الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4895 121 - حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، عن الزهري ، قال : أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور ، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : لم أزل حريصا على أن أسأل عمر بن الخطاب عن المرأتين من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتين قال الله تعالى : إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما حتى حج وحججت معه وعدل وعدلت معه بأداوة فتبرز ثم جاء فسكبت على يديه منها فتوضأ فقلت له : يا أمير المؤمنين من المرأتان من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتان قال الله تعالى : إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما قال : واعجبا لك يا ابن عباس هما عائشة وحفصة ، ثم استقبل عمر الحديث يسوقه قال : كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد وهم من عوالي المدينة ، وكنا نتناوب النزول على النبي صلى الله عليه وسلم فينزل يوما وأنزل يوما ، فإذا نزلت جئته بما حدث من خبر ذلك اليوم من الوحي أو غيره ، وإذا نزل فعل مثل ذلك ، وكنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا على الأنصار إذا قوم تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار فصخبت على امرأتي فراجعتني فأنكرت أن تراجعني قالت : ولم تنكر أن أراجعك فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه ، وإن إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل فأفزعني ذلك وقلت لها : قد خاب من فعل ذلك منهن ، ثم جمعت علي ثيابي فنزلت فدخلت على حفصة فقلت لها [ ص: 180 ] أي حفصة أتغاضب إحداكن النبي صلى الله عليه وسلم اليوم حتى الليل ؟ ! قالت : نعم ، فقلت : قد خبت وخسرت أفتأمنين أن يغضب الله لغضب رسوله صلى الله عليه وسلم فتهلكي ، لا تستكثري النبي صلى الله عليه وسلم ولا تراجعيه في شيء ولا تهجريه وسليني ما بدا لك ولا يغرنك أن كانت جارتك أوضأ منك وأحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم - يريد عائشة - قال عمر : وكنا قد تحدثنا أن غسان تنعل الخيل لغزونا فنزل صاحبي الأنصاري يوم نوبته فرجع إلينا عشاء فضرب بابي ضربا شديدا وقال : أثم هو ، ففزعت فخرجت إليه فقال : قد حدث اليوم أمر عظيم ، قلت : ما هو أجاء غسان ؟ قال : لا بل أعظم من ذلك وأهول ، طلق النبي صلى الله عليه وسلم نساءه ، فقلت : خابت حفصة وخسرت قد كنت أظن هذا يوشك أن يكون فجمعت علي ثيابي فصليت صلاة الفجر مع النبي صلى الله عليه وسلم فدخل النبي صلى الله عليه وسلم مشربة له فاعتزل فيها ودخلت على حفصة فإذا هي تبكي فقلت : ما يبكيك ، ألم أكن حذرتك هذا ، أطلقكن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : لا أدري ها هو ذا معتزل في المشربة ، فخرجت فجئت إلى المنبر فإذا حوله رهط يبكي بعضهم ، فجلست معهم قليلا ثم غلبني ما أجد فجئت المشربة التي فيها النبي صلى الله عليه وسلم فقلت لغلام له أسود : استأذن لعمر ، فدخل الغلام فكلم النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع فقال : كلمت النبي صلى الله عليه وسلم وذكرتك له فصمت ، فانصرفت حتى جلست مع الرهط الذين عند المنبر ثم غلبني ما أجد فجئت فقلت للغلام : استأذن لعمر ، فدخل ثم رجع فقال : قد ذكرتك له فصمت ، فرجعت فجلست مع الرهط الذين عند المنبر ثم غلبني ما أجد فجئت الغلام فقلت : استأذن لعمر ، فدخل ثم رجع إلي فقال قد ذكرتك له فصمت ، فلما وليت منصرفا قال : إذا الغلام يدعوني فقال : قد أذن لك النبي صلى الله عليه وسلم ، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو مضطجع على رمال حصير ليس بينه وبينه فراش قد أثر الرمال بجنبه متكئا على وسادة من أدم حشوها ليف فسلمت عليه ثم قلت وأنا قائم : يا رسول الله ، أطلقت نساءك ، فرفع إلي بصره فقال : لا ، فقلت : الله أكبر ، ثم قلت وأنا قائم أستأنس : يا رسول الله لو رأيتني وكنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا المدينة إذا قوم تغلبهم نساؤهم فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم ثم قلت : يا رسول الله لو رأيتني ودخلت على حفصة فقلت لها : لا يغرنك أن كانت جارتك أوضأ منك وأحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم - يريد عائشة - فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم تبسمة أخرى ، فجلست حين رأيته تبسم فرفعت بصري في بيته فوالله ما رأيت في بيته شيئا يرد البصر غير أهبة ثلاثة فقلت : يا رسول الله ادع الله فليوسع على أمتك فإن فارسا والروم قد وسع عليهم وأعطوا الدنيا وهم لا يعبدون الله ، فجلس النبي صلى الله عليه وسلم وكان متكئا فقال : أو في هذا أنت يا ابن الخطاب إن أولئك قوم عجلوا طيباتهم في الحياة الدنيا ، فقلت : يا رسول الله استغفر لي ، فاعتزل النبي صلى الله عليه وسلم نساءه من [ ص: 181 ] أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة إلى عائشة تسعا وعشرين ليلة ، وكان قال : ما أنا بداخل عليهن شهرا ، من شدة موجدته عليهن حين عاتبه الله ، فلما مضت تسع وعشرون ليلة دخل على عائشة فبدأ بها فقالت له عائشة : يا رسول الله ، إنك كنت قد أقسمت أن لا تدخل علينا شهرا وإنما أصبحت من تسع وعشرين ليلة أعدها عدا ، فقال : الشهر تسع وعشرون ، فكان ذلك الشهر تسعا وعشرين ليلة ، قالت عائشة : ثم أنزل الله تعالى آية التخيير فبدأ بي أول امرأة من نسائه فاخترته ثم خير نساءه كلهن فقلن مثل ما قالت عائشة رضي الله عنها .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله : ( فدخلت على حفصة فقلت أي حفصة ) إلى قوله : ( يريد عائشة ) .

                                                                                                                                                                                  وأبو اليمان هو الحكم بن نافع ، وشعيب هو ابن أبي حمزة ، وهذا الإسناد بعينه قد مر غير مرة .

                                                                                                                                                                                  والحديث قد مضى في تفسير سورة التحريم ، ومضى أيضا مطولا في كتاب المظالم في باب الغرفة والعلية المشرفة ، ومضى أيضا مختصرا في كتاب العلم ، أخرجه عن أبي اليمان عن شعيب ، ومضى الكلام فيه في المواضع المذكورة ، فالناظر فيه يعتبر التفاوت من حيث الزيادة والنقصان في الإسناد والمتن .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( عدل ) أي عن الطريق الجادة المسلوكة إلى طريق لا يسلك غالبا ليقضي حاجته ، ووقع في رواية عبيد : فخرجت معه فلما رجعنا وكنا ببعض الطريق عدل إلى الأراك لحاجة له ، وفي رواية مسلم : أن المكان المذكور هو مر الظهران ، قوله : ( فتبرز ) قال الكرماني : أي ذهب إلى البراز لقضاء الحاجة قلت : تبرز أي قضى حاجته ; لأن قوله فعدل هو في نفس الأمر بمعنى خرج إلى البراز ، نعم هو من البراز وهو المكان الخالي البارز عن البيوت ولكنه أطلق على نفس الفعل ، قوله : ( منها ) أي من الإداوة ، قوله : ( اللتان ) كذا في الأصول بالتثنية ، ووقع عند ابن التين التي بالإفراد ، قال : والصواب اللتان بالتثنية ، قوله : إن تتوبا إلى الله أي عن التعاون على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد صغت قلوبكما ، قوله : ( واعجبا لك ) يجوز فيه التنوين ، وتركه على ما قاله ابن مالك : إن كان منونا فهو اسم فعل بمعنى أعجب ، قلت : يجوز أن يكون منصوبا بفعل محذوف تقديره أعجب عجبا وإن كان غير منون فالأصل فيه واعجبي ، وكذا وقع في رواية معمر على الأصل فأبدلت الكسرة فتحة فصارت ألفا كما في قوله : يا أسفا ، ويا حسرتا ، وكلمة وا هنا اسم لأعجب كما في قوله :


                                                                                                                                                                                  وا بأبي أنت وفوك الأشنب

                                                                                                                                                                                  والأصل في وا أن يستعمل في المنادى المندوب وقد يستعمل في غيره كما هنا ، وإليه ذهب المبرد ومن النحاة من منعه وهو حجة عليه .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( هما عائشة وحفصة ) كذا في أكثر الروايات ، ووقع في رواية حماد بن سلمة وحده : حفصة وأم سلمة ، كذا حكاه عنه مسلم إنما تعجب عمر من ابن عباس مع شهرته بعلم التفسير كيف خفي عليه هذا القدر ، وقال الزمخشري : كأنه كره ما سأله عنه ، وكذا قال الزهري : كره والله ما سأله عنه ولم يكتمه ذكره مسلم عنه في هذه القصة ، قوله : ( ثم استقل ) من الاستقلال بالأمر وهو الاستبداد به ، ويقال : استقل بالأمر إذا تفرد به دون غيره ، قوله : ( يسوقه ) حال أراد القصة التي كانت سبب نزول الآية المسؤول عنها ، قوله : ( في بني أمية بن زيد ) ابن مالك بن عمرو بن عوف من الأوس ، قوله : ( عوالي المدينة ) يعني السكان ، والعوالي جمع عالية وهي القرى التي بأعلى المدينة على أربعة أميال وأكثر وأقل وهي مما يلي المشرق ، وكانت منازل الأوس ، قوله : ( وكنا نتناوب النزول ) أي كنا نجعله نوبة يوما ينزل فيه عمر ويوما ينزل فيه جار له واسمه أوس بن خولي بن عبد الله بن الحارث الأنصاري ، وقيل : عتبان بن مالك ; لأن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم آخى بينه وبين عمر رضي الله تعالى عنه والأول هو الأصح ولا يلزم من المؤاخاة التجاور ، قوله : ( معشر قريش ) منصوب على الاختصاص ، قوله : ( نغلب النساء ) أي نحكم عليهن ولا يحكمن علينا بخلاف الأنصار فإن النساء كن يحكمن عليهم ، قوله : ( إذا ) كلمة مفاجأة ، قوله : ( فطفق نساؤنا ) بكسر الفاء وقد تفتح وهو من أفعال المقاربة الذي معناه الأخذ والشروع في الشيء ، قوله : ( من أدب نساء الأنصار ) أي من طريقتهن وسيرتهن ، قوله : ( فصخبت ) بفتح الصاد المهملة وكسر الخاء المعجمة من الصخب وهو الصياح وهو بالصاد رواية الكشميهني ، وفي رواية غيره [ ص: 182 ] بالسين المهملة وهما بمعنى واحد ، ويروى فصحت ، قوله : ( فراجعتني ) من المراجعة هي المراددة في القول ، قوله : ( ولم ) بكسر اللام وفتح الميم يعني لماذا تنكر علي أن أراجعك أي مراجعتك ، قوله : ( ليراجعنه ) بكسر الجيم وسكون العين وفتح النون ، قوله : ( لتهجره اليوم إلى الليل ) اللام في لتهجره للتأكيد والضمير المنصوب فيه يرجع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم واليوم نصب على الظرف ، والليل مجرور بكلمة حتى التي بمعنى إلى للغاية ويجوز فيه النصب على أن حتى حرف عطف وهو قليل ، قوله : ( فأفزعني ) من الفزع وهو الخوف ، قوله : ( ثم جمعت علي ثيابي ) أي هيأت مشمرا ساق العزم ، قوله : ( فدخلت على حفصة ) يعني ابنته بدأ بها لمنزلتها منه ، قوله : ( أي حفصة ) يعني يا حفصة ، قوله : ( أتغاضب ) الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الإنكار ، قوله : ( أن يغضب الله ) كلمة أن مصدرية أي غضب الله ، قوله : ( فتهلكي ) كذا هو في رواية الأكثرين ، ووقع في رواية عقيل : فتهلكين ، وفي رواية عبيد بن حنين : فيهلكن ، بسكون الكاف على صيغة جماعة النساء الغائبة ، وقال بعضهم على خطاب جماعة النساء ، قلت : جماعة النساء الغائبات بالياء آخر الحروف وإن كان للحاضرات فبالتاء المثناة من فوق وهذا القائل لم يميز بينهما ، قوله : ( لا تستكثري ) أي لا تطلبي منه الكثير من حوائجك ويؤيد هذا رواية يزيد بن رومان : لا تكلمي رسول الله صلى الله تعالى وسلم ولا تسأليه فإن رسول الله ليس عنده دنانير ولا دراهم فإن كان لك من حاجة حتى دهنة فسليني ، قوله : ( ولا تراجعيه في شيء ) أي لا ترادديه في الكلام ولا تردي عليه ، قوله : ( ولا تهجريه ) أي لا تهجري النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ولو هجرك النبي صلى الله عليه وسلم ، قوله : ( ما بدا لك ) أي ما ظهر لك مما تريدين ، قوله : ( أن كانت ) بفتح الهمزة وكسرها ، قوله : ( جارتك ) أي ضرتك ويجوز أن يكون على حقيقته لأنها كانت مجاورة لعائشة رضي الله تعالى عنها ، وكان ابن سيرين يكره تسميتها ضرة ويقول : إنها لا تضر ولا تنفع ولا تذهب من رزق الأخرى بشيء وإنما هي جارة ، والعرب تسمي صاحب الرجل وخليطه جارا وتسمي الزوجة أيضا جارة لمخالطتها الرجل . وقال القرطبي : اختار عمر رضي الله تعالى عنه تسميتها جارة أدبا منه أن يضاف لفظ الضرر إلى إحدى أمهات المؤمنين ، قوله : ( أوضأ منك ) من الوضاءة وهو الحسن ، ووقع في رواية معمر : أوسم ، من الوسامة وهي الجمال ، قوله : ( وأحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ) المعنى : لا تغتري بكون عائشة تفعل ما نهيتك عنه فلا يؤاخذها بذلك فإنها تدل بجمالها ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم لها فلا تغتري أنت بذلك لاحتمال أن لا تكوني عنده بتلك المنزلة ، وفي رواية عبيد بن حنين التي مضت في سورة التحريم : ولا يغرنك هذه التي أعجبها حسنها حب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها ، ووقع في رواية سليمان بن بلال عند مسلم : أعجبها حسنها وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بواو العطف ، وقيل في رواية عبد بن حنين المذكورة حذف الواو تقديره : وحب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ، ومنعه السهيلي وقال : هو مرفوع على البدل ، بيانه أن قوله : هذه فاعل قوله : لا يغرنك ، وقوله : التي أعجبها صفة ، وقوله : حب رسول الله صلى الله عليه وسلم بدل اشتمال كما في قولك : أعجبني يوم الجمعة صوم فيه ، وجوز عياض بدل الاشتمال وحذف واو العطف ، وقال ابن التين : حب فاعل وحسنها بالنصب مفعول لأجله والتقدير : أعجبها حب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها من أجل حسنها ، قال : والضمير الذي يلي أعجبها منصوب فلا يصح بدل الحسن منه ولا الحب .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( أن غسان ) قال الكرماني : غسان بفتح الغين المعجمة وتشديد المهملة ملك من ملوك الشام ، قلت : ليس كذلك وإنما معناه قبيلة غسان وملكهم في ذلك الوقت الحارث بن أبي شمر وأن غسان في الأصل ماء بسد مأرب كان شربا لولد مازن فسموا به ، ويقال : غسان ماء بالمشلل قريب من الجحفة والذين شربوا منه سموا به قبائل من ولد مازن بن الأزد ، وإلى مازن جماع غسان ، فمن نزل من بنيه ذلك الماء فهو غساني وأنشئ منهم ملوك فأول من نزل منهم ببلاد الشام جفنة بن عمرو بن ثعلبة وآخرهم جبلة بن الأيهم وهو الذي أسلم في خلافة عمر رضي الله تعالى عنه ثم عاد إلى الروم وتنصر وقد اختلفوا في مدة ملك الغسانية ، فقيل : أربعمائة سنة ، وقيل : ستمائة سنة ، وقيل غير ذلك ، وقيل : إنهم سبع وثلاثون ملكا أولهم جفنة وآخرهم جبلة .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( تنعل الخيل ) بضم أوله ، قال الجوهري : يقال أنعلت الدابة ولا تقل نعلت ، وحكى عياض في تنعيل الخيل وجهين وهو كناية عن استعدادهم للقتال مع أهل المدينة ، قوله : ( ففزعت ) أي خفت ، قوله : ( خابت حفصة وخسرت ) إنما خصها بالذكر لمكانتها منه لكونها ابنته ، قوله : ( يوشك ) بكسر الشين [ ص: 183 ] بمعنى يقرب لأنه من أفعال المقاربة ، قوله : ( مشربة ) بفتح الميم وسكون الشين المعجمة وضم الراء وفتحها وهي الغرفة ، قوله : ( ثم غلبني ما أجد ) أي من شغل قلبي ، أي من اعتزال النبي صلى الله عليه وسلم نساءه ، وأن ذلك لا يكون إلا عن غضب منه ، قوله : ( لغلام له أسود ) واسمه رباح بفتح الراء وتخفيف الباء الموحدة وآخره حاء مهملة ، قوله : ( على رمال ) بكسر الراء وقد يضم ، وفي رواية معمر : على رمل بكسر الميم وهو المنسوج من الحصير يقال : رملت الحصير أي نسجته ، قوله : ( من أدم ) بفتحتين جمع أديم ، قوله : ( أستأنس ) أي أستأذن الجلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم والمحادثة معه وأتوقع عوده إلى الرضا وزوال غضبه ، قوله : ( غير أهبة ) بفتحات واحدة أهب وهي الجلد ما لم يدبغ ، والأهب بفتحتين جمع على غير قياس ، وقيل بالضم وهو القياس ، قوله : ( أو في هذا أنت ) الهمزة للاستفهام والواو للعطف على مقدر بعد الهمزة أي أأنت في مقام استعظام التجملات الدنياوية واستعجالها ، قوله : ( استغفر لي ) أي عن جراءتي بهذا القول بحضرتك أو عن اعتقادي أن التجملات الدنياوية مرغوب فيها أو عن إرادتي ما فيه المشابهة للكفار في ملابسهم ومعايشهم ، قوله : ( من أجل ذلك الحديث ) وهو إشارة إلى ما روي أنه صلى الله عليه وسلم خلى بمارية القبطية في يوم عائشة وعلمت به حفصة فأفشته حفصة إلى عائشة ، قوله : ( تسعا وعشرين ليلة ) راجع إلى قوله فاعتزل ، قوله : ( من شدة موجدته ) بفتح الميم وسكون الواو وكسر الجيم أي من شدة حزنه وعاتبه الله تعالى بقوله : لم تحرم ما أحل الله لك وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم قال لحفصة : " لا أعود إليها فاكتمي علي فإني حرمتها على نفسي " ، قوله : ( من تسع ) وفي رواية عقيل : لتسع باللام ، وفي رواية السرخسي : بتسع بالباء الموحدة ، قوله : ( آية التخيير ) وهي قوله عز وجل : يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها إلى قوله : أجرا عظيما

                                                                                                                                                                                  وفي هذا الحديث فوائد فيه بذل الرجل المال لابنته لتحسين عشرة زوجها ; لأن ذلك صيانة لعرضه وعرضها وبذل المال في صيانة العرض واجب ، وفيه تعريض الرجل لابنته بترك الاستكثار من الزوج إذا كان ذلك يؤذيه ويحرجه ، وفيه سؤال العالم عن بعض أمور أهله وإن كان عليه فيه غضاضة إذا كان في ذلك سنة تنقل ومسألة تحفظ ، وفيه توقير العالم ومهابته عن استفسار ما يخشى من تغيره عند ذكره ، وفيه ترقب خلوات العالم ليسأل عما لعله لو سئل عنه بحضرة الناس أنكره على السائل ، وفيه أن شدة الوطأة على النساء مذمومة . فإن قلت : روى ابن عباس مرفوعا : علق سوطك حيث يراه الخادم ، وروى أبو ذر : أخف أهلك في الله ولا ترفع عنهم عصاك . قلت : أسانيدها واهية ، وضرب المرأة لغير الهجر في المضجع لا يجوز بل حرام ، قال الله تعالى : والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات الآية ، وفيه البحث في العلم في الطرق والخلوات وفي حال القعود والمشي ، وفيه الصبر على الزوجات والإغضاء عن خطئهن والصفح عما يقع منهن من زلل في حق المرء دون ما يكون من حق الله ، وفيه جواز اتخاذ الحاكم عند الخلوة بوابا يمنع من دخل إليه بغير إذنه ، وفيه مشروعية الاستئذان على الإنسان وإن كان وحده لاحتمال أن يكون على حالة يكره الاطلاع عليها ، وفيه جواز تكرار الاستئذان لمن لم يؤذن له إذا رجى حصول الإذن ولا يتجاوز به ثلاث مرات ، وفيه أن لكل لذة أو شهوة قضاها المرء في الدنيا فهو استعجال له من نعيم الآخرة ، وفيه أن الإنسان إذا رأى صاحبه مهموما استحب له أن يحدثه بما يزيل همه ويطيب نفسه ، وفيه جواز الاستعانة في الوضوء بالصب على يد المتوضئ ، وفيه خدمة الصغير للكبير وإن كان الصغير أشرف نسبا من الكبير ، وفيه تذكير الحالف بيمينه إذا وقع منه ما ظاهره نسيانها ، وفيه التناوب في مجالس العلماء إذا لم يتيسر المواظبة على حضوره لشاغل شرعي من أمر ديني أو دنيوي ، وفيه قبول خبر الواحد ولو كان الآخذ فاضلا والمأخوذ عنه مفضولا ورواية الكبير عن الصغير ، وفيه أن الغضب والحزن يحمل الرجل الوقور على ترك التأني المألوف منه ، وفيه شدة الفزع والجزع للأمور المهمة ، وفيه جواز نظر الإنسان إلى نواحي بيت صاحبه ، وفيه كراهة تسخط النعمة واحتقار ما أنعم الله به ولو كان قليلا ، وفيه المعاتبة على إفشاء ما لا يليق لمن أفشاه ، وفيه حسن تلطف ابن عباس وشدة حرصه على الاطلاع على فنون التفسير ، وفيه أن سكوته صلى الله عليه وسلم عن الإذن لعمر في تلك الحال الرفق بالأصهار والحياء منهم ، وفيه جواز ضرب الباب ودقه إذا لم يسمع الداخل بغير ذلك ، وفيه دخول الآباء على البنات بغير إذن الزوج والتفحص عن أحوالهن لا سيما فيما يتعلق بالزوجات .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية