الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4800 26 - حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب ، عن الزهري قال : أخبرني عروة بن الزبير ، عن عائشة رضي الله عنها أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس وكان ممن شهد بدرا مع النبي صلى الله عليه وسلم تبنى سالما وأنكحه بنت أخيه هند بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة وهو مولى لامرأة من الأنصار كما تبنى النبي صلى الله عليه وسلم زيدا وكان من تبنى رجلا في الجاهلية دعاه الناس إليه وورث من ميراثه حتى أنزل الله : ( ادعوهم لآبائهم ) إلى قوله : ( ومواليكم ) فردوا إلى آبائهم فمن لم يعلم له أب كان مولى وأخا في الدين فجاءت سهلة بنت سهيل بن عمرو القرشي ثم العامري وهي امرأة أبي حذيفة بن عتبة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إنا كنا نرى سالما ولدا وقد أنزل الله فيه ما قد علمت فذكر الحديث .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة تؤخذ من تزويج أبي حذيفة بنت أخيه هندا لسالم الذي تبناه وهو مولى لامرأته من الأنصار ولم يعتبر فيه الكفاءة إلا في الدين ، وأبو اليمان الحكم بن نافع ، وشعيب بن أبي حمزة ، والزهري محمد بن مسلم .

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه النسائي أيضا في النكاح ، عن عمران بن بكار ، عن أبي اليمان شيخ البخاري .

                                                                                                                                                                                  قوله : أن أبا حذيفة اسمه مهشم على المشهور ، وقيل : هاشم ، وقيل : هشيم ، وقيل : غير ذلك وهو خال معاوية بن أبي سفيان .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ابن عتبة " بضم العين المهملة وسكون التاء المثناة من فوق ابن ربيعة بفتح الراء ابن عبد شمس القرشي العبشمي وكان من فضلاء الصحابة من المهاجرين الأولين صلى القبلتين وهاجر الهجرتين وشهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتل يوم اليمامة شهيدا وهو ابن ثلاث أو أربع وخمسين سنة ، قوله : " تبنى سالما " أي اتخذه ابنا ، وسالم هو ابن معقل بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر القاف وفي [ ص: 84 ] آخره لام يكنى أبا عبد الله ، وقال أبو عمر : هو من أهل فارس من إصطخر ، وقيل : إنه من عجم الفرس من كرمد وكان من فضلاء الموالي ومن خيار الصحابة وكبارهم وهو معدود في المهاجرين وفي الأنصار أيضا لعتق مولاته الأنصارية فقال أبو عمر : شهد سالم بدرا وقتل يوم اليمامة شهيدا هو ومولاه أبو حذيفة فوجد رأس أحدهما عند رجلي الآخر ، وذلك سنة اثنتي عشرة من الهجرة .

                                                                                                                                                                                  قوله : " وأنكحه بنت أخيه هند " أي زوجه بنت أخيه ، فقوله : هند يجوز فيه الصرف ، ومنعه أما منعه فللعلمية والتأنيث ، وأما صرفه فلأن سكون أوسطه يقاوم أحد السببين وهو هنا في محل النصب ; لأنه عطف بيان عن بنت ، ووقع عند مالك وأنكحه بنت أخيه فاطمة ولا كلام فيه ; لأنها ربما كانت تسمى باسمين والوليد بن عتبة قتل ببدر كافرا ، وقال ابن التين : ووقع في بعض الروايات بنت أخته بضم الهمزة وسكون الخاء وبالتاء المثناة من فوق وهو غلط ، قوله : وهو مولى أي سالم المذكور مولى لامرأة من الأنصار واسمها ثبيتة بضم الثاء المثلثة ، وفتح الباء الموحدة وإسكان الياء آخر الحروف ، وفتح التاء المثناة من فوق بنت يعار بفتح الياء آخر الحروف ، وتخفيف العين المهملة وبعد الأف راء ابن زيد بن عبيد بن مالك بن عمرو بن عوف الأنصارية كانت من المهاجرات الأول ومن فضلاء نساء الصحابة ، وهي زوج أبي حذيفة المذكور وهي مولاة سالم بن معقل المذكور ويقال له : سالم مولى أبي حذيفة أعتقته ثبيتة فوالى سالم أبا حذيفة فلذلك يقال سالم مولى أبي حذيفة .

                                                                                                                                                                                  وقال أبو طوالة : اسم هذه المرأة من الأنصار عمرة بنت يعار الأنصارية ، وقال ابن إسحاق اسمها سلمى بنت يعار ، قوله : " كما تبنى النبي صلى الله عليه وسلم " أي كما اتخذ النبي عليه السلام زيد بن حارثة ابنا له حتى يقال : ابن محمد ، قوله : " وكان من تبنى " كلمة من اسم كان .

                                                                                                                                                                                  وقوله : " دعاه الناس إليه " خبره أي كانوا يقولون للذي تبناه هذا ابن فلان ، وكان يرث من ميراثه أيضا كما يرث ابنه من النسب حتى أنزل الله تعالى : ادعوهم لآبائهم وقبل الآية : وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم

                                                                                                                                                                                  قوله : وما جعل أدعياءكم يعني من سميتموهم أبناءكم نزلت في زيد بن حارثة الكلبي من بني عبد ود كان عبدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه وتبناه قبل الوحي وآخى بينه وبين حمزة بن عبد المطلب في الإسلام فجعل الفقير أخا للغني ليعود عليه فلما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش الأسدي وكانت تحت زيد بن حارثة قال اليهود والمنافقون : تزوج محمد امرأة ابنه ونهى الناس عنها فأنزل الله تعالى هذه الآية : ذلكم قولكم ولا حقيقة له يعني قولهم زيد بن محمد بن عبد الله والله يقول الحق وهو يهدي السبيل أي سبيل الحق ثم قال : ادعوهم لآبائهم الذين ولدوهم وبين أن دعاءهم لآبائهم هو أدخل الأمرين في القسط والعدل عند الله فإن لم تعلموا لهم آباء تنسبونهم إليهم فإخوانكم أي فهم إخوانكم في الدين ومواليكم إن كانوا محرريكم .

                                                                                                                                                                                  قوله : " فردوا " على صيغة المجهول إلى آبائهم الذين ولدوهم ، قوله : " فمن لم يعلم له " على صيغة المجهول ، وقوله : " أب " مرفوع به كان مولى وأخا في الدين .

                                                                                                                                                                                  قوله : " فجاءت سهلة " وهي التي روت عن النبي صلى الله عليه وسلم الرخصة في رضاع الكبير ، روى عنها القاسم بن محمد ، قوله : " وهي امرأة أبي حذيفة " وهي ضرة معتقة سالم هذه قرشية ، وتلك أنصارية ، قوله : " النبي " بالنصب بقوله فجاءت سهلة .

                                                                                                                                                                                  قوله : " إنا كنا نرى " بفتح النون بمعنى نعتقد ، قوله : " ما قد علمت أرادت به " قوله تعالى : ادعوهم لآبائهم وقوله : وما جعل أدعياءكم أبناءكم

                                                                                                                                                                                  قوله : فذكر الحديث أي فذكر أبو اليمان الحديث قاله البخاري ، ولم يذكره هو ورواه أبو داود من حديث الزهري ، عن عروة ، عن عائشة وأم سلمة وقال الحميدي في الجمع : أخرجه البرقاني في كتابه بطوله من حديث أبي اليمان بسنده بزيادة فكيف ترى يا رسول الله فقال : أرضعيه فأرضعته خمس رضعات فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة فبذلك كانت عائشة رضي الله تعالى عنها تأمر بنات أخيها وأختها أن يرضعن من أحبت عائشة أن يراها ويدخل عليها وإن كان كبيرا خمس رضعات فيدخل عليها وأبت أم سلمة وسائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخلن عليهن بتلك الرضاعة أحدا من الناس ، ويروى أن سهلة قالت يا رسول الله : إن سالما بلغ مبلغ الرجال وإنه يدخل علينا وإني أظن في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئا فقال : أرضعيه تحرمي عليه ويذهب ما في نفسه فأرضعته فذهب الذي في نفسه ، وفي مسلم من حديث القاسم ، عن عائشة جاءت سهلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : [ ص: 85 ] يا رسول الله إني أرى في وجه أبي حذيفة من دخول سالم فقال : أرضعيه قالت : وكيف أرضعه وهو رجل كبير فتبسم وقال : قد علمت أنه رجل كبير ، وفي رواية ابن أبي مليكة أرضعيه تحرمي عليه ويذهب الذي في وجه أبي حذيفة فرجعت وقالت : قد أرضعته فذهب الذي في نفس أبي حذيفة ، وقال القاضي : لعلها حلبته ثم شربه من غير أن يمس ثديها ولا التقت بشرتاهما هذا الذي قاله حسن ، وقال النووي : يحتمل أنه عفي عن مسه للحاجة كما خص بالرضاعة مع الكبر ، وبهذا قالت عائشة وداود ، وتثبت حرمة الرضاع برضاع البالغ كما تثبت برضاع الطفل .

                                                                                                                                                                                  وعند جمهور العلماء من الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار إلى الآن : لا تثبت إلا برضاع من له دون سنتين ، وعند أبي حنيفة بسنتين ونصف ، وعند زفر بثلاث سنين ، وعن مالك بسنتين وأيام ، واحتجوا فيه بقوله تعالى : والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وبأحاديث كثيرة مشهورة وأجابوا ، عن حديث سهلة على أنه مختص بها وبسالم ، وقيل : إنه منسوخ والله أعلم .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية