الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
16718 7414 - (17170) - (4\130) عن الحارث الأشعري، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله عز وجل أمر يحيى بن زكريا عليهما السلام بخمس كلمات، أن يعمل بهن، وأن يأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن، وكاد أن يبطئ، فقال له عيسى: إنك قد أمرت بخمس كلمات أن تعمل بهن، وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن، فإما أن تبلغهن، وإما أن أبلغهن. فقال: يا أخي، إني أخشى إن سبقتني أن أعذب أو يخسف بي ". قال: " فجمع يحيى بني إسرائيل في بيت المقدس، حتى امتلأ المسجد، فقعد على الشرف، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: إن الله عز وجل أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهن، وآمركم أن تعملوا بهن.

أولهن: أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، فإن مثل ذلك مثل رجل اشترى عبدا من خالص ماله بورق أو ذهب، فجعل يعمل، ويؤدي غلته إلى غير سيده، فأيكم سره أن يكون عبده كذلك، وإن الله عز وجل خلقكم ورزقكم، فاعبدوه، ولا تشركوا به شيئا . [ ص: 128 ]

وآمركم بالصلاة، فإن الله عز وجل ينصب وجهه لوجه عبده ما لم يلتفت، فإذا صليتم فلا تلتفتوا.

وآمركم بالصيام، فإن مثل ذلك كمثل رجل معه صرة من مسك في عصابة كلهم يجد ريح المسك، وإن خلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك. وآمركم بالصدقة، فإن مثل ذلك كمثل رجل أسره العدو، فشدوا يديه إلى عنقه، وقدموه ليضربوا عنقه، فقال: هل لكم أن أفتدي نفسي منكم؟ فجعل يفتدي نفسه منهم بالقليل والكثير حتى فك نفسه.

وآمركم بذكر الله عز وجل كثيرا، وإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا في أثره، فأتى حصنا حصينا، فتحصن فيه، وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله - عز وجل - " .

قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وأنا آمركم بخمس الله أمرني بهن: بالجماعة، والسمع، والطاعة، والهجرة، والجهاد في سبيل الله، فإنه من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يرجع ، ومن دعا بدعوى الجاهلية، فهو من جثاء جهنم " قالوا: يا رسول الله، وإن صام، وإن صلى ؟ قال: " وإن صام، وإن صلى، وزعم أنه مسلم، فادعوا المسلمين بأسمائهم بما سماهم الله عز وجل المسلمين المؤمنين عباد الله - عز وجل
- " .

التالي السابق


* قوله : " أن يعمل بهن ": بدل من "خمس كلمات ".

* "أن يبطئ": من أبطأه: إذا أخره .

* "على الشرف ": ضبط - بضم ففتح - ; أي: الأمكنة العالية، والمراد: على بعضها .

* "فإن مثل ذلك": أي: مثل الشرك آفة المشرك .

* "مثل رجل ": أي: غلام رجل . [ ص: 129 ]

* "أن يكون عبده كذلك ": أي: فكيف يرضى ربكم أن تعبدوا غيره وأنتم عبيده "ينصب ": أي: يتوجه إلى عبده .

* "في عصابة": جماعة; أي: فكما أن ذاك ذو جاه وقدر عندهم، كذلك الصائم عند الله .

* "خلوف": - بضم الخاء - وجوز بعض - فتحها - ، وخطأه بعض: تغير ريح الفم، وكونه أطيب معناه: أن صاحبه عند الله تعالى ذو قدر فوق قدر صاحب المسك عندكم .

* "أسره ": كضرب; أي: جعلوه أسيرا .

* "حتى فك نفسه ": أي: فكما أن ذاك انتفع بالمال، وفك به نفسه، كذلك صاحب الصدقة يفك بها نفسه من الهلاك .

* "ربق الإسلام": - بكسر ففتح - : جمع ربقة - بكسر فسكون - : عروة من حبل تجعل [في]، عنق بهيمة، استعير لما يلزم العتق من حدود الإسلام وأحكامه، والمراد هاهنا: بيان حال مخالفة الإجماع، أو مخالفة المسلمين إذا اتفقوا على خليفة، أو بيان ترك الصلاة جماعة، وقيل: هو ترك مذهب أهل السنة .

* "جثا جهنم ": ضبط - بضم جيم وقصر - : جمع جثوة - بضم جيم - ، وقيل: - مثلثة الجيم - : ما جمع من نحو تراب، استعير للجماعة .

* "وادعوا المسلمين ": أي: لا تدعوهم بأسماء الجاهلية، بل ادعوهم بأسماء الإسلام، وقوله: "المسلمين. . . إلخ، بيان لتلك الأسماء .

* * *




الخدمات العلمية