الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  315 26 - حدثنا موسى بن إسماعيل ، قال : حدثنا همام قال : حدثنا قتادة قال : حدثتني معاذة أن امرأة قالت لعائشة : أتجزي إحدانا صلاتها إذا طهرت ، فقالت : أحرورية أنت ، كنا نحيض مع النبي صلى الله عليه وسلم فلا يأمرنا به ، أو قالت : فلا نفعله .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قولها : ( فلا يأمرنا به ) ، أي : بقضاء الصلاة .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) وهم خمسة :

                                                                                                                                                                                  الأول : موسى بن إسماعيل المنقري التبوذكي .

                                                                                                                                                                                  الثاني : همام بالتشديد ابن يحيى بن دينار العدوي ، قال أحمد : همام ثبت في كل المشايخ ، مات سنة ثلاث وستين ومائة .

                                                                                                                                                                                  الثالث : قتادة الأكمه المفسر .

                                                                                                                                                                                  الرابع : معاذة بضم الميم وبالعين المهملة وبالذال المعجمة بنت عبد الله العدوية الثقة الحجة الزاهدة ، روى لها الجماعة ، وكانت تحيي الليل ، ماتت سنة ثلاث وثمانين .

                                                                                                                                                                                  الخامس : عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) : فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع ، وبصيغة الإفراد في موضع واحد .

                                                                                                                                                                                  وفيه تصريح لسماع قتادة عن معاذة ، وهو رد على ما ذكره شعبة وأحمد أنه لم يسمع منها .

                                                                                                                                                                                  وفيه أن رواته كلهم بصريون .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر من أخرجه غيره ) :

                                                                                                                                                                                  هذا الحديث أخرجه الستة مسلم ، عن أبي الربيع الزهراني ، عن حماد بن زيد ، وعن محمد بن المثنى ، عن غندر ، وعن عبد بن حميد ، عن عبد الرزاق ، وأبو داود ، عن موسى بن إسماعيل ، وعن الحسن بن عمرو والترمذي ، عن قتيبة ، عن حماد بن زيد والنسائي ، عن عمر بن زرارة وابن ماجه ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، كلهم أخرجوه في الطهارة والنسائي أخرجه في الصوم ، عن علي بن مسهر .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لغاته ومعناه ) :

                                                                                                                                                                                  قولها : ( أن امرأة ) ، ها هنا مبهمة أبهمها همام ، وبين في روايته عن قتادة أنها هي معاذة الراوية .

                                                                                                                                                                                  وأخرجه الإسماعيلي من طريقه ، وكذا مسلم من طريق عاصم وغيره ، عن معاذة قالت : ( سألت عائشة : ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ؟ فقالت : أحرورية أنت قلت : لست بحرورية ، ولكن أسأل كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة ) ، وفي لفظ آخر : ( قد كانت إحدانا تحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نؤمر بقضاء ) . وفي لفظ آخر : ( قد كنا نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم يحضن ولا يأمرهن أن يجزين ) . قال محمد بن جعفر : يعني يقضين .

                                                                                                                                                                                  قولها : ( أتجزي إحدانا ) ، بفتح التاء المثناة من فوق وكسر الزاي غير مهموز . وحكى بعضهم الهمزة ، ومعناه : أتقضي ، وبه فسروا قوله تعالى : لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقال هذا الشيء يجزي عن كذا ، أي : يقوم مقامه .

                                                                                                                                                                                  قولها : ( صلاتها ) بالنصب على المفعولية ، ويروى : ( أتجزى ) على صيغة المجهول ، وعلى هذا صلاتها بالرفع لأنه مفعول قام مقام الفاعل ومعناه : ( أتكفي المرأة الصلاة الحاضرة ) ، وهي طاهرة ولا تحتاج إلى قضاء عن الفائتة .

                                                                                                                                                                                  قولها : ( أحرورية أنت ) ، جملة من المبتدأ ، وهو أنت والخبر وهو أحرورية ، دخلت عليها همزة الاستفهام الإنكارية ، وفائدة تقدم الخبر الدلالة على الحصر ، أي : أحرورية أنت لا غير ، وهي نسبة إلى حروراء قرية بقرب الكوفة ، وكان أول اجتماع الخوارج فيها . وقال الهروي : تعاقدوا في هذه القرية فنسبوا إليها ، فمعنى كلام عائشة هذا أخارجية أنت ; لأن طائفة من الخوارج يوجبون على الحائض قضاء الصلاة الفائتة في زمن الحيض ، وهو خلاف الإجماع وكبار فرق الحرورية ستة : الأزارقة والصفرية والنجدات والعجاردة والإباضية والثعالبة ، والباقون فروع ، وهم الذين خرجوا على علي رضي الله عنه، ويجمعهم القول بالتبري من عثمان وعلي رضي الله عنهما ، ويقدمون ذلك على كل طاعة ، ولا يصححون المناكحات إلا على ذلك ، وكان خروجهم على عهدعلي رضي الله عنه لما حكم أبو موسى الأشعري وعمرو بن [ ص: 301 ] العاص وأنكروا على علي في ذلك ، وقالوا : شككت في أمر الله ، وحكمت عدوك وطالت خصومتهم ، ثم أصبحوا يوما وقد خرجوا وهم ثمانية آلاف ، وأميرهم ابن الكوا عبد الله فبعث إليهم علي عبد الله بن عباس فناظرهم فرجع منهم ألفان ، وبقي ستة آلاف ، فخرج إليهم علي فقاتلهم ، وكان يشددون في الدين ، ومنه قضاء الصلاة على الحائض ، قالوا : إذا لم يسقط في كتاب الله تعالى عنها على أصلها . وقد قلنا : إن حروراء اسم قرية وهي ممدودة . وقال بعضهم : بالقصر أيضا ، حكاه أبو عبيد ، وزعم أبو القاسم الغوراني أن حروراء هذه موضع بالشام .

                                                                                                                                                                                  وفيه نظر ; لأن عليا رضي الله تعالى عنه إنما كان بالكوفة ، وقتاله لهم إنما كان هناك ، ولم يأت أنه قاتلهم بالشام ; لأن الشام لم يكن في طاعة علي رضي الله تعالى عنه ، وعلى ذلك أطبق المؤرخون . وقال المبرد : النسبة إلى حروراء حروراو ، وكذلك كل ما كان في آخره ألف التأنيث الممدودة ، ولكنه نسب إلى البلد بحذف الزوائد ; فقيل : الحروري .

                                                                                                                                                                                  قولها : ( مع النبي صلى الله عليه وسلم ) ، أي : مع وجوده ، والمعنى في عهده ، والغرض منه بيان أنه صلى الله عليه وسلم كان مطلعا على حالهن من الحيض وتركهن الصلاة في أيامه ، وما كان يأمرهن بالقضاء ، ولو كان واجبا لأمرهن به .

                                                                                                                                                                                  وقولها : ( فلا يأمرنا به ) ، أي : بل كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا بقضاء الصوم .

                                                                                                                                                                                  قولها : ( أو قالت : لا نفعله ) ، أي : القضاء ولفظة " أو " للشك . قال الكرماني : والظاهر أنه من معاذة . وعند الإسماعيلي من وجه آخر ، فلم نكن نقضي ولم نؤمر به .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر ما يستنبط منه ) ، وهو أن الحائض لا تقضي الصلاة ، ولا خلاف في ذلك بين الأمة إلا لطائفة من الخوارج . قال معمر : قال الزهري : تقضي الحائض الصوم ولا تقضي الصلاة . قلت : عمن قال : أجمع المسلمون عليه ، وليس في كل شيء تجد الإسناد القوي أجمع المسلمون على أن الحائض والنفساء لا يجب عليهما الصلاة ولا الصوم في الحال ، وعلى أنه لا يجب عليهما قضاء الصلاة ، وعلى أنه عليهما قضاء الصوم ، والفرق بينهما أن الصلاة كثيرة متكررة ، فشق قضاؤها بخلاف الصوم ، فإنه يجب في السنة مرة واحدة ، ومن السلف من كان يأمر الحائض بأن تتوضأ عند وقت الصلاة ، وتذكر الله تعالى تستقبل القبلة ذاكرة لله جالسة . روي ذلك عن عقبة بن عامر ومكحول . وقال : كان ذلك من هدي نساء المسلمين في حيضهن . وقال عبد الرزاق : بلغني أن الحائض كانت تؤمر بذلك عند وقت كل صلاة . وقال عطاء : لم يبلغني ذلك وإنه لحسن . وقال أبو عمر : هو أمر متروك عند جماعة الفقهاء ، بل يكرهونه . قال أبو قلابة : سألنا عن ذلك فلم نجد له أصلا . وقال سعيد بن عبد العزيز : ما نعرفه وإنا لنكرهه ، وفي منية المفتي للحنفية : يستحب لها عند وقت كل صلاة أن تتوضأ وتجلس في مسجد بيتها تسبح وتهلل مقدار أداء الصلاة لو كانت طاهرة حتى لا تبطل عادتها ، وفي الدراية : يكتب لها ثواب أحسن صلاة كانت تصلي . فإن قلت : هل الحائض مخاطبة بالصوم أو لا ؟ قلت : لا ، وإنما يجب عليها القضاء بأمر جديد . وقيل : مخاطبة به مأمورة بتركه ، كما يخاطب المحدث بالصلاة ، وإنه لا يصح منه في زمن الحدث ، وهذا غير صحيح ، وكيف يكون الصوم واجبا عليها ومحرما عليها بسبب لا قدرة لها على إزالته ، بخلاف المحدث ; فإنه قادر على الإزالة . والله أعلم بالصواب .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية