الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
السابعة : آخرهم على الإطلاق موتا أبو الطفيل عامر بن واثلة، مات سنة مائة من الهجرة .

[ ص: 926 ]

التالي السابق


[ ص: 926 ] 150 - قوله: (آخرهم على الإطلاق موتا أبو الطفيل عامر بن واثلة، مات سنة مائة ) انتهى.

وقد اعترض عليه بأن عكراش بن ذؤيب عاش بعد الجمل مائة سنة فيما حكاه ابن دريد في (الاشتقاق).

قلت: هذا خطأ صريح ممن زعم ذلك، وابن دريد لا يرجع إليه في [ ص: 927 ] ذلك، وابن دريد أخذه من ابن قتيبة؛ فإنه حكى في (المعارف) هذه الحكاية التي حكاها ابن دريد. وابن قتيبة أيضا كثير الغلط، ومع ذلك فالحكاية بغير إسناد، وهي محتملة؛ لأنه إنما أراد أنه أكمل بعد ذلك مائة سنة، وهو الظاهر؛ فإن حاصل الحكاية المذكورة أنه حضر مع علي وقعة الجمل، وأنه مسح رأسه، فعاش بعد ذلك مائة سنة لم يشب، فالظاهر أنه أكمل مائة.

والصواب ما ذكره المصنف أن آخرهم موتا على الإطلاق أبو الطفيل، ولم يختلف في ذلك أحد من أهل الحديث، إلا قول جرير بن حازم: إن آخر الصحابة موتا سهل بن سعد، والظاهر أنه أراد بالمدينة، وأخذه من قول سهل؛ حيث سمعه يقول: "لو مت لم تسمعوا أحدا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" وإنما [ ص: 928 ] كان خطابه هذا لأهل المدينة، أو أنه لم يطلق اسم الصحبة على أبي الطفيل، فقد عده بعضهم في التابعين.

وما ذكرناه من أن أبا الطفيل آخرهم موتا جزم به مسلم بن الحجاج، ومصعب بن عبد الله، وأبو زكريا بن منده، وغيرهم.

وروينا في صحيح مسلم بإسناده إلى أبي الطفيل قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما على وجه الأرض رجل رآه غيري".

وأما كون وفاته سنة مائة فروينا في صحيح مسلم من رواية إبراهيم بن محمد بن سفيان قال: قال مسلم: "مات أبو الطفيل سنة مائة وكان آخر من مات من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم" وكذا قال شباب العصفري فيما رواه الحاكم في [ ص: 929 ] (المستدرك) أنه مات سنة مائة، وكذا جزم به ابن عبد البر.

وفي وفاته أقوال أخر:

أحدها: أنه بقي إلى سنة عشر ومائة، وهو الذي صححه الذهبي في الوفيات، وروى وهب بن جرير بن حازم، عن أبيه قال: "كنت بمكة سنة عشر ومائة، فرأيت جنازة، فسألت عنها، فقالوا: هذا أبو الطفيل".

والقول الثاني: أنه توفي سنة سبع ومائة، وجزم به أبو حاتم بن حبان، وابن قانع، وأبو زكريا بن منده.

[ ص: 930 ] والقول الثالث: أنه توفي سنة اثنين ومائة، قاله مصعب بن عبد الله الزبيري.

وكيف يظن عاقل أنه يتأخر رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في بلد من البلاد، أو حي من أحياء العرب بعد الصحابة أجمعهم بثلاثين سنة فأكثر لا يقصده أحد من التابعين والرواة والعلماء، ولا يطلع عليه أحد من المحدثين؟!!

وقد ادعى جماعة بعد ذلك أن لهم صحبة، وهم في ذلك كاذبون، فقصدوا لذلك، وأخذ عنهم.

أفيكون عكراش بن ذؤيب الذي حديثه في السنن، واجتماعه به صلى الله عليه وسلم وأكله [ ص: 931 ] معه مشهور، ثم لا يطلع عليه أحد، ولا ينقل في خبر صحيح ولا ضعيف أنه لقيه أحد، أو أخذ عنه، أو عرفت وفاته؟!! هذا ما لا يحتمل وقوعه بوجه من الوجوه. والله أعلم.




الخدمات العلمية