الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  918 10 - حدثنا إبراهيم بن موسى ، قال : أخبرنا هشام أن ابن جريج أخبرهم قال : أخبرني عطاء ، عن جابر بن عبد الله قال : سمعته يقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الفطر فبدأ بالصلاة قبل الخطبة .

                                                                                                                                                                                  قال : وأخبرني عطاء أن ابن عباس أرسل إلى ابن الزبير في أول ما بويع له أنه لم يكن يؤذن بالصلاة يوم الفطر وإنما الخطبة بعد الصلاة . وأخبرني عطاء عن ابن عباس ، وعن جابر بن عبد الله قالا : لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى .

                                                                                                                                                                                  وعن جابر بن عبد الله قال : سمعته يقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم قام فبدأ بالصلاة ، ثم خطب الناس بعد ، فلما فرغ نبي الله صلى الله عليه وسلم نزل فأتى النساء فذكرهن وهو يتوكأ على يد بلال ، وبلال باسط ثوبه يلقي فيه النساء صدقة ، قال : ( قلت ) : لعطاء ، أترى حقا على الإمام الآن أن يأتي النساء فيذكرهن حين يفرغ ؟ قال : إن ذلك لحق عليهم وما لهم أن لا يفعلوا .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقة هذا الحديث للجزء الثاني والثالث للترجمة ظاهرة ، أما مطابقته في الثاني ففي قوله : "فبدأ بالصلاة قبل الخطبة" ، وفي قوله : "قام فبدأ بالصلاة ثم خطب الناس" ، وأما مطابقته في الثالث ففي قوله : "لم يكن يؤذن بالصلاة يوم الفطر ولا يوم الأضحى" ، وبقي الجزء الأول خاليا عن حديث يدل عليه ظاهرا ، ولهذا اعترض ابن التين فقال : ليس فيما ذكره من الأحاديث [ ص: 282 ] ما يدل على مشي ولا ركوب ، ( وأجيب ) بأن عدم ذلك مشعر بتسويغ كل منهما ، وأنه لا مزية لأحدهما على الآخر ، ( قلت ) : هذا ليس بشيء ولكن يستأنس في ذلك من قوله : "وهو يتوكأ على يد بلال" لأن فيه تخفيفا عن مشقة المشي فكذلك في الركوب ، هذا المعنى ففي كل من التوكؤ والركوب ارتفاق ، وإن كان الركوب أبلغ في ذلك .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) وهم سبعة : الأول إبراهيم بن موسى بن يزيد التميمي الفراء أبو إسحاق الرازي يعرف بالصغير ، الثاني هشام بن يوسف أبو عبد الرحمن الصنعاني اليماني قاضيها مات سنة سبع وتسعين ومائة باليمن ، الثالث عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ، وقد تكرر ذكره ، الرابع عطاء بن أبي رباح ، الخامس جابر بن عبد الله ، السادس عبد الله بن عباس ، السابع عبد الله بن الزبير .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد ، وفيه الإخبار كذلك في موضع ، وبصيغة الإفراد في أربعة مواضع ، وفيه العنعنة في أربعة مواضع ، وفيه القول في تسعة مواضع ، وفيه السماع في موضعين ، وفيه أن شيخه رازي والثاني من الرواة يماني ، والثالث والرابع مكيان ، وفيه أن هشاما من أفراده .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر من أخرجه غيره ) أخرجه مسلم أيضا في «الصلاة" عن إسحاق بن إبراهيم ، ومحمد بن رافع كلاهما ، عن عبد الرزاق ، وأخرجه أبو داود فيه عن أحمد بن حنبل ، عن عبد الرزاق ، ومحمد بن بكر .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) قوله : "إلى ابن الزبير" وهو عبد الله بن الزبير ، قوله : "في أول ما بويع له" أي لابن الزبير بالخلافة وكان ذلك في سنة أربع وستين عقيب موت يزيد بن معاوية ، قوله : "لم يكن يؤذن" على صيغة المجهول من التأذين ، أي لم يكن يؤذن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، والضمير في "أنه" ، وفي "لم يكن" للشأن ، قوله : "قال وأخبرني عطاء " والقائل هو ابن جريج في الموضعين وهو معطوف على الإسناد المذكور ، وكذا قوله : "وعن جابر بن عبد الله" معطوف أيضا ، قوله : "وإنما الخطبة بعد الصلاة" كذا للأكثرين ، وفي رواية المستملي : "وأما" بدل "وإنما" ( قيل ) : إنه تصحيف ، ( قلت ) : دعوى التصحيف ما لها وجه لأن المعنى صحيح ، قوله : "فذكرهن" بالتشديد من التذكير أي وعظهن ، قوله : "وهو يتوكأ" جملة حالية أي يعتمد على يد بلال ، وكذا الواو في "وبلال" للحال ، قوله : "يلقي" بضم الياء من الإلقاء وهو الرمي ، قوله : "أن يأتي النساء" مفعول أول للرؤية ، قوله : "حقا" مفعول ثان ، قوله : "وما لهم أن لا يفعلوا" يريد بذلك التأسي بهم ، ( فإن قلت ) : كلمة "ما" هذه ما هي ؟ ( قلت ) : يحتمل أن تكون نافية وأن تكون استفهامية .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر ما يستفاد منه ) فيه الخروج إلى المصلى ، وفيه أن الصلاة قبل الخطبة ، وفيه أن لا أذان لصلاة العيدين ولا إقامة ، وروى مسلم من حديث جابر بن سمرة قال : "صليت مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم العيدين غير مرة ولا مرتين بغير أذان ولا إقامة" ، وروى أبو داود من حديث طاوس : "عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العيد بلا أذان ولا إقامة ، وأبا بكر ، وعمر ، وعثمان" ، وأخرجه ابن ماجه وروى البزار من حديث سعد بن أبي وقاص : "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العيد بغير أذان ولا إقامة" ، وروى الطبراني في الأوسط من حديث البراء بن عازب : "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في يوم الأضحى بغير أذان ولا إقامة" ، وروى الطبراني في الكبير من حديث محمد بن عبيد الله بن أبي رافع ، عن أبيه ، عن جده : "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى العيد ماشيا يصلي بغير أذان ولا إقامة" ، وقال ابن أبي شيبة : حدثنا ابن مهدي "عن سماك قال : رأيت المغيرة بن شعبة والضحاك وزيادا يصلون يوم الفطر والأضحى بلا أذان ولا إقامة" ، وحدثنا عبد الأعلى ، عن بردة ، عن مكحول أنه كان يقول : ليس في العيدين أذان ولا إقامة ، وكذلك قاله عكرمة ، وإبراهيم ، وأبو وائل ، وقال الشعبي والحكم : هو بدعة ، وقال محمد : محدث ، وبسند صحيح عن ابن المسيب : أول من أحدثه معاوية ، وحدثنا ابن أويس ، عن حصين : أول من أذن في العيد زياد ، وفي الواضحة لابن حبيب : أول من فعله هشام ، وقال الداودي : مروان ، وعند الشافعي وغيره : ينادى لهما الصلاة جامعة بنصب الأول على الإغراء ، ونصب الثاني على الحال ، وفي شرح الترمذي للحافظ زين الدين قال الشافعي : واجب أن يأمر الإمام المؤذن أن يقول في الأعياد وما جمع الناس من الصلاة : الصلاة جامعة ، أو الصلاة ، فإن قال : "هلموا إلى الصلاة" لم نكرهه ، فإن قال : "حي على الصلاة" فلا بأس به ، ونقل الماوردي في الحاوي عن الشافعي أنه قال : فإن قال : "هلموا إلى الصلاة ، أو حي على الصلاة ، أو قد قامت الصلاة" كرهنا له ذلك ، وأجزأه ، وحكى ابن الرفعة عن القاضي حسين أنه يقول : الصلاة الصلاة ، ولا يقول : جامعة ، وفيه الأمر بالصدقة للنساء ، وخصهن بذلك في قول بعض العلماء "لقد رأيتكن أكثر أهل [ ص: 283 ] النار" ، وفيه الحجة لأبي حنيفة في وجوب الزكاة في الحلي ، وأما المشي إلى العيد ففي الترمذي : "عن علي من السنة أن يخرج إلى العيد ماشيا" ، وعند ابن ماجه : "عن سعد القرظ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى العيد ماشيا" ، وعند ابن ماجه أيضا من حديث ابن عمر : " كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يخرج إلى العيد ماشيا ويرجع ماشيا " ، وإسناده ضعيف جدا ، وعند البزار من حديث سعد بن أبي وقاص : "أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان يخرج إلى العيد ماشيا ويرجع في طريق غير الطريق الذي خرج منه" .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية