الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        3032 - وهو ما حدثنا ابن أبي داود ، قال : ثنا أبو اليمان ، قال : أنا شعيب ، عن الزهري ، قال : ثنا السائب بن يزيد أن حويطب بن عبد العزى أخبره ، أن عبد الله بن السعدي أخبره ، أنه قدم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته ، فقال له عمر : ( ألم أحدث أنك تلي من أعمال الناس أعمالا ، فإذا أعطيت العمالة كرهتها ) فقال : نعم .

                                                        فقال عمر : فما تريد إلى ذلك ؟ قلت : إن لي أفراسا وأعبدا وأنا أتجر ، وأريد أن يكون عمالتي صدقة على المسلمين .

                                                        [ ص: 22 ] فقال عمر : فلا تفعل ؛ فإني قد كنت أردت الذي أردت ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء ، فأقول : أعطه من هو أفقر إليه مني ، حتى أعطاني مرة مالا ، فقلت له ذلك .

                                                        فقال النبي صلى الله عليه وسلم : خذه فتموله ، فما جاءك من هذا المال ، وأنت غير مشرف ، ولا سائل ، فخذه ، وما لا فلا تتبعه نفسك .


                                                        قال : ففي هذا الحديث تحريم المسألة أيضا .

                                                        قيل له : ليس هذا على أموال الصدقات ، إنما هذا على الأموال التي يقسمها الإمام على الناس ، فيقسمها على أغنيائهم وفقرائهم .

                                                        كما فرض عمر لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دون الدواوين ، ففرض للأغنياء منهم وللفقراء ، فكانت تلك الأموال يعطاها الناس ، لا من جهة الفقر ، ولكن لحقوقهم فيها .

                                                        فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر ، حين أعطاه الذي كان أعطاه منها قوله : أعطه من هو أفقر إليه مني .

                                                        أي : إني لم أعطك ذلك لأنك فقير ، إنما أعطيتك ذلك لمعنى آخر غير الفقر .

                                                        ثم قال له : ( خذه ، فتموله ) فدل ذلك أيضا أنه ليس من أموال الصدقات ؛ لأن الفقير لا ينبغي له أن يأخذ من الصدقات ما يتخذه مالا ، كان ذلك عن مسألة منه أو عن غير مسألة .

                                                        ثم قال : " فما جاءك من هذا المال الذي هذا حكمه ، وأنت غير مشرف ، أي : تأخذه بغير إشراف .

                                                        والإشراف : أن تريد به ما قد نهيت عنه .

                                                        وقد يحتمل قوله : ( ولا مشرف ) ، أي : ولا تأخذ من أموال المسلمين أكثر مما يجب لك فيها ، فيكون ذلك شرفا فيها ( ولا سائل ) ، أي : ولا سائل منها ما لا يجب لك .

                                                        فهذا وجه هذا الباب - عندنا - والله أعلم .

                                                        فأما ما جاء في أموال الصدقات ، فقد أتينا بمعاني ذلك ، فيما تقدم ذكره ، من هذا الباب .

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية