الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
24321 10586 - (24842) - (6\114) عن أنس، قال: بينما عائشة في بيتها إذ سمعت صوتا في المدينة، فقالت: ما هذا؟ قالوا: عير لعبد الرحمن بن عوف قدمت من الشام تحمل من كل شيء، قال: فكانت سبع مائة بعير، قال: فارتجت المدينة من الصوت، فقالت عائشة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: "قد رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا" فبلغ ذلك عبد الرحمن بن عوف، فقال:

[ ص: 280 ]

إن استطعت لأدخلنها قائما، فجعلها بأقتابها، وأحمالها في سبيل الله عز وجل.


التالي السابق


* قوله: "يقول: قد رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا": قال العراقي: هذا الحديث أورده ابن الجوزي في " الموضوعات" وقال: قال أحمد: هذا الحديث منكر، قال: وعمارة يروي أحاديث مناكير، وقال أبو حاتم الرازي: عمارة بن زاذان لا يحتج به، ورده الحافظ في "القول المسدد" فقال: لم ينفرد به عمارة؛ فقد روى البزار من طريق أغلب بن تميم عن ثابت البناني بلفظ: "أول من يدخل الجنة من أغنياء أمتي عبد الرحمن بن عوف، والذي نفس محمد بيده! إن يدخلها إلا حبوا" وأغلب شبيه بعمارة في الضعف، لكن لم أر من اتهمه بالكذب.

وقد رواه عبد بن حميد في "مسنده" أتم سياقا من رواية أحمد، ولفظه: "إن عبد الرحمن لما هاجر آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين عثمان بن عفان، فقال له: إن لي حائطين، فاختر أيهما شئت، فقال: بارك الله في مالك، ما لهذا أسلمت، دلني على السوق، قال: فدله، فكان يشتري السمنة والأقطة والإهاب، فجمع شيئا، فتزوج، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: "بارك الله لك، أولم ولو بشاة" قال: فكثر ماله حتى قدمت له سبع مئة راحلة تحمل البز، وتحمل الدقيق والطعام، فلما دخل المدينة، سمع لأهل المدينة رجة، فقالت عائشة: ما هذه الرجة؟ فذكر الحديث، وفيه من النكارة إخاءة عبد الرحمن لعثمان، والذي في "الصحيحين": أنه سعد بن الربيع، وهو الصواب.

والذي أراه: عدم التوسع في الكلام عليه؛ فإنه يكفينا شهادة الإمام أحمد بأنه كذب، وأولى محامله أن هذا من الأحاديث التي كان الإمام يضرب عليها، فإما أنه ترك الضرب سهوا، وإما أن يكون بعض من كتبه عن عبد الله كتب الحديث، وأخل بالضرب.

[ ص: 281 ]

ثم رأيت بعد ذلك للحديث شاهدا قوي الإسناد، وهو في "مسند الشاميين" للطبراني: عن حفصة بنت عمر قالت: كان يوم من أيامها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنام في بيتها، فطالت نومته، فهممت أن أوقظه، فهبته، فهب من نومه محمرة عيناه، فقلت: يا رسول الله! إني هممت أن أوقظك، فقال: "إني أعجبني أني رأيت أحدهم - يعني: صعاليك المهاجرين في سبيل الله - أنه يمر أحدهم بحجبة الجنة، فيرمي إليهم بسيفه، ويقول: دونكم، لم أعط ما أحاسب عليه، ثم يدخل الجنة، ورأيت أبطأ الناس دخولا النساء وذوو الأموال، وما قام عبد الرحمن بن عوف حتى أستبطأت له القيام".

وله شاهد آخر رواه البزار في "مسنده": عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا عبد الرحمن! إنك من الأغنياء، ولا تدخل الجنة إلا زحفا، فأقرض الله يطلق قدميك" فقال عبد الرحمن: ما الذي أقرض؟ وخرج عبد الرحمن، فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مر عبد الرحمن فليضف الضيف، وليطعم المسكين، وليعط السائل؛ فإن ذلك يجزئه من خير ما هو فيه" وفي هذا السند ضعف.

وأخرج البزار أيضا، والطبراني من حديث عبد الرحمن بن أبي أوفى بسند ضعيف، وفيه: ثم أقبل على عبد الرحمن فقال: "لقد أبطأتك عن أصحابي حتى خشيت أن تكون هلكت وغرقت" فقال؛ أي: لعبد الرحمن: "ما أبطأ بك" فقلت: يا رسول الله! من كثرة مالي ما زلت موقوفا محاسبا أسأل عن مالي من أين اكتسبته وفيما أنفقته، فبكى عبد الرحمن وقال: يا رسول الله! هذه مئة راحلة جاءتني الليلة من تجارة مصر، فإني أشهدك أنها صدقة على فقراء أهل المدينة، لعل الله أن يخفف عني ذلك اليوم، وفي سنده عمار بن يوسف، وهو ضعيف.

قال المنذري في "ترغيبه": ورد من حديث جماعة من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن عبد الرحمن يدخل الجنة حبوا؛ لكثرة ماله، ولا يسلم أجودها من [ ص: 282 ] مقال، ولا يبلغ شيء منها بانفراده درجة الحسن، وقد سبق الحديث في "المسند" من حديث أبي أمامة الباهلي.

وروى السراج في "تاريخه" عن محمد بن عبد الرحمن بن عوف، عن النبي صلى الله عليه وسلم: رأى أنه دخل الجنة، فلم ير فيها أحدا من الأغنياء إلا عبد الرحمن بن عوف، وقال: "رأيت عبد الرحمن دخلها حين دخل حبوا" فأرسلت أم سلمة إلى عبد الرحمن تبشره، فقال: إن لي عيسا أنتظرها، فهي في سبيل الله بأحمالها ورقيقها، وإني لأرجو أن أدخلها غير حبو. رجاله ثقات، انتهى .

* * *




الخدمات العلمية