الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  99 41 - حدثنا عبد العزيز بن عبد الله ، قال : حدثني سليمان ، عن عمرو بن أبي عمرو ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبي هريرة أنه قال : قيل : يا رسول الله ، من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد ظننت يا با هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث ، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه أو نفسه .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقة الحديث للترجمة في قوله " لما رأيت من حرصك على الحديث " .

                                                                                                                                                                                  بيان رجاله : وهم خمسة ، الأول : عبد العزيز بن عبد الله بن يحيى بن عمرو بن أويس بن سعيد بن أبي سرح ، بالمهملات ، ابن حذيفة بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي بن فهر أبو القاسم القرشي العامري الأويسي المدني الفقيه ، روى عنه البخاري ، وروى أبو داود والترمذي عن رجل عنه ، وروى البخاري في الإصلاح عن محمد بن عبد الله مقرونا بالفروي عنه عن محمد بن جعفر ، قال أبو حاتم : مدني صدوق ، وعنه قال : هو أحب إلي من يحيى بن بكير .

                                                                                                                                                                                  الثاني : سليمان بن بلال أبو محمد التيمي القريشي المدني ، وقد مر ذكره .

                                                                                                                                                                                  الثالث : عمرو بن أبي عمرو ، بفتح العين وبالواو فيهما ، وأبو عمرو اسمه ميسرة ، وعمرو يكنى أبا عثمان ، وميسرة مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب ، بفتح المهملة وسكون النون وفتح المهملة وبالموحدة ، المخزومي القرشي [ ص: 126 ] المدني ، روى عن أنس بن مالك وغيره ، وعنه مالك والداروردي ، قال أبو زرعة : ثقة ، وقال أبو حاتم : لا بأس به ، وأما يحيى بن معين فقال : ضعيف ليس بالقوي وليس بحجة ، وقال ابن عدي : لا بأس به لأن مالكا روى عنه ، ولا يروي إلا عن صدوق ثقة ، مات سنة خلافة المنصور في أولها ، وكانت أول سنة ست وثلاثين ومائة ، وزياد بن عبد الله على المدينة ، روى له الجماعة .

                                                                                                                                                                                  الرابع : سعيد بن أبي سعيد المقبري ، بضم الباء وفتحها ، وقد مر .

                                                                                                                                                                                  الخامس : أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه .

                                                                                                                                                                                  بيان لطائف إسناده : منها أن فيه التحديث بصيغة الجمع وصيغة الإفراد والعنعنة ، ومنها أن رواته كلهم مدنيون ، ومنها أن فيه رواية التابعي عن التابعي .

                                                                                                                                                                                  بيان تعدد موضعه ومن أخرجه غيره : أخرجه البخاري هنا عن عبد العزيز ، وفي صفة الجنة عن قتيبة عن إسماعيل بن جعفر عن عمرو بن أبي عمرو به ، وأخرجه النسائي في العلم عن علي بن حجر عن إسماعيل بن جعفر به ، وقال المزي : روى عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة ، وحديث النسائي ليس في الرواية ولم يذكره أبو القاسم .

                                                                                                                                                                                  بيان الإعراب : قوله " أنه قال " بفتح أن ، وقوله " قال " جملة في محل الرفع لأنها خبر أن ، قوله “ قيل يا رسول الله " كذا هو في رواية أبي ذر وكريمة ، وليس في رواية الباقين لفظة قيل ، وإنما هو " أنه قال : يا رسول الله " وقال القاضي عياض : قوله قيل وهم والصواب سقوط قيل كما جاء عند الأصيلي والقابسي لأن السائل هو أبو هريرة نفسه لقوله بعد " لقد ظننت أن لا يسألني عن هذا أحد أول منك " والأول وقع في رواية أبي ذر وهو وهم ، قلت : الصواب ما قاله القاضي ، فإن البخاري أخرجه في الرقاق كذلك ، وأخرجه في الجنة أنه قال " قلت يا رسول الله " وهذا مما يؤيد أن قلت تصحف بقيل ، وفي رواية الإسماعيلي " أنه سأل " وفي رواية أبي نعيم " أن أبا هريرة قال : يا رسول الله " قوله “ من أسعد الناس “ مبتدأ وخبر ومن استفهامية " ويوم القيامة " كلام إضافي نصب على الظرف ، قوله “ لقد ظننت " اللام فيه جواب قسم محذوف ، قاله الكرماني ، والأولى أن يقال : إنه لام التأكيد .

                                                                                                                                                                                  قوله " يا با هريرة " أصله يا أبا هريرة ، فحذفت الهمزة تخفيفا ، وهو معترض بين ظننت ومفعوله وهو قوله " أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد " ويجوز ضم اللام في يسألني وفتحها لأن كلمة أن إذا وقعت بعد الظن يجوز في مدخولها الوجهان الرفع والنصب ، واعلم أن " أن " المفتوحة الهمزة الساكنة النون على وجهين : اسم وحرف ، فالحرف على أربعة أوجه : الأول أن يكون حرفا مصدريا ناصبا للمضارع ، وتقع في موضعين : أحدهما في الابتداء فتكون في موضع رفع نحو وأن تصوموا خير لكم والثاني بعد لفظ دال على معنى غير اليقين فيكون في موضع رفع نحو ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ونصب نحو وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله وخفض نحو أوذينا من قبل أن تأتينا ومحتملة لهما نحو والذي أطمع أن يغفر لي أصله في أن يغفر لي .

                                                                                                                                                                                  الثاني : أن تكون مخففة من الثقيلة فتقع بعد فعل اليقين أو ما نزل منزلته نحو أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا علم أن سيكون وحسبوا ألا تكون فتنة فيمن رفع تكون ، فإن هذه ثلاثية الوضع وهي مصدرية أيضا ، وتنصب الاسم وترفع الخبر خلافا للكوفيين ، وزعموا أنها لا تعمل شيئا ، وشرط اسمها أن يكون محذوفا ، وربما ثبت في الضرورة على الأصح ، وشرط خبرها أن يكون جملة ولا يجوز إفراده إلا إذا ذكر الاسم فيجوز الأمران .

                                                                                                                                                                                  الثالث : أن تكون مفسرة بمنزلة أي نحو قوله تعالى فأوحينا إليه أن اصنع الفلك وعن الكوفية إنكار أن التفسيرية البتة وإذا ولي أن الصالحة للتفسير مضارع معه لا نحو أشرت إليه أن لا يفعل جاز رفعه على تقدير لا نافية وجزمه على تقديرها ناهية وعليهما فأن مفسرة ، ونصبه على تقدير لا نافية وأن مصدرية ، فإن فقدت لا امتنع الجزم وجاز الرفع والنصب .

                                                                                                                                                                                  الرابع : أن تكون زائدة ، ولها مواضع ذكرت في النحو .

                                                                                                                                                                                  قوله " أحد " بالرفع لأنه فاعل يسألني ، قوله “ أول منك " يجوز فيه الرفع والنصب ، فالرفع على أنه صفة لأحد أو بدل منه والنصب على الظرفية ، وقال القاضي عياض : على المفعول الثاني لظننت ، وقال أبو البقاء : على الحال أي لا يسألني أحد سابقا لك ، قال : وجاز نصب الحال عن النكرة لأنها في سياق النفي فتكون عامة كقولهم ما كان أحد مثلك ، واختلف في أول هل وزنه أفعل أو فوعل ، والصحيح أنه أفعل واستعماله بمن من جملة أدلة صحته ، وقال أبو علي الفارسي : أول تستعمل اسما وصفة ، فإن استعملت صفة كانت بالألف واللام أو بالإضافة أو بمن ظاهرة أو مقدرة مثل قوله تعالى يعلم السر وأخفى أي أخفى من السر ، فإن كانت بمن جرت في الأحوال كلها على لفظ واحد تقول : هند أول من زينب ، والزيدان [ ص: 127 ] أول من العمرين ، وإن كان معناه الصفة تقول : رأيت زيدا أول من عامنا ، فأول بمنزلة قبل كأنك قلت رأيت زيدا عاما قبل عامنا ، فحكم له بالظرف حتى قالوا ابدأ بهذا أوله ، وبنوه على الضم ، كما قالوا ابدأ به قبل ، فصار كأنه قطع عن الإضافة ، ومن النصب على الظرف قوله تعالى : والركب أسفل منكم كما تقول الركب أمامك وأصله الصفة وصار أسفل ظرفا والتقدير والركب في مكان أسفل من مكانكم ثم حذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه فصار أسفل منكم بمنزلة تحتكم ، ومن لم يجعل أولا صفة صرفه بمنزلة أفكل الذي هو بمعنى الرعدة وليس فيه إلا وزن الفعل ، تقول ما ترك لنا أولا ولا آخر كقولك لا قديما ولا حديثا ، قوله “ لما رأيت " بكسر اللام وما موصولة والعائد محذوف ومن بيانية تقديره للذي رأيته من حرصك ، أو تكون ما مصدرية ومن تبعيضية وتكون مفعول رأيت والتقدير لرؤيتي بعض حرصك ، قوله “ على الحديث " يتعلق بالحرص ، قوله “ أسعد الناس " كلام إضافي مبتدأ والباء في " بشفاعتي " يتعلق به " ويوم القيامة " نصب على الظرفية ، وقوله " من قال " في محل الرفع على أنه خبر المبتدأ ، و " من " موصولة ، وقوله " خالصا " حال من الضمير الذي في " قال " وقوله " من قلبه " يجوز أن يتعلق بقوله خالصا أو بقوله قال ، والظاهر أن يتعلق بقال ، فإذا تعلق بقال يكون ظرفا لغوا ، وإن تعلق بخالصا يكون ظرفا مستقرا إذ تقديره حينئذ ناشئا من قلبه ، واللغو لا محل له من الإعراب ، والمستقر هنا منصوب على الحال .

                                                                                                                                                                                  بيان المعاني : قوله " من أسعد الناس " أسعد أفعل ، والسعد هو اليمن ، تقول منه سعد يومنا يسعد سعودا ، والسعودة خلاف النحوسة ، والسعادة خلاف الشقاوة ، تقول منه سعد الرجل بالكسر فهو سعيد مثال سلم فهو سليم ، وسعد على ما لم يسم فاعله فهو مسعود ، فإن قلت : أسعد هنا من أي الباب ؟ قلت : من الباب الثاني ، وهو من باب فعل يفعل بالكسر في الماضي والفتح في الغابر ، والأول من باب فعل يفعل بالفتح في الماضي والضم في الغابر ، فإن قلت : أفعل التفضيل يدل على الشركة والمشرك والمنافق لا سعادة لهما ؟ قلت : أسعد ها هنا بمعنى سعيد يعني سعيد الناس كقولهم الناقص والأشج أعدلا بني مروان يعني عادلا بني مروان ، ويجوز أن يكون على معناه الحقيقي المشهور ، والتفضيل بحسب المراتب أي هو أسعد ممن لم يكن في هذه المرتبة من الإخلاص المؤكد البالغ غايته ، وكثير من الناس يحصل له سعد بشفاعته لكن المؤمن المخلص أكثر سعادة بها فإن النبي عليه السلام يشفع في الخلق بإراحتهم من هول الموقف ، ويشفع في بعض الكفار بتخفيف العذاب كما صح في حق أبي طالب ، ويشفع في بعض المؤمنين بالخروج من النار بعد أن دخلوها ، وفي بعضهم بعدم دخولها بعد أن يستوجبوا دخولها ، وفي بعضهم بدخول الجنة بغير حساب ، وفي بعضهم برفع الدرجات فيها ، فظهر الاشتراك في مطلق السعادة بالشفاعة ، وأن أسعدهم بها المؤمن المخلص ، قوله “ بشفاعتك " الشفاعة مشتقة من الشفع وهو ضم الشيء إلى مثله كأن المشفوع له كان فردا فجعله الشفيع شفعا بضم نفسه إليه ، والشفاعة الضم إلى آخر معاونا له ، وأكثر ما يستعمل في انضمام من هو أعلى مرتبة إلى من هو أدنى ، وقال ابن بطال : فيه دليل على أن الشفاعة إنما تكون في أهل الإخلاص خاصة وهم أهل التوحيد ، وهذا موافق لقوله عليه الصلاة والسلام " لكل نبي دعوة ، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة ، فهي نائلة إن شاء الله تعالى من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا " قلت : هذا الحديث مع غيره من الآيات والأحاديث الواردة في الباب الجارية مجرى القطع دليل على ثبوت الشفاعة .

                                                                                                                                                                                  قال عياض : مذهب أهل السنة جواز الشفاعة عقلا ووجوبها بصريح الآيات والأخبار التي بلغ مجموعها التواتر لصحتها في الآخرة لمذنبي المؤمنين ، وأجمع السلف الصالح ومن بعدهم من أهل السنة على ذلك ، ومنعت الخوارج وبعض المعتزلة منها وتأولت الأحاديث على زيادات الدرجات والثواب ، واحتجوا بقوله تعالى : فما تنفعهم شفاعة الشافعين و ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع وهذه إنما جاءت في الكفار ، والأحاديث مصرحة بأنها في المذنبين ، وقال : الشفاعة خمسة أقسام ، أولها : الإراحة من هول الموقف .

                                                                                                                                                                                  الثانية : الشفاعة في إدخال قوم الجنة بغير حساب ، وهذه أيضا وردت للنبي عليه الصلاة والسلام كما جاء في الصحيح ، وقال الشيخ تقي الدين القشيري : لا أعلم هل هي مختصة أم لا ، قلت : يريد القاضي بالصحيح ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة ، وفيه " فأنطلق تحت العرش فأقع ساجدا " وفيه " فيقال يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة " وشبهه من الأحاديث .

                                                                                                                                                                                  الثالثة : قوم استوجبوا النار فيشفع فيهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في عدم دخولهم فيها ، قال القاضي : وهذه أيضا يشفع فيها نبينا محمد [ ص: 128 ] عليه الصلاة والسلام من شاء الله أن يشفع .

                                                                                                                                                                                  الرابعة : قوم دخلوا النار من المذنبين فيشفع فيهم نبينا محمد عليه السلام والملائكة والأنبياء والمؤمنون .

                                                                                                                                                                                  الخامسة : الشفاعة في زيادة الدرجات في الجنة لأهلها ، وهذه لا تنكرها المعتزلة ، وقال القاضي : عرف بالاستفاضة سؤال السلف الصالح الشفاعة ولا يلتفت إلى قول من قال يكره سؤالها لأنها لا تكون إلا للمذنبين فقد يكون لتخفيف الحساب وزيادة الدرجات ، ثم كل عاقل معترف بالتقصير مشفق أن يكون من الهالكين غير معتد بعمله ، ويلزم هذا القائل أن لا يدعو بالمغفرة والرحمة لأنها لأصحاب الذنوب ، وهذا كله خلاف ما عرف من دعاء السلف والخلف ، وقال النووي : الشفاعة الأولى هي الشفاعة العظمى ، قيل : وهي المراد بالمقام المحمود والمختصة بنبينا عليه الصلاة والسلام هي الأولى والثانية ، ويجوز أن تكون الثالثة والخامسة أيضا ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                  قوله " أسعد الناس " التقييد بالناس لا يفيد نفي السعادة عن الجن والملك ; لأن مفهوم اللقب ليس بحجة عند الجمهور ، قوله “ من قال " فيه دليل على اشتراط النطق بكلمة الشهادة ، فإن قلت : هل يكفي مجرد قول " لا إله إلا الله " دون " محمد رسول الله " ؟ قلت : لا يكفي ، لكن جعل الجزء الأول من كلمة الشهادة شعارا لمجموعها فالمراد الكلمة بتمامها كما تقول قرأت " الم ذلك الكتاب " أي السورة بتمامها ، فإن قلت : الإيمان هو التصديق القلبي على الأصح وقول الكلمة لإجراء أحكام الإيمان عليه ، فلو صدق بالقلب ولم يقل الكلمة يسعد بالشفاعة ؟ قلت : نعم ، لو لم يكن مع التصديق مناف ، وقال الكرماني : المراد بالقول القول النفساني لا اللساني ، أو ذكر على سبيل التغليب إذ الغالب أن من صدق بالقلب قال باللسان الكلمة ، قلت : لا يحتاج إلى ارتكاب المجاز والنبي عليه الصلاة والسلام مشرع ، وفي الشرع لا يعتبر إلا القول اللساني ، والقول النفساني يعتبر عند الله وهو أمر مبطن لا يقف عليه إلا الله تعالى ، قوله “ خالصا " وفي بعض النسخ مخلصا من الإخلاص ، والإخلاص في الإيمان ترك الشرك وفي الطاعة ترك الرياء ، قوله “ من قلبه " ذكر للتأكيد لأن الإخلاص معدنه القلب كما في قوله تعالى : فإنه آثم قلبه وإسناد الفعل إلى الجارحة التي تعمل بها أبلغ ، ألا ترى أنك تقول إذا أردت التأكيد أبصرته عيني وسمعته أذني ، قوله “ أو نفسه " شك من الراوي ، وقال الكرماني : شك من أبي هريرة ، قلت : التعيين غير لازم لأنه يحتمل أن يكون من أحد من الرواة ممن هم دونه ، وفي رواية البخاري في الرقاق " خالصا من قبل نفسه " .

                                                                                                                                                                                  بيان استنباط الأحكام : الأول فيه الحرص على العلم والخير ، فإن الحريص يبلغ بحرصه إلى البحث عن الغوامض ودقيق المعاني ; لأن الظواهر يستوي الناس في السؤال عنها لاعتراضها أفكارهم ، وما لطف من المعاني لا يسأل عنها إلا الراسخ فيكون ذلك سببا للفائدة ويترتب عليها أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة .

                                                                                                                                                                                  الثاني : فيه تفرس العالم في متعلمه وتنبيهه على ذلك لكونه أبعث على اجتهاده في العلم .

                                                                                                                                                                                  الثالث : فيه سكوت العالم عن العلم إذا لم يسأل حتى يسأل ، ولا يكون ذلك كتما ; لأن على الطالب السؤال ، اللهم إلا إذا تعين عليه فليس له السكوت إلا إذا تعذر .

                                                                                                                                                                                  الرابع : فيه أن الشفاعة تكون لأهل التوحيد كما ذكرنا .

                                                                                                                                                                                  الخامس : فيه ثبوت الشفاعة ، وقد مر مفصلا .

                                                                                                                                                                                  السادس : فيه فضيلة أبي هريرة رضي الله عنه .

                                                                                                                                                                                  السابع : فيه جواز القسم للتأكيد .

                                                                                                                                                                                  الثامن : فيه جواز الكنية عند الخطاب ، والله أعلم بالصواب .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية