الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
23192 10084 - (23704) - (5\437) عن سلمان، قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية، ولا يقبل الصدقة".

التالي السابق


* قوله: "يقبل الهدية ولا يقبل الصدقة": قال النووي في "تهذيبه": قال صاحب "التتمة": الهدية في معنى الهبة، إلا أن غالب ما يستعمل لفظ الهدية فيما يحمل إلى إنسان أعلى منه.

قلت: ليس هذا كما قال بل يستعمل في حمل الإنسان إلى نظيره، ومن فوقه، ومن دونه، قال صاحب "التتمة": وأما الصدقة، فهي صرف المال إلى المحتاجين بقصد التقرب إلى الله تعالى، وقال صاحب "الشامل": الهبة والهدية وصدقة التطوع بمعنى واحد، وكل واحد من ألفاظها يقوم مقام الآخر، إلا أنه إذا دفع شيئا إلى المحتاجين ينوي به التقرب إلى الله تعالى فهو صدقة، وإن دفع ذلك إلى غير محتاج للتقرب إليه والمحابة، فهو هدية وهبة، ومثله قول من قال: الهبة والهدية: ما يقصد بها في الغالب التواصل والتحابب، والصدقة: ما يقصد بها التقرب إلى الله تعالى، انتهى كلام النووي.

[ ص: 18 ]

وقيل: الصدقة: منحة يمنحها المانح طلبا لثواب الآخرة، تكون من الأعلى إلى الأدنى، وفيها رؤية تذلل الآخذ، والترحم عليه، بخلاف الهدية؛ فإنها منحة لا يرى فيها تذلل الآخذ، بل يطلب بها التحبب والتقرب إليه والإكرام له، انتهى.

والظاهر أن اعتبار الثواب والتقرب إلى الله تعالى في الصدقة دون الهدية لا يخلو عن خفاء؛ فإن الظاهر أن الهدية إلى مثله صلى الله عليه وسلم يقصد بها التقرب إلى الله تعالى، والثواب، وأيضا إذا اعتبر في الصدقة التقرب والثواب، فينبغي ألا تصح الصدقة قبل الإسلام، فكيف لم يبين صلى الله عليه وسلم لسلمان ذلك حين أتى بالصدقة إليه؟ والله تعالى أعلم.

والأقرب أن المعتبر في الصدقة قضاء حاجة المحتاج، ودفع فقره، وفي الهدية إكرام الغير، وإظهار التودد إليه، فصار فيها إظهار لحاجة نفسه إلى تودد ذلك الغير، ولعل هذا مراد من قال: الهدية تكون إلى أعلى منه؛ فإن المهدي كأنه المحتاج إلى تودد الغير، فهو أعلى منه من هذه الحيثية، والله تعالى أعلم.

* * *




الخدمات العلمية