الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4882 108 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، أخبرنا مالك ، عن ابن شهاب ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول : شر الطعام طعام الوليمة يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء ، ومن ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة ، والأعرج عبد الرحمن بن هرمز ، وقال الكرماني : الزهري يروي عن الرجلين كلاهما أعرج واسمهما عبد الرحمن ، أحدهما عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي والثاني عبد الرحمن بن سعد المخزومي ، والظاهر أن هذا هو الأول لا الثاني ، وفي رجال البخاري أعرج آخر ثالث يروي عن أبي هريرة اسمه ثابت بن عياض القرشي ويقال له الأحنف ، قلت : كان الكرماني يستغرب هذا حتى ذكره ، ومثل هذا الذي تتفق أسماؤهم وأسماء آبائهم في الرواة كثير فيحصل التمييز بينهم بالقرائن .

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه مسلم في النكاح عن يحيى بن يحيى وغيره ، وأخرجه أبو داود في الأطعمة عن القعنبي عن مالك به ، وأخرجه النسائي في الوليمة عن قتيبة ، وأخرجه ابن ماجه في النكاح عن علي بن محمد الطنافسي ، وهذا موقوف على أبي هريرة ، وقال أبو عمران : جل رواة مالك لم يصرحوا برفعه وقال : فيه روح بن القاسم عن مالك بسنده ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكذا أخرجه الدارقطني في غرائب مالك من طريق إسماعيل بن مسلمة بن قعنب عن مالك ، وقال ابن بطال : أول هذا الحديث موقوف وآخره يقتضي رفعه ; لأن مثله لا يكون رأيا .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( شر الطعام ) قال الكرماني : ما معنى قوله شر مطلقا وقد يكون بعض الأطعمة شرا منها ثم أجاب بأن المراد شر أطعمة الولائم طعام وليمة يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء ، وقال القاضي البيضاوي : أي من شر الطعام كما يقال شر الناس من أكل وحده ، أي من شرهم ، وإنما سماه شرا لما ذكر عقيبه فكأنه قال : شر الطعام طعام الوليمة التي شأنها ذلك . وقال الطيبي شيخ شيخي : التعريف في الوليمة للعهد الخارجي إذ كان من عادتهم دعوة الأغنياء وترك الفقراء .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( يدعى ) إلى آخره استئناف بيان لكونها شر الطعام فلا يحتاج إلى تقدير من ; لأن الرياء شرك خفي ، قوله : ( ومن ترك الدعوة ) حال والعامل يدعى يعني يدعى الأغنياء لها والحال أن الإجابة واجبة فيجيب المدعو ويأكل شر الطعام ، ووقع في لفظ مسلم : " بئس الطعام طعام الوليمة " وفي لفظ له مثل لفظ البخاري قوله : " ويترك الفقراء " وفي رواية الإسماعيلي من طريق معن بن عيسى عن مالك : المساكين بدل الفقراء ، قوله : ( ومن ترك الدعوة ) وفي لفظ مسلم : " فمن لم يأت الدعوة " وفي لفظ : " ومن لم يجب الدعوة " ، قوله : ( يدعى لها ) ويروى : يدعى إليها ، والجملة حالية ، وفي رواية ثابت الأعرج : يمنعها من يأتيها ويدعى إليها من يأباها ، وفي رواية الطبراني من حديث ابن عباس : بئس الطعام طعام الوليمة يدعى إليه الشبعان ويحبس عنه الجيعان .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( ومن ترك الدعوة ) أي إجابة الدعوة ، وقد مضى الكلام فيه في الترجمة ووقع في رواية لابن عمر : " من دعي إلى وليمة فلم يأتها فقد عصى الله ورسوله " فهذا دليل وجوب الإجابة ; لأن العصيان لا يطلق إلا على ترك الواجب . وقال ابن بطال : لا خلاف بين الصحابة والتابعين في وجوب الإجابة إلى دعوة الوليمة إلا ما روي عن ابن مسعود أنه قال : نهينا أن نجيب دعوة من يدعو الأغنياء ويترك الفقراء . وقد دعا ابن عمر في دعوته الأغنياء والفقراء فجاءت قريش والمساكين معهم فقال ابن عمر للمساكين : هاهنا اجلسوا لا تفسدوا عليهم ثيابهم فإنا سنطعمكم مما يأكلون ، وقال ابن حبيب : ومن فارق السنة في وليمة فلا دعوة له ولا معصية في ترك إجابته ، وقد حدثني ابن المغيرة أنه سمع سفيان الثوري يقول : إنما تفسير إجابة الدعوة إذا دعاك من لا يفسد عليك دينك ولا قلبك . وقال الكرماني : فإن قلت أوله أي أول الحديث مرغب عن حضور الوليمة بل محرم وآخره مرغب فيه بل موجب ، قلت : الإجابة [ ص: 161 ] لا تستلزم الأكل فيحضر ولا يأكل فالترغيب في الإجابة والتحذير عن الأكل انتهى ، قلت : المحرم فعل صاحب الطعام وليس يحرم الطعام لدعوة الأغنياء وترك الفقراء ، وروي عن أبي هريرة أنه كان يقول : أنتم العاصون في الدعوة تدعون من لا يأتي وتدعون من يأتيكم . وقوله : والتحذير عن الأكل فيه نظر ; لأن الأكل مأمور به إلا إذا كان صائما لحديث أبي هريرة الذي أخرجه مسلم : " إذا دعي أحدكم فليجب فإن كان مفطرا فليطعم وإن كان صائما فليصل " أي فليدع وفعله ابن عمر ومد يده وقال : باسم الله كلوا ، فلما مد القوم أيديهم قال : كلوا فإني صائم . وقال قوم : ترك الأكل مباح وإن لم يصم إذا أجاب الدعوة وقد أجاب علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه ولم يأكل ، قلت : إباحة ترك الأكل على زعم هؤلاء القوم لا يستلزم التحذير عنه كما قاله الكرماني فيما مضى الآن والترغيب عن الأكل ، ويمكن أن عليا ترك الأكل لكونه صائما ، وهذا ابن عمر صرح بأنه صائم وتركه الأكل كان لكونه صائما لا لوجوب التحذير عنه .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية