالأعمال ، لكن لما كانت المحظورات مستندة إلى قصد واحد وهو تعجيل الإحلال كانت متحدة فكفاه دم واحد بحر

قال في اللباب : واعلم أن المحرم إذا نوى رفض الإحرام فجعل يصنع ما يصنعه الحلال من لبس الثياب والتطيب والحلق والجماع وقتل الصيد فإنه لا يخرج بذلك من الإحرام ، وعليه أن يعود كما كان محرما ، ويجب دم واحد لجميع ما ارتكب ولو كل المحظورات ، وإنما يتعدد الجزاء بتعدد الجنايات إذا لم ينو الرفض ، ثم نية الرفض إنما تعتبر ممن زعم أنه خرج منه بهذا القصد لجهله مسألة عدم الخروج ، وأما من علم أنه لا يخرج منه بهذا القصد فإنها لا تعتبر منه . ا هـ .

قلت : وما ذكر من أن نية الرفض باطلة وأنه لا يخرج من الإحرام إلا بالأفعال محمول على ما إذا لم يكن مأمورا بالرفض كما سنذكره آخر الجنايات ، ومن المأمور بالرفض المحصر بمرض أو عدو لأنه بذبح الهدي يحل ويرتفض إحرامه على ما سيأتي في بابه وسنذكر هناك أيضا أن كل من منع عن المضي في موجب الإحرام لحق العبد فإنه يتحلل بغير الهدي كالمرأة والعبد لو أحرما بلا إذن الزوج والمولى ، فإن لهما أن يحللاهما في الحال بلا ذبح .

وبما قررناه اندفع ما في الشرنبلالية حيث زعم المنافاة بين ما مر من أنه لا يخرج عن الإحرام إلا بالأفعال وبين مسألة تحليل المولى أمته بنحو قص ظفر أو جماع .




الخدمات العلمية