الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  300 11 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، قال : أخبرنا مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة أنها قالت : قالت فاطمة بنت أبي حبيش لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله إني لا أطهر ، أفأدع الصلاة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما ذلك عرق وليس بالحيضة ، فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة ، فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة .

                                                                                                                                                                                  لأنه في حكم الاستحاضة ، ومر هذا الحديث في باب غسل الدم ، وصرح فيه بالاستحاضة ، وذلك في رواية أبي معاوية ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله إني امرأة أستحاض ، فلا أطهر ، أفأدع الصلاة ؟ الحديث .

                                                                                                                                                                                  رجاله قد تقدموا مرارا .

                                                                                                                                                                                  وفيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد ، والإخبار كذلك .

                                                                                                                                                                                  وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع ، وهشام بن عروة بن الزبير ، وحبيش بضم الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة ، وسكون الياء آخر الحروف ، وفي آخره شين معجمة ، وقد مر الكلام فيه مستوفى في باب غسل الدم ، ونذكر هاهنا غير ما ذكرنا هناك .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( وصلي ) ، أي : بعد الاغتسال كما سيأتي التصريح به في باب إذا حاضت في شهر ثلاث حيض ، وفي لفظ : فدعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ، وفي رواية ابن منده من جهة مالك : دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ، ثم اغتسلي وصلي ، وفي لفظ : ثم توضئي لكل صلاة ، وفي لفظ : تغتسلي الغسل الأول ، ثم تتوضئي لكل صلاة . وعند أبي داود من حديث عائشة أن أم حبيبة بنت جحش استحيضت سبع سنين ، فاستفتت النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن هذه ليست بالحيضة ، ولكن هذا عرق فاغتسلي وصلي ، وكانت تغتسل في مركن في حجرة أختها زينب بنت جحش حتى تعلو حمرة الدم على الماء . وعنده أيضا من حديث عائشة أن سهلة بنت سهيل استحيضت فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تغتسل عند كل صلاة ، فلما جهدها ذلك أمرها أن تجمع بين الظهر والعصر بغسل ، والمغرب والعشاء بغسل ، وتغتسل للصبح ، وعنده من حديث عائشة أيضا قالت : استحيضت امرأة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمرت أن تعجل العصر وتؤخر الظهر وتغتسل لهما غسلا ، وأن تؤخر المغرب وتعجل العشاء ، وتغتسل لهما غسلا ، وتغتسل لصلاة الصبح ، وعنده من حديث عائشة في المستحاضة : تغتسل مرة واحدة ، ثم تتوضأ إلى [ ص: 277 ] أيام أقرائها ، وفي لفظ : فاجتنبي الصلاة إثر محيضك ، ثم اغتسلي ، وتوضئي لكل صلاة ، وإن قطر الدم على الحصير ، وعند أبي عوانة الإسفرائني : فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم ، وعند الترمذي مصححا : توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت . وعند الإسماعيلي : فإذا أقبلت الحيضة فلتدع الصلاة ، وإذا أدبرت فلتغتسل ، ولتتوضأ لكل صلاة ، وعند الطحاوي مرفوعا : فاغتسلي لطهرك ، وتوضئي عند كل صلاة ، وعند الدارمي : فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم ، وتوضئي وصلي . قال هشام : وكان أبي يقول : تغتسل غسل الأول ، ثم ما يكون بعد ذلك فإنها تطهر ، وتصلي ، وعند أحمد : اغتسلي ، وتوضئي لكل صلاة ، وصلي . وقال الشافعي : ذكر الوضوء عندنا غير محفوظ ، ولو كان محفوظا لكان أحب إلينا من القياس . وفي التمهيد رواه أبو حنيفة ، عن هشام مرفوعا كرواية يحيى ، عن هشام سواء قال فيه : وتوضئي لكل صلاة ، وكذلك رواه حماد بن سلمة ، عن هشام مثله ، وحماد في هشام ثقة ثبت .

                                                                                                                                                                                  واعلم أن وطء المستحاضة جائز في حال جريان الدم عند جمهور العلماء ، حكاه ابن المنذر ، وعن ابن عباس ، وابن المسيب ، والحسن ، وعطاء ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، وحماد بن أبي سليمان ، وبكر المزني ، والأوزاعي ، والثوري ، ومالك وإسحاق وأبي ثور وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي تعلقا بما في كتاب أبي داود بسند جيد أن حمنة كانت مستحاضة ، وكان زوجها يأتيها ، قال ابن المنذر : وروينا ، عن عائشة أنها قالت : لا يأتيها زوجها ، وبه قال النخعي ، والحكم ، وسليمان بن يسار ، والزهري ، والشعبي ، وابن علية ، وكرهه ابن سيرين . وقال أحمد : لا يأتيها إلا أن يطول ذلك بها ، وفي رواية لا يجوز وطؤها إلا أن يخاف زوجها العنت ، وعن منصور : تصوم ، ولا يأتيها زوجها ، ولا تمس المصحف ، وتصلي ما شاءت من الفرائض ، والنوافل .

                                                                                                                                                                                  وفي وجه للشافعية لا تستبيح النافلة أصلا ، ومذهب الشافعي أنها لا تصلي بطهارة واحدة أكثر من فريضة واحدة مؤداة أو مقضية ، وحكي ذلك ، عن عروة ، والثوري ، وأحمد ، وأبي ثور . وقال أبو حنيفة : طهارتها مقدرة في الوقت ، فتصلي في الوقت بطهارتها الواحدة ما شاءت . وقال مالك وربيعة وأبو داود : دم الاستحاضة لا ينقض الوضوء ، فإذا طهرت فلها أن تصلي بطهارتها ما شاءت من الفرائض ، والنوافل إلا أن تحدث بغير الاستحاضة ، ويصح ، وضوؤها لفريضة قبل دخول وقتها خلافا للشافعي ، ولا يجب عليها الاغتسال لشيء من الصلاة ، ولا في وقت من الأوقات إلا مرة واحدة إلا في وقت انقطاع حيضها ، وبه قال جمهور العلماء ، وهو مروي عن علي ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وعائشة رضي الله تعالى عنهم ، وهو قول عروة ، وأبي سلمة ، ومالك ، وأبي حنيفة ، وأحمد ، وروي عن ابن عمر وعطاء بن أبي رباح وابن الزبير أنهم قالوا : يجب عليها أن تغتسل لكل صلاة ، وروي أيضا عن علي وابن عباس وعن عائشة أنها قالت : تغتسل كل يوم غسلا واحدا . وعن ابن المسيب والحسن : تغتسل من صلاة الظهر إلى صلاة الظهر .

                                                                                                                                                                                  فائدة كان في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من النساء مستحاضات منهن أم حبيبة بنت جحش ، وسيأتي حديثها وزينب أم المؤمنين وأسماء أخت ميمونة لأمها وفاطمة بنت أبي حبيش ، وحمنة بنت جحش ، ذكرها أبو داود وسهلة بنت سهيل ذكرها أيضا ، وكذا زينب بنت جحش وسودة بنت زمعة ذكرها العلاء بن المسيب ، عن الحكم ، عن أبي جعفر بن محمد بن علي بن حسين وزينب بنت أم سلمة ذكرها الإسماعيلي في جمعه لحديث يحيى بن أبي كثير ، وأسماء بنت مرشد الحارثية ذكرها البيهقي ، وبادية بنت غيلان ذكرها ابن الأثير قلت : هي الثقفية التي قال عنها هيت المخنث تقبل بأربع وتدبر بثمان ، تزوجها عبد الرحمن بن عوف ، وأبوها أسلم وتحته عشرة نسوة .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية