الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4969 17 - حدثنا أصبغ ، أخبرنا ابن وهب ، عن يونس ، عن ابن شهاب قال : أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن ، عن جابر أن رجلا من أسلم أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في المسجد فقال إنه قد زنى ، فأعرض عنه ، فتنحى لشقه الذي أعرض فشهد على نفسه أربع شهادات ، فدعاه فقال : هل بك جنون ؟ هل أحصنت ؟ قال : نعم . فأمر به أن يرجم بالمصلى ، فلما أذلقته الحجارة جمز حتى أدرك بالحرة فقتل .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله في الترجمة " والمجنون " ; فإن الرجل الذي قتل لو كان مجنونا لم يعمل بإقراره .

                                                                                                                                                                                  وأصبغ هو ابن الفرج - بالجيم - أبو عبد الله المصري ، يروي عن عبد الله بن وهب المصري عن يونس بن يزيد الأيلي عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما .

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه البخاري أيضا في المحاربين عن محمد بن مقاتل ، وأخرجه مسلم في الحدود عن إسحاق بن إبراهيم وغيره ، وأخرجه أبو داود فيه عن محمد بن المتوكل ، وأخرجه الترمذي فيه عن الحسن بن علي ، وأخرجه النسائي في الجنائز عن محمد بن يحيى وفي الرجم عن ابن السرح وغيره .

                                                                                                                                                                                  قوله ( أن رجلا ) هو ماعز - بكسر العين المهملة وبالزاي - ابن مالك الأسلمي ، معدود في المدنيين ، ونسبته إلى أسلم - قبيلة .

                                                                                                                                                                                  قوله ( فتنحى ) ، قال الخطابي : تفعل ، من نحى إذا قصد الجهة أي التي إليها وجهه ونحى نحوه ، ويقال قصد شقه الذي أعرض إليه .

                                                                                                                                                                                  قوله ( فشهد على نفسه أربع شهادات ) ، المراد بها أربع أقارير ، والدليل عليه ما رواه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة قال : جاء ماعز بن مالك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الأبعد زنى ! فقال له : ويل لك ، ما يدريك من الزنا ! فأمر به فطرد وأخرج ، ثم أتاه الثانية فقال مثل ذلك فأمر به فطرد وأخرج ، ثم أتاه الثالثة فقال ذلك فأمر به فطرد وأخرج ، ثم أتاه الرابعة فقال مثل ذلك ، قال : أدخلت وأخرجت ؟ قال : نعم . فأمر به أن يرجم . وسنذكر الخلاف فيه بين الأئمة .

                                                                                                                                                                                  وأخرج أبو داود والنسائي وأحمد من حديث هشام بن سعد ، أخبرني يزيد بن نعيم بن هزال ، عن أبيه قال : كان ماعز بن مالك في حجر أبي ، فأصاب جارية من الحي ، فقال له أبي : ائت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بما صنعت لعله يستغفر لك ! وإنما يريد بذلك رجاء أن يكون له مخرج ، فأتاه فقال : يا رسول الله ، إني زنيت ، فأقم علي كتاب الله عز وجل ! فأعرض عنه ، إلى أن أتاه الرابعة ، قال : هل باشرتها ؟ قال : نعم . قال : هل جامعتها ؟ قال : نعم . فأمر به فرجم ، فوجد مس الحجارة فخرج [ ص: 257 ] يشتد فلقيه عبد بن أنيس فنزع له بوظيف بعير فقتله ، وذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : هلا تركتموه لعله يتوب فيتوب الله عليه ، وزاد فيه أحمد : قال هشام : فحدثني يزيد بن نعيم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له حين رآه : يا هزال لو كنت سترته لكان خيرا لك مما صنعت به ، قال في ( التنقيح ) : إسناده صالح ، وهشام بن سعد روى له مسلم ، وكذلك روى ليزيد بن نعيم .

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) : يزيد بن نعيم بن هزال ، ويزيد من رجال مسلم كما ذكرنا ، ونعيم مختلف في صحبته ، وهزال هو ابن دياب بن يزيد بن كليب الأسلمي ، روى عنه ابنه ومحمد بن المنكدر حديثا واحدا ، قال أبو عمر : ما أظن له غيره وهو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا هزال لو سترته بردائك .

                                                                                                                                                                                  قوله : " هل بك جنون " إنما قال ذلك ليتحقق حاله ، فإن الغالب أن الإنسان لا يصر على ما يقتضي قتله مع أن له طريقا إلى سقوط الإثم بالتوبة .

                                                                                                                                                                                  قوله : " هل أحصنت " على صيغة المجهول أي : هل تزوجت قط .

                                                                                                                                                                                  قوله : " بالمصلى " وهو الموضع الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فيه الأعياد وعلى الموتى ، وقال الكرماني : والأكثر على أنه مصلى الجنائز وهو بقيع الفرقد .

                                                                                                                                                                                  قوله : " فلما أذلقته الحجارة " بالذال المعجمة وباللام والقاف أي : أقلقته ، يعني : بلغ منه الجهد حتى قلق ، ويقال : أي أصابته بحدها فعقرته ، وذلق كل شيء حده .

                                                                                                                                                                                  قوله : " جمز " بالجيم والميم والزاء ، أي : أسرع هاربا من القتل ، يقال : جمز يجمز جمزا من باب ضرب يضرب .

                                                                                                                                                                                  قوله : " حتى أدرك " على صيغة المجهول .

                                                                                                                                                                                  قوله : " بالحرة " بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء وهي أرض ذات حجارة سود خارج المدينة .

                                                                                                                                                                                  قوله : " فقتل " على صيغة المجهول .

                                                                                                                                                                                  ويستفاد منه أحكام :

                                                                                                                                                                                  الأول : فيه فضيلة ماعز حيث لم يرجع عن إقراره بالزنا حتى رجم ، وقال في حديث رواه أبو داود والنسائي : عن أبي هريرة في قصة ماعز ، وفي آخره : والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها ، وفي حديث أخرجه أحمد عن أبي ذر في قصة ماعز ، وفي آخره قال : يا أبا ذر ألم تر إلى صاحبكم غفر له وأدخل الجنة ؟ .

                                                                                                                                                                                  الثاني : أنه لا يجب حد الزاني على المعترف بالزنا حتى يقر به على نفسه أربع مرات ، وهو قول سفيان الثوري وابن أبي ليلى والحكم بن عتيبة وأبي حنيفة وأصحابه وأحمد في الأصح وإسحاق ، واحتجوا فيما ذهبوا إليه بقوله : فشهد على نفسه أربع شهادات ، وقال حماد بن أبي سليمان وعثمان البتي والحسن بن حي ومالك والشافعي وأحمد في رواية ، وأبو ثور : إذا أقر الزاني بالزنا مرة واحدة يجب عليه الحد ولا يحتاج إلى مرتين أو أكثر ، واحتجوا فيه بحديث الغامدية فإنه صلى الله تعالى عليه وسلم قال لأنيس : اغد يا أنيس فارجمها ، وكانت اعترفت مرة واحدة ، وأجاب الطحاوي بأنه قد يجوز أن يكون أنيس قد كان علم الاعتراف الذي يوجب الحد على المعترف ما هو بما علمهم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في ماعز وغيره ، وقيل أيضا : إن الراوي قد يختصر الحديث فلا يلزم من عدم الذكر عدم الوقوع على أنه قد ورد في بعض طرق حديث الغامدية أنه ردها أربع مرات ، أخرجه البزار في ( مسنده ) .

                                                                                                                                                                                  ( فإن قلت ) : الإقرار حجة في الشرع لرجحان جانب الصدق على جانب الكذب ، وهذا المعنى عند التكرار والتوحيد سواء .

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) : هذا هو القياس ولكنا تركناه بالنص وهو أنه رد ماعزا أربع مرات .

                                                                                                                                                                                  ( فإن قلت ) لم لا يجوز أن يكون رده أربع مرات لكونه اتهمه بأنه لا يدري ما الزنا ؟

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) : روى مسلم من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه أن ماعز بن مالك الأسلمي أتى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني قد ظلمت نفسي وزنيت ، وإني أريد أن تطهرني ، فرده ، فلما كان من الغد أتاه فقال : يا رسول الله إني قد زنيت ، فرده الثانية ، فأرسل رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم إلى قومه فقال : أتعلمون بعقله بأسا تنكرون منه شيئا ؟ فقالوا : ما نعلمه إلا وفي العقل من صالحينا فيما نرى ، فأتاه الثالثة فأرسل إليهم أيضا فسألهم عنه فأخبروه أنه لا بأس به ولا بعقله ، فلما كانت الرابعة حفر له حفرة . الحديث . فقد غفل الكرماني عن هذا الحديث حيث قال : الإقرار بالأربع لم يكن على سبيل الوجوب ، بدليل أنه صلى الله عليه وسلم قال : اغد يا أنيس على امرأة هذا ، فإن اعترفت فارجمها ، ولم يشترط عددا ، وقد مر الجواب الآن عن حديث أنيس ، وكيف لا يشترط العدد وقد ورد في حديث أنه صلى الله عليه وسلم قال لماعز : إنك قد قلتها أربع مرات ؟ وفي لفظ له عن ابن عباس : إنك شهدت على نفسك أربع مرات ، وفي لفظ لابن أبي شيبة : أليس أنك قلتها أربع مرات ؟ فرتب الرجم على الأربع ، وإلا فمن المعلوم أنه قالها أربع مرات .

                                                                                                                                                                                  [ ص: 258 ] الثالث : أن الإحصان شرط في الرجم لقوله صلى الله عليه وسلم : هل أحصنت ؟ والإحصان على نوعين : إحصان الرجم وإحصان القذف ، أما إحصان الرجم فهو في الشرع عبارة عن اجتماع صفات اعتبرها لوجوب الرجم وهي سبعة : العقل والبلوغ والحرية والإسلام والنكاح الصحيح والدخول في النكاح الصحيح ، وأما إحصان القذف فخمسة : العقل والبلوغ والحرية والإسلام والعفة عن الزنا ، وشرط أبو حنيفة الإسلام في الإحصان لقوله صلى الله عليه وسلم : من أشرك بالله فليس بمحصن ، رواه إسحاق بن راهويه في ( مسنده ) من حديث نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم : من أشرك بالله فليس بمحصن ، وقال أبو يوسف والشافعي وأحمد : ليس الإسلام بشرط في الإحصان لأنه صلى الله عليه وسلم رجم يهوديين .

                                                                                                                                                                                  قلنا : كان ذلك بحكم التوراة قبل نزول آية الجلد في أول ما دخل صلى الله عليه وسلم المدينة ، فصار منسوخا بها ثم نسخ الجلد في حق الزاني المحصن .

                                                                                                                                                                                  الرابع : أنه صلى الله عليه وسلم لم يجمع في ماعز بين الجلد والرجم ، وقال الشعبي والحسن البصري وإسحاق وداود وأحمد في رواية : يجلد المحصن ثم يرجم ، قال الترمذي : وهو مذهب جماعة من الصحابة منهم علي بن أبي طالب وأبي بن كعب وعبد الله بن مسعود وغيرهم ، واحتجوا بحديث جابر أن رجلا زنى فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فجلد ، ثم أخبر أنه كان قد أحصن فأمر به فرجم ، رواه أبو داود والطحاوي ، وقال إبراهيم النخعي والزهري والثوري والأوزاعي وعبد الله بن المبارك وابن أبي ليلى والحسن بن صالح وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد ومالك والشافعي وأحمد في الأصح : حد المحصن الرجم فقط لحديث ماعز .

                                                                                                                                                                                  ( فإن قلت ) : روى عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : خذوا عني ، قد جعل الله لهن سبيلا : البكر يجلد وينفى ، والثيب يجلد ويرجم ، رواه مسلم وغيره .

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) : حديث عبادة منسوخ بحديث العسيف ، أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة وفيه : فإن اعترفت فارجمها ، الحديث ، وهذا آخر الأمرين لأن أبا هريرة متأخر الإسلام ولم يتعرض فيه للجلد واستدل الأصوليون أيضا على تخصيص الكتاب بالسنة بأنه صلى الله عليه وسلم رجم ماعزا ولم يجلده ، وآية الجلد شاملة للمحصن وغيره .

                                                                                                                                                                                  الخامس : فيه الاستفسار عن حال الذي اعترف ، فإنه صلى الله عليه وسلم قال لماعز : هل أحصنت ؟ وجاء في حديثه أيضا : هل جامعتها ؟ وهل باشرتها ؟ فيما رواه أبو داود ، وفي رواية له : فأقبل في الخامسة فقال : أنكحتها ؟ قال : نعم ، قال : حتى غاب ذلك منك في ذلك منها ؟ قال : نعم ، قال : كما يغيب المرود في المكحلة والرشاء في البئر ؟ قال : نعم ، قال : فهل تدري ما الزنا ؟ قال : نعم أتيت منها حراما مثل ما أتى الرجل من امرأته حلالا ، الحديث .

                                                                                                                                                                                  وفي حديث ماعز يستفاد أحكام أخرى غير ما ذكرنا هنا ، منها : أن الستر فيه مندوب لقول النبي صلى الله عليه وسلم لهزال لما أرسل ماعزا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال له : لو سترته بثوبك لكان خيرا لك ، أخرجه أبو داود والنسائي عن يزيد بن نعيم عن أبيه ، وروى مسلم من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة .

                                                                                                                                                                                  ومنها أنه صلى الله عليه وسلم أخر الحد إلى أن يتم الإقرار أربع مرات ، ومنها أن على الإمام أن يرادد المقر بالزنا بقوله : لعلك قبلت أو مسست ؟ وفي لفظ البخاري على ما يأتي : لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت ؟ قال : لا ، قال : أفنلتها ؟ قال : نعم .

                                                                                                                                                                                  ومنها أن المرجوم يصلى عليه كما روى البخاري على ما سيأتي في كتاب المحاربين عن محمود بن غيلان ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن جابر ، فذكر قصة ماعز ، وفي آخره : ثم أمر به فرجم ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم خيرا وصلى عليه .

                                                                                                                                                                                  ( فإن قلت ) قيل للبخاري : قوله : وصلى عليه قاله غير معمر ، قال : لا ، ورواه أبو داود عن محمد بن المتوكل والحسن بن علي ، كلاهما عن عبد الرزاق به ، ورواه الترمذي عن الحسن بن علي به وقال : حسن صحيح ، ورواه النسائي في الجنائز عن محمد بن يحيى ومحمد بن رافع ونوح بن حبيب ثلاثتهم عن عبد الرزاق به ، وقالوا كلهم فيه : ولم يصل عليه .

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) : أجيب بأن معنى قوله : فصلى عليه دعا له ، وبهذا تتفق الأخبار ، ولكن يعكر على هذا ما رواه أبو قرة الزبيري ، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن أبي أيوب ، عن أبي أمامة بن سهل الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر يوم رجم ماعز فطول في الأوليين حتى كاد الناس يعجزون من طول الصلاة ، فلما انصرف ومر به فرجم ، فلم يصل حتى رماه عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه بلحي بعير فأصاب رأسه فقتله ، وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم والناس .

                                                                                                                                                                                  ( فإن قلت ) : روى أبو داود في ( سننه ) عن أبي عوانة ، عن أبي بشر ، حدثني ثقة من أهل البصرة ، عن أبي برزة الأسلمي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصل على ماعز بن مالك ولم ينه عن الصلاة عليه .

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) : ضعفه ابن الجوزي في ( التحقيق ) بأن فيه مجاهيل .

                                                                                                                                                                                  ( فإن قلت ) : [ ص: 259 ] أخرج أبو داود أيضا عن ابن عباس أن ماعز بن مالك أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إنه زنى ، فأمر به فرجم ولم يصل عليه ، قال النووي في ( الخلاصة ) : إسناده صحيح .

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) : أخرجه النسائي مرسلا ، ولئن سلمنا صحته فإن رواية الإثبات مقدمة لأنها زيادة علم .

                                                                                                                                                                                  ومنها أنها يفعل بالمرجوم كما يفعل بسائر الموتى لما روى ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) في كتاب الجنائز : حدثنا أبو معاوية ، عن أبي حنيفة ، عن علقمة بن مرثد ، عن ابن بريدة ، عن أبيه قال : " لما رجم ماعز قالوا : يا رسول الله ما نصنع به ؟ قال : اصنعوا به ما تصنعون بموتاكم من الغسل والكفن والحنوط والصلاة عليه " .

                                                                                                                                                                                  ومنها أنه يحفر للمرجوم لما رواه أحمد في ( مسنده ) من حديث أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال : كنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فأتاه رجل يقال : إنه زنى فأعرض عنه ثم ثنى ثم ثلث ثم ربع ، فأمرنا فحفرنا له فرجم ، وقال النووي في ( شرح مسلم ) أما الحفر للمرجوم والمرجومة ففيه مذاهب للعلماء ، قال مالك وأبو حنيفة وأحمد في المشهور عنهم : لا يحفر لواحد منهما ، وقال قتادة وأبو ثور وأبو يوسف وأبو حنيفة في رواية : يحفر لهما ، وقال بعض المالكية وأصحابنا : لا يحفر للرجل سواء ثبت زناه بالبينة أم بالإقرار ، وأما المرأة ففيها ثلاثة أوجه لأصحابنا : أحدها : يستحب الحفر إلى صدرها ليكون أستر لها ، والثاني : لا يستحب ولا يكره بل هو إلى خيرة الإمام ، والثالث وهو الأصح إن ثبت زناها بالبينة استحب وإن ثبت بالإقرار فلا يمكنها الهرب إن رجعت .

                                                                                                                                                                                  ( فإن قلت ) : في حديث أبي ذر المذكور الحفر ، وجاء في حديث أبي سعيد أخرجه مسلم أن رجلا من أسلم الحديث ، وفيه : فما وثقناه ولا حفرنا له .

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) : قالوا : إن المراد في قوله : " ولا حفرنا له " يعني حفرة عظيمة .

                                                                                                                                                                                  ومنها : درء الحد عن المعترف إذا رجع كما ورد في حديث ماعز أخرجه الترمذي عن أبي هريرة قال : جاء ماعز الأسلمي إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال : إنه قد زنى " الحديث ، وفي آخره : هلا تركتموه يعني حين ولى ماعز هاربا من ألم الحجارة ، وأخبر به النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال ذلك .

                                                                                                                                                                                  ومنها : أن المرجوم والمقتول في الحدود والمحاربة وغيرهم يصلى عليهم ، وقال الزهري : لا يصلي أحد على المرجوم وقاتل نفسه ، وأبو يوسف معه في قاتل النفس ، وقال قتادة : لا يصلى على ولد الزنا .

                                                                                                                                                                                  ومنها : أن الإمام وأهل الفضل يصلون على المرجوم كما يصلي عليه غيرهم خلافا لبعض المالكية .

                                                                                                                                                                                  ومنها : أن التلقين للرجوع يستحب لأن حد الزنا لا يحتاط له بالتحرير والتنقير عنه بل الاحتياط في دفعه ، وقد روى الترمذي من حديث الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : " ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم ، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله ، فإن الإمام لو يخطئ في العفو خير له من أن يخطئ في العقوبة " وانفرد بإخراجه الترمذي ، وأخرج ابن ماجه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ادفعوا الحدود ما وجدتم له مدفعا " ، وفي سنده إبراهيم بن الفضل وهو ضعيف ، وأخرج أبو داود والنسائي من حديث ابن جريج عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تعافوا الحدود فيما بينكم ، فما بلغني من حد فقد وجب " ، وروى الدارقطني والبيهقي من رواية مختار التمار عن أبي مطر عن علي رضي الله تعالى عنه ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ادرءوا الحدود " ومختار هو ابن نافع ضعيف ، وروى ابن عدي من رواية ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : " ادرءوا الحدود بالشبهات ، وأقيلوا الكرام عثراتهم إلا في حد من حدود الله " .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية