الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
18120 8000 - (18593) - (4 \ 293) عن زهير، حدثنا أبو إسحاق، أن البراء بن عازب قال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرماة يوم أحد، وكانوا خمسين رجلا، عبد الله بن جبير قال: ووضعهم موضعا وقال: " إن رأيتمونا تخطفنا الطير، فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا ظهرنا على العدو وأوطأناهم، فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم "، قال: فهزموهم. قال: فأنا والله رأيت النساء يشتددن على الجبل، وقد بدت أسوقهن وخلاخلهن رافعات ثيابهن، فقال أصحاب عبد الله بن جبير: الغنيمة أي قوم الغنيمة، ظهر أصحابكم، فما تنظرون؟ فقال عبد الله بن جبير: أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: إنا والله لنأتين الناس، فلنصيبن من الغنيمة، فلما أتوهم، صرفت وجوههم، فأقبلوا منهزمين، فذلك الذي يدعوهم الرسول في أخراهم، فلم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غير اثني عشر رجلا، فأصابوا منا سبعين رجلا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أصاب من المشركين يوم بدر أربعين ومائة: سبعين أسيرا، وسبعين قتيلا. فقال أبو سفيان: أفي القوم محمد؟ أفي القوم محمد؟ أفي القوم محمد؟ ثلاثا، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجيبوه، ثم قال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ أفي القوم ابن أبي قحافة؟ أفي القوم ابن الخطاب؟ أفي القوم ابن الخطاب؟ ثم أقبل على أصحابه، فقال: أما هؤلاء، فقد قتلوا وقد كفيتموهم، فما ملك عمر نفسه أن قال: كذبت والله يا عدو الله، إن الذين عددت لأحياء كلهم، وقد بقي لك ما يسوءك، فقال: يوم بيوم بدر، والحرب سجال، إنكم ستجدون في القوم مثلة لم آمر بها، ولم تسؤني، ثم أخذ يرتجز: اعل هبل، اعل هبل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا تجيبونه؟ " قالوا: يا رسول الله، وما نقول؟ قال: " قولوا: الله أعلى وأجل ".

[ ص: 118 ] قال: إن العزى لنا، ولا عزى لكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا تجيبونه؟ " قالوا: يا رسول الله، وما نقول؟ قال: " قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم ".


التالي السابق


* قوله: "تخطفنا الطير": كناية عن القتل؛ فإن الطير إنما تخطف لحم الميت.

* "فهزموهم": أي: هزم المسلمون العدو.

* "النساء": أي: نساء العدو.

* "الغنيمة": - بالنصب - أي: اقصدوها، أو - بالرفع - أي: هي مقصودة.

* "الناس": أي: نحضر المسلمين الآخذين للغنيمة، أو الكافرين؛ أي: مكانهم.

* "صرفت وجوههم": أي: وجوه الكافرين إلى المسلمين، أو وجوه المسلمين عن القتال.

* "فأقبلوا ": أي: المسلمون.

* "فذلك الذي يدعوهم": العائد إلى الموصول مقدر؛ أي: يدعوهم بسببه.

* "أفي القوم": أي: فيمن بقي من المؤمنين.

* "فقال: أما هؤلاء، فقد قتلوا": كأنه علم أن فرارهم غير ممكن.

* "فما ملك عمر. . . إلخ": كأنه فهم أن مقصود النبي صلى الله عليه وسلم إغاظته بترك الجواب، فلما رأى أن الجواب أدخل فيه، أخذ يجيب لذلك.

* "سجال": - بكسر سين وخفة جيم - : جمع سجل - بفتح فسكون - بمعنى: الدلو، فكما أن الدلو لا يختص بأحد دون آخر، كذلك الغلبة في الحرب.

* "في القوم": أي: في المقتولين من المؤمنين.

[ ص: 119 ] * "اعل": أمر من العلو بوزن ادع.

* "هبل": - بضم ففتح - بتقدير: يا هبل: هو اسم صنم؛ أي: كن عاليا بعلو أصحابك، والمراد: الإخبار بأنه صار عاليا اليوم.

* * *




الخدمات العلمية