الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4701 8 - حدثنا موسى بن إسماعيل ، عن إبراهيم بن سعد ، حدثنا ابن شهاب ، عن عبيد بن السباق : أن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة ، فإذا عمر بن الخطاب عنده ، قال أبو بكر رضي الله عنه : إن عمر أتاني فقال : إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن ، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن ، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن ، قلت لعمر : كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال عمر : هذا والله خير ، فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر ، قال زيد : قال أبو بكر : إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتتبع القرآن فاجمعه ، فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن ، قلت : كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : هو والله خير ، فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حتى خاتمة براءة ، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ، ثم عند عمر حياته ، ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنهما .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة ، وعبيد بن السباق بفتح السين المهملة وتشديد الباء المدني التابعي يكنى أبا سعيد ، وليس له في البخاري غير هذا الحديث ; لكن كرره في الأبواب .

                                                                                                                                                                                  والحديث مضى في التفسير في آخر سورة براءة ، فإنه أخرجه هناك عن أبي اليمان ، عن شعيب ، عن الزهري قال : أخبرني ابن السباق أن زيد بن ثابت ، إلى آخره ، ومضى الكلام فيه هناك ولنتكلم في بعض شيء .

                                                                                                                                                                                  فقوله : " مقتل أهل اليمامة " أي : بعد قتل مسيلمة الكذاب ، وقتل من القراء يومئذ سبعمائة ، وقيل : أكثر ، قوله : " قد استحر " بسين مهملة ومثناة من فوق مفتوحة وحاء مهملة مفتوحة وراء مشددة أي : اشتد وكثر ، وهو على وزن استفعل من الحر خلاف البرد ، قوله : " بالمواطن " أي : في المواطن ، أي : الأماكن التي يقع فيها القتال مع الكفار ، قوله : " لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال الخطابي وغيره : يحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم إنما لم يجمع القرآن في الصحف لما كان يترقب من ورود ناسخ لبعض أحكامه أو تلاوته ، فلما انقضى نزوله بوفاته صلى الله عليه وسلم ألهم الله الخلفاء الراشدين ذلك وفاء لوعده الصادق بضمان حفظه على هذه الأمة المحمدية ، فكان ابتداء ذلك على يد الصديق رضي الله تعالى عنه بمشورة عمر رضي الله تعالى عنه ، ويؤيده ما أخرجه ابن أبي داود في المصاحف بإسناد حسن ، عن عبد خير قال : سمعت عليا رضي الله تعالى عنه يقول : أعظم الناس في المصاحف أجرا أبو بكر ، رحمة الله على أبي بكر هو أول من جمع كتاب الله ، فإن قلت : أخرج ابن أبي داود في المصاحف من طريق ابن سيرين قال : قال علي رضي الله تعالى عنه : لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم آليت أن لا آخذ على ردائي إلا لصلاة جمعة حتى أجمع القرآن ، فجمعه ، قلت : إسناده ضعيف ; لانقطاعه ، ولئن سلمنا كونه [ ص: 17 ] محفوظا فمراده بجمعه حفظه في صدره .

                                                                                                                                                                                  قوله : " والله خير " يعني : خير في زمانهم ، قوله : " فتتبع القرآن " صيغة أمر ، وكذلك قوله : " فاجمعه " قوله : " فتتبعت القرآن أجمعه " حال ، أي : حال كوني أجمعه وقت التتبع ، قوله : " من العسب " بضم العين والسين المهملتين بعدهما باء موحدة جمع عسب ، وهو جريد النخل ، كانوا يكشطون الخوص ويكتبون في الطرف العريض ، وقيل : العسب طرف الجريد العريض الذي لم ينبت عليه الخوص ، والذي ينبت عليه الخوص هو السعف ، ووقع في رواية ابن عيينة ، عن ابن شهاب : القصب والعسب والكرانيف وجرائد النخل ، وفي الرواية المتقدمة في التفسير : من الرقاع والأكتاف والعسب وصدور الرجال ، والرقاع جمع رقعة ، وقد يكون من جلد أو ورق أو كاغد ، وفي رواية عمارة بن غزية : وقطع الأديم ، وفي رواية ابن أبي داود من طريق أبي داود الطيالسي عن إبراهيم بن سعد : والصحف ، وفي رواية ابن أبي داود : والأضلاع ، وعنده أيضا : والأقتاب ، جمع قتب البعير ، قوله : " واللخاف " بكسر اللام وبالخاء المعجمة وبعد الألف فاء ، وهو جمع لخفة بفتح اللام وسكون الخاء المعجمة ، وهو الحجر الأبيض الرقيق ، وقال الخطابي : اللخاف صفائح الحجارة الرقاق .

                                                                                                                                                                                  قوله : " مع أبي خزيمة الأنصاري " ووقع في رواية عبد الرحمن بن مهدي ، عن إبراهيم بن سعد : مع خزيمة بن ثابت ، أخرجه أحمد والترمذي ، ورواية من قال مع أبي خزيمة أصح ، والذي وجد معه آخر سورة التوبة : أبو خزيمة بالكنية ، والذي وجد معه الآية من الأحزاب : خزيمة ، واسم أبي خزيمة لا يعرف وهو مشهور بكنيته ، وهو ابن أوس بن زيد بن أصرم ، قوله : " فكانت " أي : الصحف التي جمعها زيد بن ثابت عند أبي بكر إلى أن توفاه الله تعالى ، قوله : " ثم عند عمر حياته " أي : ثم كانت عند عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه مدة حياته ، قوله : " ثم عند حفصة " أي : ثم بعد عمر كانت عند حفصة بنت عمر في خلافة عثمان رضي الله تعالى عنه ، وإنما كانت عند حفصة ; لأن عمر أوصى بذلك ، فاستمرت عندها إلى أن طلبها من له الطلب .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية