الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  70 12 - حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن أبي وائل قال : كان عبد الله يذكر الناس في كل خميس ، فقال له رجل : يا أبا عبد الرحمن ، لوددت أنك ذكرتنا كل يوم ! قال : أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم ، وإني أتخولكم بالموعظة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بها مخافة السآمة علينا .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقة الحديث للترجمة ظاهرة ، والدليل عليها إما أن يكون بفعل الصحابي عند من يقول به أو بالاستنباط من فعل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                  بيان رجاله : وهم خمسة ; الأول : عثمان بن محمد بن إبراهيم بن أبي شيبة بن عثمان بن خواستي - بضم الخاء المعجمة وبعد الألف سين مهملة ثم تاء مثناة من فوق - أبو الحسن العبسي الكوفي ، أخو أبي بكر وقاسم ، وهو أكبر من أبي بكر بثلاث سنين ، وأبو بكر أجل منه ، نزل بغداد ورحل إلى مكة والري ، وكتب الكثير . روى عنه يحيى بن محمد الذهلي ومحمد بن سعد ، وأبو زرعة وأبو حاتم الرازيان ، والبخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه ، وروى النسائي عن رجل عنه ، سئل عنه محمد بن عبد الله بن نمير فقال : ومثله يسأل عنه ! وقال يحيى بن معين وأحمد بن عبد الله : ثقة . وقال أحمد بن حنبل : ما علمت إلا خيرا - وأثنى عليه ، وكان ينكر عليه أحاديث حدث بها ; منها حديث جرير عن الثوري عن ابن عقيل عن جابر قال : شهد النبي عليه الصلاة والسلام عيد المشركين . توفي لثلاث بقين من المحرم سنة تسع وثلاثين ومائتين .

                                                                                                                                                                                  الثاني : جرير بن عبد الحميد بن قرط بن هلال - وقيل تيري بدل هلال - الضبي الكوفي ، قال : ولدت سنة مات الحسن ، وهي سنة عشر ومائة . وتوفي سنة ثمان وثمانين ومائة ، وقيل سبع . روى عنه ابن المبارك وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو بكر ، قال محمد بن سعد : كان ثقة كثير العلم يرحل إليه . وقال أبو حاتم : ثقة . وقال أبو زرعة : صدوق ، من أهل العلم - روى له الجماعة .

                                                                                                                                                                                  الثالث : منصور بن المعتمر بن [ ص: 48 ] عبد الله بن ربيعة ، ويقال : ابن المعتمر بن عتاب بن عبد الله بن ربيعة - بضم الراء ، وعتاب بفتح العين المهملة وبالتاء المثناة من فوق . روى عنه أيوب والأعمش ومسعر والثوري ، وهو أثبت الناس فيه ، أخرج له البخاري في العلم والوضوء والغسل والحج وغير موضع عن شعبة والثوري وابن عيينة وشيبان وروح بن القاسم وحماد بن زيد وجرير بن عبد الحميد عنه عن أبي وائل وإبراهيم النخعي والشعبي ومجاهد والزهري وربعي وسالم بن أبي الجعد ، أريد على القضاء فامتنع ، قيل : صام أربعين سنة وقام ليلها ، وقيل ستين سنة ، وعمش من البكاء ، ومات سنة ثلاث - وقيل اثنتين - وثلاثين ومائة ، روى له الجماعة .

                                                                                                                                                                                  الرابع : أبو وائل شقيق بن سلمة .

                                                                                                                                                                                  الخامس : عبد الله بن مسعود رضي الله عنه .

                                                                                                                                                                                  بيان لطائف إسناده : منها أن في إسناده التحديث والعنعنة ، ومنها أن رواته كوفيون ، ومنها أنهم أئمة أجلاء .

                                                                                                                                                                                  بيان الإعراب والمعاني : قوله " يذكر الناس " جملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل النصب لأنها خبر " كان " .

                                                                                                                                                                                  قوله " فقال له " ; أي لعبد الله " رجل " قيل إنه يزيد بن معاوية النخعي .

                                                                                                                                                                                  قوله " يا أبا عبد الرحمن " ، هو كنية عبد الله بن مسعود .

                                                                                                                                                                                  قوله " لوددت " ، اللام فيه جواب قسم محذوف ; أي والله لوددت ، أي لأحببت .

                                                                                                                                                                                  قوله " أنك " بفتح الهمزة ; لأنه مفعول " وددت " .

                                                                                                                                                                                  وقوله " ذكرتنا " في محل الرفع لأنه خبر " أن " .

                                                                                                                                                                                  قوله " كل يوم " كلام إضافي منصوب على الظرف .

                                                                                                                                                                                  قوله " أما " بفتح الهمزة وتخفيف الميم ، من حروف التنبيه - قاله الكرماني . قلت : أما هذه على وجهين ; أحدهما أن يكون حرف استفتاح بمنزلة ألا ويكثر قبل القسم ، والثاني أن يكون بمعنى حقا ، وأما ها هنا من القسم الأول .

                                                                                                                                                                                  قوله " إنه " بكسر الهمزة ، والضمير فيه للشأن ، وبفتح " إن " بعد " أما " إذا كان بمعنى حقا .

                                                                                                                                                                                  قوله " يمنعني " فعل ومفعول ، وقوله " أني أكره " بفتح الهمزة من " أني " فاعل " يمنعني " ، وأكره جملة في محل الرفع لأنها خبر " أن " .

                                                                                                                                                                                  قوله " أن أملكم " ، أن هذه مصدرية ، وأملكم بضم الهمزة وكسر الميم وتشديد اللام ، والتقدير : أكره إملالكم وضجركم .

                                                                                                                                                                                  قوله " وإني " بكسر الهمزة .

                                                                                                                                                                                  قوله " أتخولكم " جملة في محل الرفع ; لأنها خبر " إن " .

                                                                                                                                                                                  قوله " كما كان " الكاف للتشبيه ، وما مصدرية .

                                                                                                                                                                                  قوله " بها " ; أي بالموعظة .

                                                                                                                                                                                  قوله " علينا " يتعلق بالمخافتة ، ويحتمل أن يتعلق بالسآمة .

                                                                                                                                                                                  قال ابن بطال : فيه ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم من الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم والمحافظة على سنته على حسب معاينتهم لها منه وتجنب مخالفته لعلمهم بما في موافقته من عظم الأجر وما في مخالفته بعكس ذلك .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية