الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  105 46 - حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب قال : حدثنا حماد ، عن أيوب ، عن محمد ، عن ابن أبي بكرة ، عن أبي بكرة ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : فإن دماءكم وأموالكم - قال محمد : وأحسبه قال : وأعراضكم - عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا ، ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب ، وكان محمد يقول : صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، كان ذلك ، ألا هل بلغت ؟ مرتين .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقة الحديث للترجمة في قوله : " ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب "

                                                                                                                                                                                  بيان رجاله : وهم خمسة :

                                                                                                                                                                                  الأول : عبد الله بن عبد الوهاب ، أبو محمد الحجبي بفتح الحاء المهملة والجيم والباء الموحدة البصري ، انفرد البخاري بالإخراج عنه ، وروى النسائي عن رجل عنه ، ولم يخرج له مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه ، وهو ثقة ، ثبت ، وثقه يحيى وآخرون ، وقال أبو حاتم : صدوق ، ثقة ، توفي سنة ثمان وعشرين ومائتين .

                                                                                                                                                                                  الثاني : حماد بن زيد البصري ، وقد تقدم .

                                                                                                                                                                                  الثالث : أيوب السختياني ، وقد تقدم .

                                                                                                                                                                                  الرابع : محمد بن سيرين ، وقد مر .

                                                                                                                                                                                  الخامس : أبو بكرة بفتح الباء الموحدة ، واسمه نفيع ، وقد تقدم .

                                                                                                                                                                                  بيان لطائف إسناده : منها : أن فيه التحديث والعنعنة ، ومنها : أن رجاله كلهم بصريون ، ومنها : أنه وقع في بعض النسخ عن محمد ، عن أبي بكرة بحذف " بن أبي بكرة " بينهما ، وفي بعضها عن محمد بن أبي بكرة بتبديل " عن " بلفظ : " ابن " ، وكلاهما وهم فاحش ، وقال الشيخ قطب الدين : وأما سند هذا الحديث فقد وقع في البخاري فيه اضطراب من الرواة عن الفربري ، قال أبو علي الغساني : وقع في نسخة أبي ذر الهروي فيما قيده عن الحموي وأبي الهيثم ، عن الفربري ، عن محمد ، عن أبي بكرة ، هنا سقط ابن أبي بكرة ، ورواه سائر رواة الفربري بإثبات ابن أبي بكرة بين محمد وأبي بكرة ، ووقع الخلل فيه أيضا في كتاب بدء الخلق والمغازي ، وقال أبو الحسن القابسي في نسخة أبي زيد : أيوب ، عن محمد بن أبي بكرة ، وفي نسخة الأصيلي : محمد ، عن أبي بكرة على الصواب ، وذكر الدارقطني في كتاب العلل أن إسماعيل بن علية وعبد الوارث روياه عن أيوب ، عن محمد ، عن أبي بكرة ، لم يذكرا بينهما أحدا ، وكذا رواه يونس عن عبيد ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي بكرة ، ورواه قرة بن خالد ، عن محمد بن سيرين قال : حدثني عبد الرحمن بن أبي بكرة ، ورجل آخر أفضل من عبد الرحمن ، وسماه أبو عامر العقدي : حميد بن عبد الرحمن الحميري ، انتهى كلامه ، وقال الغساني : اتصال هذا الإسناد ، وصوابه أن يكون عن محمد بن سيرين ، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ، عن أبيه ، وعن محمد بن سيرين أيضا ، عن حميد بن عبد الرحمن الحميري ، عن أبي بكرة رضي الله عنه . قلت : الصواب الذي ذكره [ ص: 146 ] هو رواية المستملي والكشميهني كما تقدم في أوائل كتاب العلم من طريق أخرى ، عن محمد ، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ، عن أبيه ، وقد تقدم هناك أكثر ما يتعلق بهذا الحديث .

                                                                                                                                                                                  بيان الإعراب واللغات : قوله : " ذكر النبي عليه الصلاة والسلام قال : فإن دماءكم " أي ذكر أبو بكرة النبي عليه الصلاة والسلام ، وليس هذا من الذكر الذي بعد النسيان ، وقوله : " قال " أي النبي عليه الصلاة والسلام ، المعنى : ذكر أبو بكرة النبي عليه الصلاة والسلام ، ثم قال : قال النبي عليه الصلاة والسلام ، و" الفاء " في " فإن " عاطفة ، والمعطوف عليه محذوف ; لأن هذا الحديث مخروم ; لأنه بعض حديث طويل ، وقد سبق بعضه في باب قول النبي عليه الصلاة والسلام " رب مبلغ أوعى من سامع " حيث قال رسول الله عليه الصلاة والسلام : " أي يوم هذا ؟ فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه ، قال : أليس يوم النحر ؟ فقلنا : بلى ، قال : فأي شهر هذا ؟ فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ، قال : أليس بذي الحجة ؟ قلنا : بلى ، قال : فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا " إلى آخره ، وقد خرم الحديث ها هنا اقتصارا على المقصود ، وهو بيان التبليغ ، قوله : " قال محمد " أي ابن سيرين أحد الرواة ، قوله “ وأحسبه " أي أظنه أي أظن ابن أبي بكرة قال : " وأعراضكم " بالنصب عطف على قوله " وأموالكم " ، وقوله : " قال محمد : وأحسبه قال " جمل معترضة ، قوله : " حرام " خبر إن ، وقال الكرماني : جمل معترضة بين اسم إن وخبرها بحسب الظاهر . قلت : بحسب الظاهر اعتراضها بين المعطوف والمعطوف عليه ، وإن كان في الحقيقة بين اسم إن وخبرها ، فإن قلت : كيف روى محمد بن سيرين ها هنا ظانا في هذا اللفظ ، وفيما تقدم جاز ما فيه كما هو مذكور في ذلك الباب ؟ قلت : إما لأنه كان عند روايته لأيوب ظانا في تلك اللفظة ، وبعدها تذكر ، فحصل له الجزم بها ، فرواها لابن عون جازما ، وإما بالعكس لطرو تردد له أو لغير ذلك ، والله أعلم . فإن قلت : ما معنى قوله " عليكم " إذ معلوم أن أموالنا ليست حراما علينا ؟ قلت : العقل مبين للمقصود ، وهو أموال كل أحد منكم حرام على غيره ، وذلك عند فقدان شيء من أسباب الحل ، ويؤيده الرواية الأخرى وهي " بينكم " بدل " عليكم " ، قوله “ وأعراضكم " جمع عرض بالكسر ، وقد فسرناه هناك مستوفى ، وحاصله أنه يقال للنفس وللحسب ، وقال في شرح السنة : لو كان المراد من الأعراض النفوس لكان تكرارا ; لأن ذكر الدماء كاف ; إذ المراد بها النفوس ، فيتعين الأحساب ، وقال الطيبي : الظاهر أن المراد بالأعراض الأخلاق النفسانية ، قوله “ ألا " بتخفيف اللام كأنه قال : ألا يا قوم هل بلغت ، يعني هل عملت بمقتضى ما قال الله تعالى : بلغ ما أنزل إليك قوله : " وكان محمد " أي ابن سيرين ، قوله : " كان ذلك " قال الكرماني : فإن قلت : ذلك إشارة إلى ماذا ; إذ لا يحتمل أن يشار به إلى " ليبلغ الشاهد " وهو أمر ; لأن التصديق والتكذيب من لوازم الخبر ؟ قلت : إما أن تكون الرواية عند ابن سيرين " ليبلغ " بفتح اللام فيكون خبرا ، وإما أن يكون الأمر في معنى الخبر ، ومعناه إخبار الرسول عليه الصلاة والسلام بأنه سيقع التبليغ فيما بعد ، وإما أن يكون إشارة إلى تتمة الحديث ، وهو أن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى منه ، يعني وقع تبليغ الشاهد أو إلى ما بعده ، وهو التبليغ الذي في ضمن " ألا هل بلغت " ، يعني وقع تبليغ الرسول عليه الصلاة والسلام إلى الأمة ، وذلك نحو قوله تعالى : هذا فراق بيني وبينك قلت : الجواب الأول موجه إن ساعدته الرواية عن محمد بفتح اللام ، وكون الأمر بمعنى الخبر يحتاج إلى قرينة .

                                                                                                                                                                                  أقول : لم لا يجوز أن يكون للإشارة إلى التبليغ الذي يدل عليه ليبلغ ، ومعنى " كان ذلك " وقع ذلك التبليغ المأمور به من الشاهد إلى الغائب ، قوله “ مرتين " يتعلق بقوله " قال " مقدرا أي قال عليه الصلاة والسلام مرتين : ألا هل بلغت ؟ فإن قلت : لم قدرت قال ؟ وما جعلته من تتمة قال المذكور في اللفظ ؟ ويكون ، وكان محمد إلى آخره - جملة معترضة ؟ قلت : حينئذ يلزم أن يكون مجموع هذا الكلام مقولا مرتين ، ولم يثبت ذلك .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية