الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4824 50 - حدثنا مالك بن إسماعيل ، أخبرنا ابن عيينة أخبرنا عمرو ، حدثنا جابر بن زيد قال : أنبأنا ابن عباس رضي الله عنهما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث إنه بين الإبهام الذي في الترجمة ومالك بن إسماعيل بن زياد النهدي الكوفي ، وقال البخاري : مات سنة تسع عشرة ومائتين يروي عن سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن جابر بن زيد أبي الشعثاء أنه قال : أنبأنا ابن عباس أي أخبرنا تزوج النبي صلى الله تعالى عليه وسلم والحال أنه محرم .

                                                                                                                                                                                  والحديث مضى في الحج في باب تزويج المحرم وفيه ذكر التي تزوجها وأخرجه ، عن أبي المغيرة عبد القدوس بن الحجاج ، عن الأوزاعي ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم ، وقد مضى الكلام فيه هناك مستوفى ، ولنذكر بعض شيء فقال النووي : قال أبو حنيفة : يصح نكاح المحرم لقصة ميمونة وهو رواية ابن عباس فأجيب عنه بأن ميمونة نفسها روت أنه تزوجها حلالا وهي أعرف بالقضية من ابن عباس لتعلقها بها وبأن المراد بالمحرم أنه في الحرم ويقال : لمن هو في الحرم محرم وإن كان حلالا قال الشاعر :


                                                                                                                                                                                  قتلوا ابن عفان الخليفة محرما

                                                                                                                                                                                  .

                                                                                                                                                                                  أي : في حرم المدينة وبأن فعله معارض بقوله : لا ينكح المحرم وإذا تعارضا يرجح القول وبأن ذلك من خصائصه صلى الله تعالى عليه وسلم ، انتهى .

                                                                                                                                                                                  قلت : أجاب عن حديث ابن عباس بأربعة أجوبة نصرة لمذهب إمامه والكل ما يجدي شيئا ، فالجواب عن الأول كيف يحكم بأن ميمونة أعرف بالقضية من ابن عباس ، ولا تلحق ميمونة ابن عباس في هذه القضية وفي غيرها ومع هذا روي عن جماعة من الصحابة ما يوافق في ذلك رواية ابن عباس وهو عبد الله بن مسعود ، وأنس بن مالك ، وأبو هريرة ، وعائشة ومعاذ وأبو عبد الله بن مسعود ، أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ، حدثنا وكيع ، عن جرير بن حازم ، عن سليمان الأعمش ، عن إبراهيم ، عن عبد الله أنه لم يكن يرى بتزويج المحرم بأسا ورواه الطحاوي ، عن محمد بن خزيمة ، عن حجاج ، عن جرير بن حازم ، عن سليمان الأعمش ، عن إبراهيم أن ابن مسعود كان لا يرى بأسا أن يتزوج المحرم وأثر أنس بن مالك أخرجه الطحاوي ، حدثنا روح بن الفرج ، حدثنا أحمد بن صالح ، حدثنا ابن أبي فديك حدثني عبد الله بن محمد بن أبي بكر قال : سألت أنس بن مالك ، عن نكاح المحرم قال : وما بأس به هل هو إلا كالبيع ، وهذا إسناد صحيح وحديث أبي هريرة مرفوعا رواه الطحاوي ، حدثنا سليمان بن شعيب ، حدثنا خالد بن عبد الرحمن ، حدثنا كامل أبو العلاء ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : تزوج رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وهو محرم وكذلك أخرج الطحاوي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها ، حدثنا محمد بن خزيمة ، حدثنا معلى بن أسد نا أبو عوانة ، عن مغيرة ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، عن عائشة قالت : تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض نسائه وهو محرم وأخرجه البيهقي أيضا من حديث علي بن عبد العزيز ، حدثنا معلى بن أسد إلى آخره نحوه فإن قلت : قال البيهقي : ويروى عن مسدد ، عن أبي عوانة ، عن مغيرة فقال ، عن إبراهيم بدل أبي الضحى قال أبو علي النيسابوري : كلاهما خطأ ، والمحفوظ عن مغيرة ، عن سماك ، عن أبي الضحى ، عن مسروق مرسلا ، عن النبي صلى الله عليه وسلم كذا رواه جرير ، عن مغيرة قلت : لا نسلم أنه خطأ بل هو محفوظ أخرجه ابن حبان في صحيحه أنا الحسن بن سفيان ، حدثنا إبراهيم بن الحجاج ، حدثنا أبو عوانة ، عن المغيرة ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، عن عائشة تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض نسائه وهو محرم واحتجم وهو محرم ، وأما معاذ فذكره ابن حزم معهم ، وقال الطحاوي والذين رووا أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو محرم أهل علم وثبت أصحاب ابن عباس سعيد بن جبير ، وعطاء بن أبي رباح وطاوس ومجاهد ، وعكرمة ، [ ص: 111 ] وجابر بن زيد وهؤلاء كلهم فقهاء يحتج برواياتهم وآرائهم والذين نقلوا منهم فكذلك أيضا منهم عمرو بن دينار وأيوب السختياني ، وعبد الله بن أبي نجيح فهؤلاء أيضا أئمة يقتدى برواياتهم ، وحديث ميمونة الذي أخرجه مسلم فيه يزيد بن الأصم ، وقد ضعفه عمرو بن دينار في خطابه للزهري وترك الزهري الإنكار عليه ، وأخرجه من أهل العلم وجعله أعرابيا بوالا على عقبيه وكيف يكون طعن أكثر من ذلك وقصده من هذا الكلام نسبته إلى الجهل بالسنة فإن قلت : الزهري احتج به قلت : احتجاجه به لا ينفي طعن عمرو بن دينار فيه فإن عمرو بن دينار في نفسه حجة ثبت ولا ينقص عن الزهري على أن بعضهم قد رجحوه على مثل عطاء ومجاهد وطاوس والذي رواه الترمذي من حديث ميمونة في إسناده مطر الوراق قال الطحاوي : ومطر عندهم ليس ممن يحتج بحديثه ، وقال النسائي : مطر بن طهمان الوراق ليس بالقوي وعن أحمد كان في حفظه سوء ولئن سلمنا أنه مجمع عليه في توثيقه وضبطه ولكنه ليس كرواة حديث ابن عباس ولا قريبا منهم فافهم .

                                                                                                                                                                                  والجواب عن الثاني وهو قوله : المراد بالمحرم أنه في الحرم إلى قوله : وبأن فعله أن الجوهري ذكر ما يخالف ذلك فإنه قال أحرم الرجل إذا دخل في الشهر الحرام ، وأنشد البيت المذكور على ذلك وأيضا فلفظ البخاري أنه صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو محرم وبنى بها وهو حلال يدفع هذا التفسير ويبعده .

                                                                                                                                                                                  والجواب عن الثالث وهو قوله : بأن فعله معارض إلى قوله : يرجح القول أنه ليس مما اتفق عليه الأصوليون فإن فيه خلافا .

                                                                                                                                                                                  والجواب عن الرابع إنه دعوى فيحتاج إلى برهان وقال الطبري : الصواب من القول عندنا أن نكاح المحرم فاسد لحديث عثمان رضي الله تعالى عنه وأما قصة ميمونة فتعارضت الأخبار فيها ، انتهى .

                                                                                                                                                                                  قلت : أين ذهب حديث عبد الله بن عباس ، وأما حديث عثمان الذي أخرجه مسلم عنه أنه قال : المحرم لا ينكح ولا ينكح ولا يخطب ففي إسناده نبيه بن وهب وليس كعمرو بن دينار ولا كجابر بن دينار ولا له موضع في العلم كموضع عمرو وجابر ، وقال ابن العربي : ضعف البخاري حديث عثمان وصحح حديث ابن عباس فلو علم أن رواة حديث عثمان يساوون رواة حديث ابن عباس لصحح كلا الحديثين ولئن سلمنا أنهم متساوون فنقول معنى لا ينكح المحرم لا يطأ وهو محمول على الوطء أو الكراهة لكونه سببا للوقوع في الرفث لا إن عقده لنفسه أو لغيره كما مر ممتنع ولهذا قرنه بالخطبة ولا خلاف في جوازها وإن كانت مكروهة فكذا النكاح والإنكاح وصار كالبيع وقت النداء .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية